وطنا اليوم:مع تراجع منسوب المياه بالأودية الدائمة الجريان في محافظة عجلون، يواجه مزارعو المحافظة أزمة حقيقية تهدد مزروعاتهم وأشجارهم بخطر الجفاف، خاصة مع بداية أشهر الصيف وارتفاع درجات الحرارة.
هذه الأزمة تفاقمت بفعل الموسم المطري الشحيح واثره على انخفاض حصص الري عبر الأقنية التقليدية ما دفع المزارعين إلى اللجوء إلى حلول مكلفة وغير مستدامة تتمثل بشراء المياه عبر الصهاريج، في مشهد يعكس حجم المعاناة وضرورة إيجاد حلول جذرية وعاجلة.
ويصف المزارعون الوضع الراهن بأنه كارثي، إذ أصبحت الأودية والعيون السطحية على ضفافها شبه جافة, وما تبقى من مياه بالكاد يكفي لتزويد قناة واحدة من بين عشرات الأقنية المنتشرة على كل واد، مشيرين إلى أن البديل الوحيد لري أشجارهم هو شراء المياه من الصهاريج وهو أصبح يشكل تحديا بحد ذاته إذ يضطرون إلى حجز أدوارهم والانتظار في طوابير طويلة لتعبئة المياه ما يؤشر على مدى هشاشة الوضع المائي في المحافظة.
يعبر المزارع حسين أحمد، عن قلقه العميق أن المساحات الزراعية المروية الممتدة على وادي كفرنجة أصبحت مهددة بالجفاف بسبب تراجع حصصها المائية خلال الصيف، لا سيما مع تدني الموسم المطري لهذا العام، مشددا على ضرورة ضخ كميات من سد كفرنجة خلال أشهر الصيف خاصة وانه ما يزال دون استغلال منذ تشغيله، أو بإسالة مياه عين القنطرة لإنقاذ تلك المساحات الزراعية والأشجار.
ويؤكد أن هذه المساحات مزروعة بآلاف أشجار الزيتون المعمرة المروية التي تحتاج إلى الري عدة مرات خلال الصيف، وإلا ستكون العواقب كارثية لأنها ستتعرض للجفاف، لافتا إلى أن استمرار الوضع القائم يكبدهم خسائر فادحة.
ويشير المزارع حمزة عنانبة إلى أن بقاء معدلات الأمطار في المحافظة دون 300 ملم خلال موسم الشتاء الماضي بدأ يؤثر سلبًا على جفاف العيون المنتشرة على وادي كفرنجة مبكرًا، وبالتالي تراجع مياه الوادي إلى حد لا يمكن معه تلبية حاجة الأراضي المروية، مشددا على ضرورة توفير مضخة على سد كفرنجة وخط ناقل لإسالة كميات كافية من المياه لإنعاش الآلاف من الدونمات الزراعية.
ويشاركه الرأي المزارع محمد رشايدة قائلا “إن العديد من المزارعين بدأوا بشراء مياه الصهاريج بمبالغ طائلة لري أشجارهم التي باتت مهددة بالجفاف مع ارتفاع درجات الحرارة، الأمر الذي يكبدهم كلفا باهظة،” مضيفا ” ما أهمية سد كفرنجة وما جدواه لأراضي اللواء والقطاع الزراعي فيه إذ لم يتم استغلال مياهه لريها.”
وينوه إلى أنهم ومنذ عقود وهم يطالبون بإنشاء السد لغايات دعم القطاع الزراعي والحفاظ على كل قطرة ماء من الهدر والضياع، ورغم ذلك فإن مياهه ما تزال حتى اللحظة غير مستغلة لأغراض الري ما يبعث إلاحباط بين أوساط المزارعين من عدم استغلال مورد حيوي يمكن أن ينقذ محاصيلهم.
ويرى المهندس الزراعي سامي فريحات أن استثمار مياه سد كفرنجة للري سيساهم في إنعاش مختلف الزراعات في مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة، مضيفا أن ضخ كميات مناسبة من حصاد السد سيزيد من إنتاجية أشجار الزيتون التي تعاني العطش صيفا، ويسمح للمزارعين بإقامة بيوت بلاستيكية، وزراعة مساحات كبيرة بالأشجار المثمرة والخضراوات.
ويشدد فريحات على أن محافظة عجلون تُعد الأفقر مائيًا سواء في مياه الشرب أو مياه الري، ما يتطلب مضاعفة الدعم المقدم من الحكومة والجهات المانحة للمحافظة لتوفير مشاريع الحصاد المائي، التي من شأنها أن تسهم في زيادة المساحات المروية التي تعاني العطش وجفاف أشجارها بسبب تراجع المعدلات المطرية وانخفاض منسوب المياه في الأودية وزيادة الفاقد في الأقنية، التي تحتاج إلى صيانة وإعادة تأهيل بشكل دوري.
ويطالب المزارع محمد رواجبة الجهات المعنية بالعمل على صيانة أقنية الري التي تروي مزارع المواطنين للحفاظ على المياه من الهدر والاستنزاف، وحتى تسهم في إدامة الزراعات المروية في منطقة راجب, مشيرا إلى أن أغلب المزارعين يعتمدون بشكل كلي على الأقنية المتفرعة عن وادي راجب لري مزروعاتهم المتنوعة، مما يجعل صيانتها أمرًا حيويًا لاستمرار الزراعة.
ويرى الناشط أسامة القضاة أن عموم مناطق محافظة عجلون بدأت تشهد تأثيرات واضحة للتغير المناخي، الأمر الذي بات يشكل تحديًا حقيقيًا أمام المزارعين والجهات المعنية بالحفاظ على مواردها الطبيعية وتنوعها البيئي، موضحا أن غابات عجلون تتعرض لتهديدات متزايدة من ارتفاع درجات الحرارة والجفاف، مما يؤثر سلبًا على الأشجار والنباتات المحلية خصوصا مع انخفاض الهطل المطري بشكل كبير خلال الموسم الماضي والذي أثر على نمو النباتات وأضعف قدرتها على مقاومة الأمراض.
ويزيد القضاة بأنه لمواجهة هذه التحديات لا بد من التفكير الإستراتيجي طويل الأمد لمواجهة التحديات البيئية في حلول عملية تساعد على التكيف مع التغيرات المناخية، إذ يمكن أن يكون تعزيز الغطاء النباتي عبر حملات التشجير وسيلة جيدة للحد من التصحر وتعزيز استدامة الغابات، إضافة إلى التوجه إلى استخدام تقنيات حديثة لحصاد مياه الأمطار من خلال إنشاء سدود صغيرة أو أنظمة تخزين تساعد في تأمين المياه للأوقات الجافة.
من جانبه يؤكد رئيس مجلس المحافظة عمر المومني أهمية إيجاد مشاريع مائية ضخمة في المحافظة، ودعم القطاع الزراعي، وتوفير المخصصات الحكومية الكافية لها. ويشير المومني إلى ضرورة استثمار سد كفرنجة لأغراض الشرب والري من خلال إيجاد مضخات وخطوط ناقلة، لافتا إلى أن مخصصات الزراعة ضمن موازنات المجلس جيدة. هذه التصريحات الرسمية تعكس إدراك الجهات المعنية لحجم الأزمة وضرورة التحرك.
بدورها تؤكد مصادر في إدارة السد أن كميات المياه التي تم تخزينها الموسم الماضي تراجعت بشكل لافت مقارنة بمواسم سابقة، بحيث كانت تتجاوز الكميات المتجمعة داخل السد 4 ملايين متر مكعب من طاقته البالغة (7.8) مليون م3، هذا التراجع في منسوب السد يؤكد تفاقم الأزمة المائية في المنطقة.
من جانبه يقر مدير زراعة المحافظة المهندس رامي العدوان بأن ضعف الموسم المطري اماضي شكل تحديًا كبيرًا أمام المديرية والمزارعين، وانعكست آثاره على الأشجار المثمرة والحرجية والزراعات بأنواعها، لافتا إلى أن المديرية وضعت مخصصات جيدة لمشاريع الحصاد المائي في محاولة منها لمساعدة المزارعين.
ويشير إلى وجود عشرات الأقنية المنتشرة على 3 أودية رئيسية في محافظة عجلون، وهي أودية كفرنجة وراجب وعرجان وحلاوة، والتي تشكل شريان الحياة لآلاف الدونمات من الأراضي الزراعية المصنفة بالمروية، مؤكدا أنه يتم سنويًا توفير مخصصات لصيانتها بشكل دوري، ودراسة إمكانية إنشاء قنوات جديدة، مشيرًا إلى أن كثيرًا من المزارعين يلجأون إلى استخدام “البرابيش” في محاولة لسحب المياه انسيابيًا لري مزارعهم، وهو حل مؤقت لا يغني عن الحلول الدائمة.
الجفاف يهدد أشجار عجلون.. ومطالبات باستغلال مياه سد كفرنجة
