ولاء القضاة _ الكرك
….. كثيرا ما إفتقدت الأمل لأغرق نفسي باليأس والضجر ، تجاهلت بتري لجدائل الشمس مسدلة ستار الظلام الموحش على نفسي لا شئ هناك سوى الليل القاتم وحديثه القهقري ، حاولت إعادة ألوان الحياة على وجهي الشاحب وفشلت مرارا ربما ؛ لقسوة الإختبارات بكل محاولة كنت أرتدي ثوبا قهريا من الجليد ينتهك جسدي كصراع بين ذئب وقاصر أدمت بجراحها الثلوج ، تبلدت مواطن روحي وأسرت بسمتي قهرا لأخفيها ما إن بدت وأقضمها بأسناني خوفا من سياط الجليد المسنن على جسدي الهزيل إن بان ناب من ثغري ، كثيرا ما كنت أستحضر مراسم وفاتي وتشييع جثماني كنت أتمنى الموت مرة واحدة فكيف يموت المرء مرات عديدة لا مرتين ؟! ، كيف لي ان أحتمل كل هذا ؟ ، ربما لو صرخت عالياً على سفح الجبل لاخمدت الضجيج علني أوقف نزف اوتاري الممزقة ربما أستطيع الثبات والتحكم بأطرافي المرتشعة الأشبه بأطراف مبتورة ظلما ، بكل يوم كنت احترق لأصبح رمادا ليس إلا وما احرقني الا شبح عملاق يسطو على خلجاتي منتزعا السعادة مني وإن قلت ، ما أود قوله ما أقسى أن تدعي القوة وأنت بأشد حالات ضعفك ؟! ما أصعب أن تدعي الثبات وأنت على شفا حفرة من الإنهيار ؟! ما كان ذنب أحد غيري انا هي من همشت نفسها منذ وفاة والدها ومرض روحها الطاهرة ( والدتي ) فكيف لي أن ارفض السياط كيف لي أن أبتعد عن هامش الحياة وأنا افتقد والدي وبكل يوم اموت خوفاً على جنتي المتعبة وزهرتي الجميلة .
أذكر أنني بذات يوم إستفقت فجرا هذا الوقت الذي لطالما أحببته ببركاته وسحره الخلاب والطرب على زقزقة العصافير التي كانت تبث السعادة لنفسي ، ما كان مني إلا الإستسلام لرسالة الصباح ( ها هي الشمس ستشرق مجددا لأجلك يا ولاء ، ستشرق من أجلك فقط ) دهشت من فحواها ، تسمرت واستكنت بدأت أقضم بسمتي خوفاً من أن أجلد مجدداً ، توجهت لشرفة البيت وجلست لاستنشق الهواء وكأنني أول مرة اسحب انفاسي ، لوهلة من الزمن أغلقت عيناي لأشعر بدفئ السكينة والنور يخترق أهدابي ، لكن لما أرى الآن جثمان ميت غارق بالوحل ووجوه مرعبة تختفي من أمامي ؟ ، ليقترب مني صوت كفحيح الأشجار ، وزوبعة ألقتني من هناك إلى حيث أنا ، إستفقت من الهذيان أرفرف فرحا بعدما تحرر إحدى العصافير من القفص ليحلق بالسماء ويعزف بناي صنعه من قصب السكر من ذاك القفص الذي كان يحتبسه ليكتب كلمة واحدة الألم ثم يطمس الحرفين الأخيرين صانعا من الألم أمل بهذه اللحظة أحسست وكأن الشمس أشرقت من عيني ، لكن ماذا عن غروبها هل سيكون رحيما بي ؟
إنتظرت الغروب وألف سؤال يجول بخاطري ما هو السر الذي أخفاه الشروق عني ؟ بت أنتظر إلى أن أتى الغروب بحمرته الجذابة ، يا إلهي ! كيف لها التبسم وهي تتلاشى ؟ ولما لم تقترب مني هكذا بالصباح ؟ ! ولما هذه الحركة اللولبية ؟! يا ترى هل تمازحني أم أنها تسخر مني ؟!
ولاء …. هذا ما سمعته الآن إنه إسمي لكن من المنادي ؟ أتسآل وما من مجيب ، ما زال نظري شاخص أمام الشمس وتمركزها أوسط التلال ، لتسقط ذلك الميت الزاحف وتعريه من الكفن وانا بحالة من الذهول والصدمة، عادت مشاهد الشروق بحلة جديدة كانت تخبرني أنني ذلك الميت الذي يحبو للحياة مودعا ضباب اليأس مختلعا قناع الهلوسة والفزع ، فأما عنها فأخذت بالإقترب مني كثيرا ، أشعر بغرابة كلما إقتربت وكأن شئ ما يجدف بقلبي لأعود وأنعم بالسلام والدفئ شرعت لها ذراعي فاحتضنتني بقوة وحظيت بسعادة عارمة فأخذت تكفكف دموعي وكيف لا والشمس شمسين ( والدتي وشقيقتي ) إختلجت ضلوعنا ببعضها البعض وبركان من الدموع يتفجر مني ، يلقين بالعتاب على جبهتي لما كل هذا يا ولاء ؟ ها نحن بجانبك صغيرتنا ؟ وأنا ما زلت أصرخ وأحترق بأنفاسي اللاهثة ما عدت كما أنا والله ما عدت كما أنا مللت البسمة المليئة بالآهات والمعاناة تلك البسمة العاجزة عن التصريح بما أشعر ما زلت بحالة صمت أمامهن محاولة العبث معهن مجددا لكن والدتي الوحيدة من تقرأ لغة عيني فلا كذب بعد الآن لترغمني والدتي على الابتهاج بالفعل ما إن كشفت سري وربما سأجد إجابات لحديث أولاده تساؤلات وهذيان مفاجئ .
من أين يأتين بهذا الجبروت ؟!
هل سأكون قوية كما هن إن وضعت بهذا الإختبار تبعا للعامل الوراثي ؟
………. تمر بي السنين لأجد نفسي أسرد حكايتي معهن كالعاجزة أمام عظمة الملكة الصنديدة والأميرة الجميلة ، ها أنا أقف أمامهن على التل كفرد من حاشية والدتي فسرعان ما توهجت شمسهن ليسدلن علي طيفا يجبرني على الإغماض ، كنت مخطئة عندما أتيتهن ضعيفة فهن لن يعتدن علي كذلك وإن كان بالخيال .
تتقدم إلي والدتي بكل ما فيها من عزة وكبرياء وبكل ما تحمله من غرائز الأمومة الجياشة لتربت على قلبي قائلة : لا تضعفي يا بنيتي ها أنا بجانبك أما تشتمين رائحتي كل يوم ؟ آه منك كم أنت شقية فلما القلق إذا ؟ فأجيبها لأنني أحبك جما يا ( جمولتي ) وأدعوا الله بكل يوم أن يأخذ أمانته مني قبلك لتصعد روحي بسلام بين يديك ، ها هي تمسك بذراعي بنعومة أناملها لتدخلني معها بمعركتها الرابحة على مدار ١٠ سنوات من النضال والكفاح لمرض سرطان الثدي الذي تم إكتشافه بعد سنة من تواجده بجسدها العزيز وتعد هذه الفترة إكتشاف مبكر للمرض ، دخلنا سويا إلى مستشفى الكرك الحكومي والقلق ينتابنا خوفاً من أن تصدر النتيجة كما إعتقدنا نظرا للأعراض التي بدت واضحة على والدتي من الآم شديدة في الصدر والكتف الأيمن وتساقط الشعر بشكل غير معهود ، أجرينا الفحوصات السريرية التراساوند والماموغرام ٢٣/٢/٢٠١١ وأنتظرنا ما يقارب الإسبوعين على إصدار نتيجة الفحص ما تطلب إزاءها أخذ خزعة من الثدي ليؤكد لنا الدكتور بشار نشوان على وجود مرض السرطان بثدي والدتي وإجراء متطلبات تحويلها إلى مستشفى البشير لإجراء اللازم وبدوره قام الدكتور وليد الحميري أخصائي معالجة بالأشعة مسؤولا عن حالة والدتي مبتدئا بالإشارة إلى أهمية العامل النفسي للمريض وتوفير سبل الراحة ثم عمل على إصدار التقرير الذي يتطلب إستئصال جزئي للثدي الأيمن ولاحقا بالعلاج الكيماوي ومن ثم العلاج الشعاعي الثلاثي الأبعاد مع جرعة مدعمة بالحزم الإلكترونية ومن ثم تحويلها إلى مركز الحسين للسرطان لفرض العلاج الشعاعي بسبب تعطل الجهاز ، وأكد على تحذيرها بعدم التقرب من الغاز أو من الأطفال بعد تلقي العلاج الكيماوي منعا لوجود أضرار جسيمة وذلك نظرا لبقاء وجود الكيماوي لمدة يومين داخل الجسد ، وأشير هنا بأن والدتي عانت من خطأ طبي تم به إستئصال الغدد السليمة كاملة بدلا من إستئصال الغدد المصابة من قبل الجراح د : م . ك وما إن توجهنا للمختبر دهشوا بنتيجة الفحص قائلين محال أن تكون هذه النتائج لمريض بالكانسر لأن جميع النتائج سليمة فتوجهت والدتي برفقة شقيقتي أسماء للطبيب المسؤول الحميري والطبيب يزن الشقارين لتزويدهما بالنتيجة المخبرية ليصعقوا من النتائج والخطأ الذي صدر من د : م . ك ، ليقترح الدكتور الشقارين على شقيقتي بإجراء عملية أخرى من شأنها إستئصال باقي الغدد المصابة تحت إشرافه على العملية وقوبلت بالرفض من والدتي ومن جميع أفراد عائلتنا في حين كانت أسماء تعبئ إستمارة الدخول للعملية ووالدتي كالعادة نبيهة جدا غادرت المكان كي لا تخضع للعملية وما كان من أسماء إلا أن تلحق بوالدتي متوجهات الى بيتنا في الكرك .
وما هي إلا أيام قليلة بدأ يسقط الحرير من على رأس والدتي ، كان يوماً لن أنساه حيث كانت شقيقتي أم محمد تسبل شعرها الجميل ليخرج بين يديها مذعورة لا تعلم كيف تواجه الأمر هذا ما قالته ( هههه ، شو هذا يمه ) ما هي إلا هنيهات قليلة يبدو حزن والدتي جليا على وجهها لكنها تحاول إخفاؤه وبهذه الأثناء خرت شقيقتي أم محمد أرضا لتلقي بالمشط بعيدا ( لا يا عالم ، لا يا ناس مو هيه مشان الله مو هيه ، ياااا ربي يا الله ) أما عني فارتديت القناع قهرا لأخفي ما بداخلي قائلة ( يا سلام يمه شو هالحلاوة الشعر كان مخبي عنا بدر ) ما هي إلا دقائق أخذت والدتي الحبيبة توصينا ببعضنا البعض خوفا علينا قائلة ( أنا مو خايفة من الموت أنا خايفه على بناتي يا رب لا توخذ امانتك مني إلا بعد ما أطمن عليهن ) كانت كالرماح والخناجر تقتلني الآف المرات لأذهب مسرعة إلى وسادتي العطشى ولألقي عليها حشرجة صوتي ودموعي الحارقة محدثة إياها ما لم استطع ان أحدثه لوالدتي وما إن إستعدت جزءا من جياشتي خرجت لأمارس نوعا من أعمال البهلوان لأخرجهم وأخرج نفسي مما نحن فيه وحقا نجحت وما إن إستفقت من صدمتي لأرى أمامي والدتي بطلتها الجديدة حقا لاتضاهيها الشمس ببهائها .
بإحدى أيام مرافقتي مع والدتي تعلمت دروسا بالصمود والتحدي فعندما قدمنا إلى قسم العلاج الكيماوي لتأخذ إبر الكيماوي إنتظرنا مطولا تأشيرة الدخول عند الطبيب لأرى شغفها من قرب الجرعة رغما عن الألم التي تواجهه الا أنها كانت تنتظر فترة إنتهاء العلاج بفارغ الصبر وما أن يأتي إسمها تطير فرحا ( الحمد لله نادوا علي ) لتدخل وانا انتظرها بالخارج كنت أراها تتألم بصمت أمامي وكنت أحترق وأصرخ بداخلي كما تصرخ بداخلها خوفا علي ليتني يا أمي كنت أستطيع تلقيه بدلا عنك ليتني أنا من يجلس مكانك ، بين حديثنا الصامت لبعضنا البعض كانوا النساء يصرخوا من شدة الألم ( ااااه ، تعبت ، انا بنحرق ) لكل منهم صراخ يتحدث الا والدتي وأنا نصرخ بصمت لكن ملامح وجه أمي تصرخ صراخا يمزق أديمها ويمزق شرايين قلبي كم من آه إحتبسناها ؟ ومن بين كل الضجيج وصوت الرعد الذي يخترق مسامعي كالصاعقة صدر صوت كما صوت الحمامة إنه صوت والدتي ( وعلامكن يا نسوان وحدوا الله قولوا لا إله إلا الله محمدا رسول الله ، إحمدوا ربنا إنه إبتلانا حتى يطهرنا ويختبر صبرنا وإيماننا ، توكلوا على الله ربنا معنا ما رح يتركنا ) وما إن قالت على الفور تزامنا مع كلامها علا التكبير على صوت الألم ، إقشعر بدني وأدعيت بأنني أفتش بحقيبتي عن شئ ما وتارة أخرى أحمل جهازي الخلوي والحقيقة لا شأن لي لا بالحقيبة ولا بالهاتف إلا أن أحاول احتباس دمعي بمحجره بقيت هكذا إلى أن قاربت والدتي على إنهاء الجلسة وأخذت أحدث نفسي أذهب إلى ذكريات طفولتي محاولة إخفاء ما أواجهه ما كان مني إلا أن أواجه الواقع بدءا من النظر يمينا وشمالا منتهية بالنظر إلى والدتي لأبتسم أمامها رغم ألمها لكنني أعلم جيدا أنها تمنحها القوة كما إبتسامتها لي تحدث معجزة من السعادة لحياتي ها هي والدتي تنهي جلستها والإرهاق يصرخ من ملامحها لأقول لها ( الحمد لله على السلامة يا قلبي ) تجيبني ( الله يسلمك يمه ، لويه ما قعدتي في الاستراحة لويه ظليتي واقفه هان ) هذا ما كان يشغل بالها قلقة علي وأنا ماثلة أمام ناظريها ، أذكر أيضا أن والدتي كانت تشاهد العديد من الأشخاص يموتون أمامها يا ترى كم كان هذا الإختبار قاس عليها ؟! ، صدقت يا جدي رحمك الله ( يا جملا انت جمل المحامل يابا ) فوالدتي جمل المحامل حقا .
وأجرت والدتي العديد من الفحوصات أذكر منها ( فحص الغدد الصماء والأنسجة المرضية ، والعديد من الفحوصات التي أجرتها بمختبرات مدلاب فرع الكرك لعدم توفرها بالمستشفيات ومنها arcinoembryonic Antigen (CEA) serum , Gamma_ Glutumy , Transferase ( GGT) , serum
وبعد مرور ٣ سنوات من المرض لاحظنا عليها ضيق شديد بالتنفس أكثر ما يكون ليلاً لنطلب منها أن تجري فحصا وأشرنا بذلك للدكتور الحميري طالبا إجراء صورة طبقية وبعد أن أتت النتيجة بتاريخ ٢١/٨/٢٠١٣ أكدت على وجود تليف في الرئة اليمنى وإنتشار المرض إليها مما يتطلب تحويلها إلى مستشفى الخدمات الطبية لإجراء صورة Y – Ray ؛ لعدم توفرها لديهم ولضرورة المتابعة والتشخيص ، وتم بحمد الله وفضله القضاء على السرطان بالرئة لإكتشاف وصوله مبكرا بغضون شهر واحد .
ومن تاريخ ٢٦/فبراير /٢٠٢٠ طلب د : يزن أخصائي أورام ومعالجة بالأشعة من والدتي إجراء فحص ضروري للعظام وبكل مرة يتم تأجيل موعد الصورة ؛ بسبب وباء كورونا علما بأن والدتي تعاني كثيرا من الآم بالعظام الأمر الذي جعلها ترقد اسبوعين متتاليين بالسرير ، وهنا أتسأل لا سمح الله إن كانت والدتي تعاني شيئا من المرض بعظامها هل سينتظر الكانسر زوال كورونا لتجري فحوصاتها ؟ وماذا عن ضرورة مراجعتها للبشير كل ٦ شهور ؟! وماذا عن صرف الدواء كل شهر نظرا لتفشي الوباء ؟! هل من حلول مجدية ؟
وتمر السنين الطوال لتعود بي والدتي أمام الأميرة أسطورة أخرى شقيقتي ( سميرة القضاة) بمحاربتها لسرطان الثدي الذي تم إكتشافه متأخرا ، لأنظر إليها الآن بكل شغف مستنشقة الهواء النقي لتقول لي ( هذه هي والدتنا يا ولاء ومن شابه والديه فما ظلم ) وكأنها كانت تلخص قصتها ، سميرة أم لأربعة اطفال
ما كان من والدتي إلا أن تقول : لا بأس عزيزتي فما زلت أرغب بأن ترى طفلتي كيف صمدنا ، ولتكوني مثالا يحتذى به علك تكفين عن التدخين ، كنت لا أرغب بأن أفارق والدتي بهذه اللحظة ولو لبرهة من الزمن ، لكنني ضعفت أمام رغبتها فكيف لا وهي أمي ، بدت جميلتي أم جمال جالسة بجانب والدتي وما كان منها إلا أن تقص علي رحلة كفاحها مع المرض بدءا من تزامن أعراضه : ثقل بالكتف الأيمن وتراجع بالقدرة الحركية وتغير بحجم النبل ليختفي للداخل ؛ الأمر الذي إستدعاها للتوجه إلى مستشفى الكرك الحكومي لإجراء الفحص السريري التراساوند والماموغرام ، كما أشارت الفحوصات على وجود أورام بالثدي ليتم تحديد موعد لإجراء عملية خزعة من الثدي بتاريخ ٢٠/٩/٢٠١٦ وقالت بأن الدكتور عصام أبو ميالة بصفته طبيب جراح مستشفى الكرك الحكومي قد فوجئ بوجود ورم يتطلب إستئصال الكتلة كاملة ليتم بعدها إرسال العينات إلى مستشفى البشير وما كان منها إلا أن تنتظر النتيجة على مدى شهرين ونصف ، لتؤكد النتائج إصابتها بإحدى السرطانات النادرة التي تصيب حالة واحدة من بين عشر نساء في العالم كل عام بمرض السرطان الغازي ( كروسونوما ) ، تلك النتيجة التي تلقاها بصدمة الأب الطبيب الإنسان أبو ميالة حسب وصفها له قائلا لها : أين أنت ؟! لتجيبه ببرودة أعصابها : لا عليك ، فأنا أعلم بأنني مريضة بإحدى الأمراض الخبيثة ، ولكن ما لا تعلمه أنت أنني الآن حامل بالشهر الرابع ؛ لتكون صدمته لا توصف فعندها لم يستطع أبو ميالة إخفاء ملامح الصدمة من على وجهه ؛ ليهرع إلى مدير المستشفى أنذاك الحمايدة مطالبا بتحويلها إلى مركز الحسين للسرطان ، ليأتي بعدها رد الإدارة بعدم تخويلهم لهذا التحويل لكنهم يستطيعون تحويلها إلى البشير ، رافضا أبو ميالة هذا التحويل ؛ لخطورة حالتها ليعود ويجدد طلبه بتحويلها إلى مستشفى الجامعة لتبدأ رحلتها مع الدكتور البروفيسور : جمال مسعد أخصائي الأورام حيث طمأنها ببداية علاجه لها كما وطلب من الدكتورة أسماء الباشا أخصائية نسائية وتوليد متابعة شقيقتي أثناء فترة حملها .
وبدوره المسعد قام بإجراء ٤ عمليات كبرى محاولا أن تكون خسائرها كأنثى بعمر ٤٣ عاما أقل خسائر ، حيث تم إستئصال القنوات الحليبية وأخذ عينات من النبل في العملية الأولى وتبعا للنتائج السلبية تمت إزالة النبل وأخذ عينات من الغدد الليمفاوية في العملية الثانية ليتم إزالة الغدد كاملة نظرا لإنتشار المرض فيها في العملية الثالثة ،وأستطرد هنا أنها قد أصيبت بجلطة متحركة بالقدم اليمنى الأمر الذي تطلب منهم إيقاف العملية بعد مضي ٤ ساعات لتجري بعدها عملية إستئصال كلي للثدي وأخذ عينات من الجلد بفارق ١٢ يوما عن العملية الثالثة ، وقام المسعد مشكورا بصرف ١٠ إبر مناعة .
وأشارت سميرة بأنها كانت تتلقى إبر لتكملة رئات طفلتها ( منة الله ) لتكون إبنة السبعة أشهر بمشيئة الله ، والحمد لله أنها تنعم بصحة جيدة ، بعد مضي ٥ ساعات من الإنجاب تناولت ٣٠ حبة كورتزون ومتابعة الفحوصات ، وأدلت بمعرفتها الكاملة بإزدياد شراسة المرض بوجود هرمون الإستروجين الذي يتزايد أثناء فترة الحمل ؛ الأمر الذي جعلها تدرك مخاوف أطبائها وسرعة إجراءاتهم
توجهت فيما بعد لإجراء فحص التصوير النووي والطبقي للإطمئنان على العظم والدماغ وفي خلال ٢٤ ساعة أتت النتائج مبشرة على سلامة العظم والدماغ لنشهد وقسم الجراحة وقسم النسائية والتوليد فرحة عارمة بعدها ، فأخذوا مشكورين بتزيين غرفتها تهنئة منهم على سلامتها وسلامة مولودتها ، وبعد مضي ١٠ أيام بدأت رحلتها لتلقي علاج الكيماوي ثيروبي لمدة ٧ أشهر ، وما هي إلا أيام قليلة تساقط شعرها وما كان يدهشني انها كانت فرحة بتساقطه ، كثيرا ما كانت تتباهى ببياض فروتها ما إن نصحت بإرتداء باروكة وحقا كانت جميلة جدا وناصعة البياض كما الثلج ، لا اخفيكم أنني شهدت حبا غير مسبوق أنذاك من زوج لزوجته كانت تقول له كيف حالك يا صديقي يرد عليها مبتسما ( يا هلا يا هلا بصديقي كيفك يا أبو شريك ) ليدخلا بعدها بحالة من العشق والضحك الهستيري .
وأشارت شقيقتي إلى تشكل الأورام في الرحم الناتجة عن تلقي الهرمون الكيماوي ( النوفليدكس ٢٠ ) الأمر الذي يتطلب أخذ عينات من الرحم كل ٦ أشهر وأشارت على مدى خطورة هرمون الإستروجين مع وجود الكانسر ليتم بعدها قطع الطمث للحد من إنتشار المرض ونظرا لزيادة الأورام في الرحم توجب عليهم إستئصال الرحم كاملا بعمر ٤٦ عاما .
وأما الآن بعد أن أنهيت قصة المحاربات الجميلات دعوني أطالب الجهات المعنية بصفتي كاتبة تقرير قصصي لهن ولجميع مرضى السرطان بإعتبار المكملات الغذائية التي يصفها الطبيب كعلاج للمريض جزءا من العلاج نظرا لأهمية المكملات و كلفتهم الباهظة أذكر منهم ( Vc , D3 ,B12,B6 , الكالسيوم ) كما وأطالب بإتخاذ إجراءات حازمة بخصوص متابعة المرضى لعلاجهم وصرف الدواء بالموعد المحدد لهم دون إنقطاع نظرا لوجود وباء كورونا .
أما عن رسالتي لمرضى السرطان فأقول لكم بأنكم الربيع وإن بدأ الخريف ، أنتم ألامل لنا رغم الألم ، أنتم الكفاح وسر النجاح ، أنتم من يعزفون لحن الخلود ، حفظكم الله ورعاكم وأطال بقائكم بطاعاته