بقلم الدكتوره هند جمال فالح الضمور
قال تعالى في محكم التنزيل :
﴿ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ﴾
آيةٌ عظيمةٌ في معناها، تفتح باب الفهم على كثيرٍ من السلوكيات التي حيّرت العقول، وأرهقت القلوب، وأتعبت النفوس.
فليس كل مرضٍ يُرى بالعين، ولا كل داءٍ يُشخَّص في المستشفيات؛ فهناك أمراض تسكن القلوب، تتخفّى خلف الابتسامات، وتلبس أثواب النصح، وهي في حقيقتها حقدٌ دفين، وغيرةٌ عمياء، وشرٌّ مستتر.
رأيتُ في الحياة انه لا يغار إلا الناقص، وانه لا يحسد إلا الفاشل، ولا يغتاب إلا المنافق، ولا يفتن إلا ضعيف النفس، و لا يثرثر إلا فارغ الذهن، خاوي الروح. فلو كانت قلوبهم عامرةً بالرضا، لما ضاقوا بنعمة غيرهم، ولو كانت نفوسهم سويةً، لما اقتاتوا على أعراض الناس.
إن القلب إذا امتلأ بالغلّ، أظلم العقل، وإذا أظلم العقل، تاه صاحبه وظنّ الباطل حقًا، والشرّ شطارة، والعدوان جرأة. وحينها يصبح الأذى أسلوب حياة، ويُبرَّر السوء باسم الصراحة، وتُلبس النميمة ثوب الحرص، ويُسمّى الحسد غيرة.
وقد قالوا: من كان في قلبه خير، فاض خيره على لسانه، ومن كان في قلبه شر، سال شره على كلماته. فالكلمات ليست بريئة، بل مرايا لما في الصدور.
جزى الله كل إنسانٍ مثلما قدّم لغيره، وسقى كل امرئٍ مما في قلبه ومن نيّته؛ فمن زرع خيرًا حصد طمأنينة، ومن زرع شرًا شرب مرارته قبل غيره. فالله عدلٌ لا يضيع أثر النوايا، ولا تخفى عليه خفايا الصدور.
اللهم طهّر قلوبنا من الغلّ، ونفوسنا من الحسد، وألسنتنا من السوء، ونجّنا من القلوب المريضة، ومن كل ذي لسانٍ سليط، ونيةٍ خبيثة، واجعلنا ممن إذا أُعطوا شكروا، وإذا ابتُلوا صبروا، وإذا نظروا إلى الناس نظروا بقلوبٍ سليمة.
فسلامة القلوب نعمة لا يعرف قدرها إلا من ذاق ظلم ومرارة القلوب المريضة، وصدق الله العظيم إذ قال:
﴿ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
.
حين يصبح الداء (خُلُقًا)






