وطنا اليوم:ما تتعرض له محافظة الكرك اليوم ليس حادثًا عابرًا ولا ظرفًا طارئًا، بل كارثة وطنية مكتملة الأركان، تضع الدولة بكل مؤسساتها أمام سؤال واحد لا يحتمل التأجيل: أين أنتم مما يحدث؟
الكرك تُغرق، تُعزل، تُدمَّر طرقها، تُجرف أراضيها، وتُهدَّد بيوتها، بينما القرار الرسمي غائب، والاستجابة بطيئة، والقيادة التنفيذية محصّنة في مكاتبها بعمان، كأن ما يجري جنوب البلاد شأن ثانوي أو قدر لا يستحق الاستنفار.
نقولها بوضوح لا لبس فيه:
الصمت في هذه اللحظة تواطؤ، والتأخر تقصير، والاكتفاء بالمشاهدة إدانة صريحة.
ما يحدث في الكرك اليوم يكشف فشلًا بنيويًا في إدارة الدولة لملف البنية التحتية، وعجزًا مزمنًا في التخطيط، وسلسلة طويلة من القرارات المؤجلة، والمشاريع المنقوصة، والحلول المؤقتة التي انهارت مع أول اختبار حقيقي. السيول لم تفاجئ أحدًا، والأمطار لم تهبط بلا إنذار، لكن الذي فاجأ الناس هو هذا الغياب الرسمي الفاضح.
الكرك لم تكن يومًا محافظة هامشية، ولم تكن عبئًا على الدولة، بل كانت تاريخيًا في الصف الأول عند الشدائد، وقدمت الرجال والمواقف والانتماء دون حساب. واليوم، حين تحتاج الدولة إلى أن تردّ جزءًا من هذا الدين، تُترك الكرك وحدها في مواجهة الطبيعة والإهمال معًا.
لسنا أمام “منخفض جوي”، بل أمام محاسبة مستحقة:
من المسؤول عن انهيار الطرق مع كل شتاء؟
من حاسب على مشاريع التصريف الفاشلة؟
أين ذهبت موازنات البنية التحتية؟
ولماذا يُدار جنوب الأردن بعقل ردّ الفعل لا بعقل الدولة؟
الكرك لا تطلب مِنّة، ولا ترفع شعارًا جهويًا، بل تطالب بحقها الدستوري في الأمان، وبمعاملة عادلة في التخطيط والتنفيذ، وبحضور فوري لصانع القرار لا عبر البيانات، بل على الأرض، بين الناس، وسط الطين والدمار.
نرفض أن تتحول الكوارث إلى روتين موسمي، ونرفض أن تُدار الأزمات بالتصريحات، ونرفض أن تُترك المحافظات خارج المركز لمصيرها حتى تقع الفاجعة التالية.
إن إنقاذ الكرك اليوم ليس خيارًا سياسيًا، بل واجبًا وطنيًا عاجلًا، وأي تأخير إضافي هو إقرار رسمي بالفشل.
فالدولة التي لا تحمي مدنها في الأزمات، تفقد مبرر صمتها قبل أن تفقد ثقة مواطنيها.
الكرك لا تصرخ طلبًا للعطف، بل ترفع صوتها مطالبةً بالمحاسبة.
وإن لم يتحرك القرار الآن، فليعلم الجميع أن التاريخ لا ينسى، وأن الشعوب لا تغفر الإهمال حين يكون ثمنه البيوت والطرقات وأمان الناس.
الكرك تُغرق… والدولة صامتة






