حين يُتعب الفهم ويُنقذ الجهل

53 ثانية ago
حين يُتعب الفهم ويُنقذ الجهل

بقلم الدكتوره هند جمال فالح الضمور

ليس كل تعبٍ يُرى،
فأقسى أنواع الإرهاق ذاك الذي يسكن العقول لا الأجساد.
في هذه الدنيا، الفَهِم ليس محظوظًا كما يُظن،
لأنه يرى المشهد كاملًا،
ويقرأ ما بين السطور،
ويشعر بثقل الحقيقة حتى حين يتظاهر الجميع بالبساطة.

الفهم لا يمنح صاحبه راحة،
بل يضعه في مواجهة دائمة مع الأسئلة،
ومع خيبات التوقع،
ومع إدراك أن كثيرًا مما يُقال لا يُقصد،
وكثيرًا مما يُفعل لا يُبرَّر.

في المقابل، يعيش الغافل بخفة،
لا لأن حياته أسهل،
بل لأن وعيه أقلّ اصطدامًا بالواقع.
يمرّ على الألم دون أن يتوقف،
ويضحك لأن التفاصيل لم تصله،
فتبدو الدنيا عنده أقل قسوة… لا أكثر عدلًا.

لكن الأخطر من الغفلة،
هو التغابي.
أن تعرف، ثم تختار أن لا تُظهر معرفتك،
أن ترى الحقيقة، وتؤجل مواجهتها،
خشية الخسارة، أو تجنبًا للصدام،
أو حفاظًا على سلامٍ هشّ.

المتغابي يحمل في داخله بركانًا صامتًا،
كل ما حوله يبدو هادئًا،
لكن الداخل يشتعل بالأسئلة والندم والوجع.
هو لا جاهل ليستريح،
ولا شجاع ليواجه،
فيبقى معلقًا بين فهمٍ يؤلمه
وصمتٍ ينهكه.

وفي النهاية،
ليست المشكلة في أن نكون فاهمين أو غافلين،
بل في أن نكذب على وعينا.
فالجهل قد يُريح مؤقتًا،
أما كتمان الحقيقة عن النفس،
فهو وجع لا دواء له.