بقلم: د. قاسم العمرو
تابعنا كما العالم أجمع اجتماعات قادة الدول العربية والإسلامية في قمة الدوحة، واستمعنا إلى خطابات تقليدية في مضمونها، لكنها حملت هذه المرة نبرة أكثر حدّة في التعبير عن الموقف تجاه الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه المستمر. وفي المقابل كان المشهد على الضفة الأخرى كاشفًا للهوة بين القول والفعل، حيث ظهر وزير الخارجية الأميركي برفقة نتنياهو عند حائط المبكى في إشارة دعم واضحة وقوية لإسرائيل، بينما أعلنت الأخيرة عن توسيع عملياتها وتكثيفها باتجاه احتلال مدينة غزة والسيطرة على القطاع بشكل كامل.
هنا يبرز السؤال الجوهري: كيف يتصرف العرب بواقعية وبمكاشفة أمام شعوبهم؟ لا يكفي أن نظل في دائرة البيانات والبيانات المضادة، بل المطلوب خطوات عملية تبدأ من بناء تضامن اقتصادي عربي حقيقي يكون الركيزة الأساسية لأي موقف سياسي أو أمني لاحق. فالاقتصاد القوي هو الذي يمنح الدول استقلالية القرار ويعزز قدرتها على مواجهة الضغوط، وهو الذي يخلق أرضية مشتركة يمكن أن تتحول إلى مشروع عربي متماسك.
وفي ظل المعادلات الراهنة، لا بد من دعم الدول التي تتحمل العبء الأكبر في مواجهة الاحتلال، ليس فقط عبر العون السياسي، بل بتمكينها اقتصاديًا وأمنيًا، وبما يعزز جبهتها الداخلية. هذا الدعم لا يعني الذهاب نحو التصعيد غير المحسوب، بل هو تعزيز لقدرة هذه الدول على الصمود ومواصلة البقاء في معادلة الردع.
أما في الداخل العربي، فإن أي موقف قوي يظل هشًا ما لم تصاحبه إصلاحات حقيقية، تحقق ديمقراطية قائمة على سيادة القانون، وتضمن العدالة الاجتماعية، وترتقي بالشعوب إلى مستويات أفضل من التعليم والحقوق والتنمية. من دون هذا الأساس، لن يكون هناك جيل عربي قادر على مواجهة التحديات الكبرى، ولا على كسر الحلقة المفرغة التي طالما أعاقت العمل العربي المشترك.
ويبقى تعزيز القدرات الدفاعية والعسكرية خيارًا واقعيًا وضروريًا، لكنه يجب أن يتم بحكمة، دون استفزاز مباشر أو مغامرات غير محسوبة. الهدف هو خلق توازن ردع يحمي الأمن القومي العربي، ويمنح الموقف السياسي وزنًا وتأثيرًا.
ما بعد قمة الدوحة ليس بيانات ختامية ولا صورًا تذكارية، بل هو اختبار حقيقي لإرادة العرب في الانتقال من دائرة ردود الأفعال إلى دائرة الفعل. إذا ما توفرت الإرادة السياسية الصادقة والشفافية مع الشعوب، فإن التضامن الاقتصادي، والدعم المتوازن، والإصلاح الداخلي، وتعزيز القدرات الدفاعية، يمكن أن تتحول إلى مسارات عملية قادرة على تغيير المعادلة، وتقديم صورة جديدة للعرب أمام أنفسهم وأمام العالم.