عامر الشوبكي/ باحث اقتصادي متخصص في شؤون النفط والطاقة
تفاجئ وزراء الطاقة لدول اوبك وحلفائها (أوبك+) من رفض الإمارات خطة اعضاء المجموعة في سياسات التخفيف من تقييد الانتاج، وفي العادة تجري اتصالات ومشاورات بين وزراء الطاقة لدول أوبك+ قبل الاجتماع الشهري الدوري العلني ولم تبدي الامارات حينها أي اعتراض على الخطة السعودية لزيادة الانتاج لدول اوبك+، الأمر الذي احرج السعودية عندما اعلنت الامارات رفضها في الاجتماع العلني الذي بدأ في 1 يوليو/تموز و أدى الى انتهاء إجتماع يومي الخميس والجمعة دون الحصول على موافقة الامارات، وتم بعدها تأجيل الاجتماع الى مساء اليوم الاثنين، دون ظهور بوادر أو تسريبات لحل الخلاف، وبذلك تكون الإمارات قد خاطرت بإحراج السعودية دون حساب للعواقب، و السعودية الدولة الخليجية الكبرى المجاورة للأمارات، وتقود منظمة أوبك و تترأس أوبك+ مع روسيا، وقد ساهمت السعودية عبر انفرادها بخفض الانتاج الطوعي وبجهود مشتركة مع روسيا ودول أوبك+ ودول منتجة اخرى في الموازنة بين العرض والطلب وامتصاص مخزونات العالم المتخمة للوصول الى استقرار اسواق النفط بعد جائحة كوفيد 19 التي أضرت بالمنتجين .
(خطورة انسحاب الإمارات من أوبك+ و مواجهة السعودية)
لوحت الامارات سابقا بانسحابها من اوبك+ في نهاية العام 2020، وكان مطلبها في حينه زيادة حصتها الإنتاجية بشكل استثنائي، وانتهى الخلاف وقتها خلال يومين بالموافقة على اجماع اوبك+، و الأمارات عضو مهم في تجمع أوبك+ الذي يضم 23 دولة و تم الاتفاق عليه في العام 2016، وكان لها دور كبير في تحقيق الاستقرار في السوق النفطي العالمي، وهي ثالث أكبر منتج للنفط في أوبك بعد السعودية والعراق، واذا انسحبت الإمارات من اتفاق اوبك+ تتشكل خسارة كبيرة للمجموعة، كما أنه يسبب خسارة كبيرة للأمارات، فالسعودية تستطيع وبسهولة الإحاطة بعملاء وزبائن النفط الإماراتي، عبر تخفيضات سعرية تستعين بها السعودية عند الحاجة للمضاربة، كما حدث في الحرب السعرية بين السعودية وروسيا في العام الماضي ونتج عنها موافقة روسيا على المطالب السعودية بخفض الإنتاج والتوصل الى اتفاق اوبك+ التاريخي بعد وساطة امريكية، كما أن السعودية عبر ارامكو تمتلك أجود سلاسل القيمة في تجارة وانتاج ونقل وتسويق النفط في العالم مما يجعلها المفضلة لدى المستهلكين.
غير أن الهدف الاماراتي في زيادة إنتاجها هو تحقيق مزيد من الايرادات لتمويل مشاريعها الاستثمارية، وهذا الهدف أيضا لن يتحقق في حال انفراط عقد أوبك+ و مواجهة السعودية الأمر الذي سيؤدي الى انخفاض سعر برميل برنت الى ما دون 60 دولارا بينما الاسعار الحالية حول 75 دولارا للبرميل.
(المطالب الاماراتية لها ابعاد خطيرة ولا يحكمها المنطق)
الخطورة في المطلب الاماراتي الحالي هو أنه يمس أساس اتفاق أوبك+ وقد ينتج عنه انفراط عقد الإتفاق بشكل كامل.
الاعتراض الأماراتي الأول على الأساس المرجعي لتحديد حصص الأعضاء قبل اجراء التخفيض، وقد تم اعتماده على اساس انتاج النفط لشهر تشرين أول/اكتوبر 2018، كما تم تحديد الأساس المرجعي لأنتاج روسيا والسعودية عند 11 مليون برميل يومياً، وهذا تنازل منهما وخاصة من السعودية التي تستطيع أن تصل بانتاجية الى 13.2 مليون برميل يومياً بكل سهولة وكذلك روسيا التي تخطى انتاجها 12 مليون برميل يومياً في عدة أشهر، وقد تحدد الاساس المرجعي لانتاج الامارات 3.168 مليون برميل وقد وافقت عليه في الاتفاق التاريخي لأوبك+ في 9 ابريل 2020، والمطلب الاماراتي هو في رفع اساس الأنتاج الى 3.840 مليون برميل و يعني هذا زيادة انتاجها بواقع 672 الف برميل يومياً، والخطورة تكمن في ان هذا المطلب يفتح المجال للدول الأخرى بطلب زيادة الأسس المرجعية للإنتاج مع وجود تظلمات من الكويت وأذربيجان وكزخستان ونيجيريا، وهذا يخل في توازن وإستقرار سوق النفط، و لن توافق عليه بقية الدول ويعرض الإتفاق برمته للفشل وبالتالي الاتجاه الى الإنتاج بدون قيود، وتكرار سيناريو مارس/ آذار 2020، وحتما ستنخفض أسعار النفط مع مراعاة تغيرات السوق وتحسن الطلب.
الاعتراض الاماراتي الثاني على مدة استمرار الإتفاق
وهنا تعترض الإمارات على استمرار اتفاق أوبك+ الى نهاية العام 2022، بينما تطالب بنهاية الإتفاق في أبريل 2022 مع الموافقة على زيادة الإنتاج بواقع 400 الف برميل يومياً، بزيادة شهرية 400 الف برميل حتى تصل الزيادة في الانتاج الى 2 مليون برميل في نهاية 2021، وقد جانبت الإمارات الصواب في هذا الرفض، بوجود قيود باقية على 3.8 مليون برميل للعام 2022 لو قسمناها كاملة على نسق 400 الف برميل شهرياً، بذلك بحكم الواقع تستمر حتى أكتوبر/ تشرين اول من العام 2022، عدا حالة عدم اليقين التي ما زالت تخيم على الطلب، وتحدي متحور دلتا واحتمال تعرض العالم لموجات جديدة من الاصابات، كذلك مخزونات النفط الايراني في سنغافورة والصين و ايران نفسها والانتاج الايراني من النفط الذي يشكل عودته بشكل كامل الى الاسواق مسألة وقت بانتظار رفع العقوبات الامريكية واحياء الاتفاق النووي الايراني، ولا ننسى النفط الصخري الامريكي الذي يتزايد انتاجه ويتوقع ان يتجاوز انتاج ما قبل الجائحة مع نهاية العام 2021، في حين لن يستعيد الطلب العالمي على النفط ما كان عليه قبل الجائحة الا في نهاية 2022 حسب توقعات الوكالة الدولية للطاقة، عدا خطورة عودة المخزونات الى الارتفاع، كل هذا من ضمن معادلة أسواق النفط الدقيقة للموازنة بين المخاطر والفرص، في مواجهة الظروف الاقتصادية المعقدة ونسب تضخم مرتفعة يشهدها العالم .