الكوتا الشركسية / 1 ..!

8 أغسطس 2021
الكوتا الشركسية / 1 ..!

 

زهدي جانبيك

بعد تشكيل اللجنة الملكية للإصلاح السياسي، تعاظم اهتمام (من يهتم اصلا) بالشان الانتخابي، وكان اهتمامي (وما زال) منصباً على مسألة المساواة في التمثيل السياسي بين كافة المواطنين.

وفي كل مرة كنت اطرح هذه المسألة العادلة، كان يأتيني من بين الأصدقاء القراء من يذكرني بموضوع الكوتا الشركسية، وانها تخالف ما ادعو اليه من مساواة. وفي كل مرة كنت أوضح أنني من اول المطالبين بالغاء كافة الكوتات البدوية ، والمسيحية ، والشركسية … مع قليل من التحفظ على الكوتا النسائية كونها لا تؤدي إلى خلل في المساواة بين مكونات المجتمع الأردني.

بل، ان البعض من اهلي الشراكسة أعلن الخصومة بينه وبيني معتقدا ان ما اكتبه على صفحات التواصل الاجتماعي يمس الحقوق المكتسبة لشراكسة الأردن وان مقترحاتي في هذا الشأن سيتم تطبيقها فورا…

هذا الجهل في المصالح والحقوق والمساواة، أدى بهذا البعض الى سوء فهم للعملية الإنتخابية جملة وتفصيلا، بما في ذلك سوء فهم الكوتات وما يقصده المشرع منها، وما تسببت به من أذى للمجتمعات التي تم تخصيص كوتا لها.

ولما تقدم، اكتب اليوم لتوضيح أنني ما زلت اول المطالبين بالمساواة بين المواطنين في الحقوق السياسية، واول المطالبين بالغاء كافة الكوتات من منظومتنا الإنتخابية ، مع بعض التهاون بموضوع الكوتا النسائية اولا لأنها كوتا حقيقية تبين الحد الادنى للمقاعد التي يمكن للمرأة الحصول عليها، وثانيا لأنها تختلف عن نظام المحاصصة البدوي الشركسي المسيحي الذي يحرم حتى المرأة من هذه المجتمعات الثلاث من حق المشاركة في المنافسة على مقاعد الكوتا النسائية بسبب العرق أو الدين.

 

الفرق بين الكوتا، والمحاصصة:

للأسف الشديد، منذ أن قام الاحتلال الانجليزي بتعطيل قانون الانتخابات الذي تم وضعه عام 1923 من قبل ثلة من الوطنيين الاردنيين، واستبداله بقانون الانتخابات لعام 1928 والذي يقوم على مبدأ المحاصصة، وليس الكوتات كما يدعون، فقد غرس (المحتل الانجليزي) بذور التفرقة بين أبناء الشعب الاردني الواحد، وبمرور الزمن، تكونت قناعة لدينا ان هذه حقوق مكتسبة لا يجوز التفريط بها، واصبحت محل تنازع احيانا، دون النظر الى الجانب الاسود المظلم لنظام المحاصصة الذي ابتدعه المحتل الانجليزي وغرسه في اذهاننا.

و للتوضيح، فإن الكوتا هي إجراء مؤقت يبين الحد الأدنى من المقاعد النيابية المخصصة لفئة معينة من المجتمع على أسس دينية، أو اثنية، أو عرقية أو دينية، أو لغوية، أو جندرية، وتستمر هذه الإجراءات المؤقتة الى حين زوال المعيقات التي تمنع هذه الاقليات من الحصول على التمثيل السياسي العادل… إذن من الناحية النظرية فانها (الكوتا) يجب أن تمثل الحد الأدنى من المقاعد التي يمكن الحصول عليها، بينما على ارض الواقع التطبيقي فانها حصة تمثل الحد الأعلى من المقاعد النيابية المخصصة لكل من الفئات الثلاث.

ولهذا فان نظام المحاصصة الذي وضعه المحتل الانجليزي منذ عام 1928، ينص على تحديد الحد الأعلى من المقاعد التي يمكن أن تحصل عليها هذه الفئات الثلاث من خلال تخصيص مقعدين فقط للشركس، ومقعدين فقط للبدو ، وثلاثة مقاعد فقط للمسيحيين… ولا يجوز لابناء هذه الفئات الثلاث ان تحصل على اي مقاعد اضافية، ولا يجوز لها الترشح خارج دوائر جغرافية محددة قانونا لكل واحدة من هذه الفئات الثلاث. كما حدث مع الناشط السياسي باسم تليلان عندما رفضت الهيئة المستقلة للانتخابات ترشحه في الدائرة الثالثة بعمان لانه من أبناء عشائر بدو الوسط ولا يجوز له الترشح خارج دائرة بدو الوسط. ورفض ترشح إحدى سيدات المجتمع الشركسي في الشونة الشمالية لنفس السبب.

هذه الإجراءات ، وهذا التشوه في القانون، أدى إلى ضعف اهتمام وضعف مشاركة هذه الفئات المجتمعية الثلاث بالانتخابات النيابية، والحياة الحزبية وبالعملية السياسية برمتها، كون المشاركة، أو عدمها لن تزيد أو تنقص من نسبة تمثيلهم في البرلمان، إذ ان حصتهم محفوظة كما يقال.

وبالتالي، بدلا من أن تساعد هذه (المحاصصة البغيضة) على إزالة المعيقات من أمام هذه الفئات الثلاث وتزيد من رغبتها وقدرتها على المشاركة في الحياة السياسية، ادت الى مزيد من العزل والعزلة لهذه الفئات (سياسيا) بالإضافة إلى حرمانها من التفاعل مع محيطها الاجتماعي.

ولمزيد من ايضاح الصوة على ارض الواقع، اضرب مثلا: الاهل الشراكسة في جرش الذين يحرمون من الترشح في جرش ، وفي حال رغبتهم في ممارسة حقهم بالترشح للانتخابات، عليهم الانتقال إلى الزرقاء الأولى، أو عمان الثالثة، أو الخامسة ، الأمر الذي يضعهم خارج قواعدهم الإنتخابية ويعمل على اجبارهم لنقل أصواتهم الى تلك الدوائر مما يحرمهم من التفاعل مع المجتمع المحلي وينطبق ذلك على شراكسة الرصيفة، وابو نصير، وناعور، والعقبة، وغيرها من المناطق. ولهذا، يعزف معظمهم عن التفاعل مع الأحزاب السياسية، وفي المقابل، لا ترى فيهم الأحزاب قواعد شعبية مغرية للاستقطاب الى عضويتها… وهذا الأمر ينطبق على المواطنين المسيحيين، والبدو.

هذه واحدة من سيئات نظام المحاصصة الذي وضعته بريطانيا في قانوننا الانتخابي، وقمنا نحن بالمحافظة عليه، وترسيخه بشكل كبير، بل واستغلاله في ترسيخ عدم المساواة في التمثيل السياسي بين المواطنين الأردنيين.

يتبع في الحلقة (2).