قراءة| بين شِعب أبي طالب وغزة.. حصاران وصمود واحد

39 ثانية ago
قراءة| بين شِعب أبي طالب وغزة.. حصاران وصمود واحد

بقلم المهندس خالد بدوان السماعنة
في قلب التاريخ الإسلامي، يحتل حصار النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شِعب أبي طالب مكانةً مؤلمة ومضيئة في آنٍ معًا. ومثلما سُمع بكاء الأطفال آنذاك من شدة الجوع، يسمع العالم اليوم صراخ أطفال غزة تحت الحصار، كأن الزمن أعاد دورته ولكن بصورة أشد قسوة.
قبل أكثر من 1400 عام، فرضت قريش حصارًا جائرًا على بني هاشم وبني عبد المطلب في محاولة لإسكات دعوة الحق. حُرموا من الطعام، من الماء، من العلاقات الاجتماعية والتجارية. استمر ذلك ثلاث سنوات، في ظل صمت شبه تام من بقية العرب حينها، باستثناء قلة قليلة تحركت ضمائرها.

واليوم، يتكرر المشهد ذاته في غزة، ولكن تحت آلة عسكرية متقدمة، مدعومة من قوى كبرى، وعلى مرأى ومسمع من عالم يدّعي الحداثة والحرية.
فمنذ السابع من أكتوبر 2023، يعيش أكثر من مليوني فلسطيني تحت حصار كامل. لا ماء، لا كهرباء، لا دواء، ولا غذاء. لا ملجأ إلا السماء، ولا أنين يُسمع إلا عبر شاشات محايدة الصمت.
الوجه المشترك بين الحصارين هو الإنسان الذي لا ينكسر. في شِعب أبي طالب، لم تُثنِ سنوات الجوع رسول الله عن المضي في دعوته. وفي غزة، لا تزال الإرادة حيّة، تُولد من ركام البيوت، من دماء الشهداء، من حناجر الأمهات.
ورغم اختلاف الزمان والسياق، إلا أن الحصارين يطرحان نفس الأسئلة الأخلاقية: أين يقف العالم حين يُحاصر الأبرياء؟ من يملك الجرأة على كسر الصمت؟ ومن يتعلّم من دروس التاريخ أن الحصار لا يُخمد نورًا، بل يزيده اشتعالًا؟
في الحصارين، هناك شِعبٌ فيه من الألم ما يكفي، لكن فيه من الكرامة ما لا يُقهر. وهناك غزة، التي رغم أنها تئن، إلا أنها لا تنحني. كأن شِعب أبي طالب لم يُغلق بابه يومًا، وكأن كل طفل في غزة هو امتداد لطفلٍ كان في ذلك الشعب، ينتظر فجرًا يبدد الظلام.
تحليل مقارن بين الحصارين: الدافع، المبرر، والنتيجة ،،

الدافع:

في شِعب أبي طالب، كان دافع قريش سياسيًا ودينيًا، يهدف إلى إسكات صوت الدعوة المحمدية خوفًا من التغير الاجتماعي والعقائدي.
في غزة، الدافع المعلن هو القضاء على المقاومة، لكن جوهره سياسي واستعماري، يهدف إلى إبقاء الهيمنة على الأرض والإنسان.
المبرر:
استخدمت قريش مبررات ظاهرها اجتماعي “لحفظ وحدة مكة”، لكنها كانت ذريعة لعزل محمد وأتباعه.
أما الاحتلال الإسرائيلي، فرفع شعارات “الأمن والدفاع عن النفس” لتبرير تدمير البنية التحتية وقتل المدنيين.

النتيجة:

في شِعب أبي طالب، أدى الحصار إلى صلابة الدعوة، وتعزيز وحدة المسلمين، وكانت خطوة نحو الهجرة وبناء الدولة.
وفي غزة، ورغم حجم المأساة، زاد الحصار من الالتفاف الشعبي حول المقاومة، وعمّق الوعي العربي والدولي بمعاناة الفلسطينيين.
خاتمة: التاريخ لا يكرر نفسه عبثًا، بل يُرينا أن الطريق إلى الحرية لا يُعبد إلا بالصبر والصمود، وأن الحصار، مهما اشتد، لا يهزم شعبًا يعرف أن الكرامة أثمن من الطعام، وأن الروح إذا سمت، لا تحاصرها جدران.