رجل على باب الله .. قصة قصيرة

دقيقة واحدة ago
رجل على باب الله .. قصة قصيرة

بقلم د. محمد عبدالله القواسمة :

ذات صباح، كنت أسير في شارع السلط بعمان. الجو دافئ، والشمس توزع أشعتها على الأشياء بعدالة بعد مطر خفيف، جادت به السماء في نهاية شهر شباط. استوقفني رجل يرتدي بذلة قديمة، وفي قدميه حذاء ثقيل(بسطار). كان منحنيًا على حاجز على الرصيف يأكل من كيس بلاستيكي أسود.

لا أدري لماذا تأثرت لحاله، وعزمت أن أساعده بما تيسر في جيبي من نقود. فأنا على يقين بأن الله هو الذي يدفعنا إلى منح المال إلى الآخرين.

– السلام عليكم!

رفع رأسه والتفت إلي:

– أخفتني! ماذا تريد مني؟

– أردت أن أطمئن عليك.

– أنا بخير.

– لماذا لا تدعوني إلى طعامك؟

– لا أحب أن يشاركني أحد في الطعام. دعني أكمل فطوري.

أخرجت ورقة من فئة الخمسين دينارًا ومددتها إليه:

– هذه لك.

أطرق لحظة، ثم سحب الورقة من يدي بسرعة. هممت بالذهاب وتركه في حاله.

– انتظر.

أمرني بقوة، وأخرج من الحقيبة التي على كتفه دفترًا صغيرًا وقلمًا أحمر.

– ماذا ستفعل؟

– أتحسبني شحاذًا؟ سأسجل هذا المبلغ بأنه دين في ذمتي.

مشيت وأنا أقول:

– اكتب ما تشاء..

أوقفني وقال بحدة:

– لا أقبل المال من أحد دون توثيق. أرجوك أجبني ما اسمك، ورقم هاتفك؟

عجبت من هذا الرجل. فما الفائدة من الكتابة ما دام المبلغ أمنحه لوجه الله، ونحن لن نلتقي مرة أخرى إلا مصادفة؟ ثم كيف؟ ومن أين له أن يسد ما يسميه دينًا؟

ذكرت له رقم هاتفي واسمي الحقيقي، وتركته يكتب ما يشاء حتى لا يرفض مساعدتي؛ فأدرك حاجته إلى المال مثل حاجتي إلى الإحساس براحة الضمير، والتقرب من الله.

راح يكتب:

” أنا المدعو عليان حمد أشهد بأن في ذمتي للمدعو فريد عقيل خمسين دينارًا لا غير”

كتب التاريخ ورقم هاتفه ووقع. ثم سحب الورقة من الدفتر وناولني إياها. من هذا المجنون الذي سيطر علي؟ سرت وأنا أنظر في الورقة. كان الخط جميلًا والكتابة لا أخطاء لغوية فيها؛ فعزمت الاحتفاظ بها للذكرى.

أصبحت بعيدًا عن عليان. ناداني رجل كما يبدو كان يراقبنا في الشارع. قال إن الرجل، يعني عليان لا يستحق المال الذي قدمته له. سألته بدهشة:

– لماذا؟

أجاب بنبرة فيها حزن متكلف:

– إنه لا يحتاج إلى المال، ولا تجوز عليه الصدقة.

– هل تعرفه؟

– إنه على باب الله.

– كلنا على باب الله. على كل حال رأيت أنه يستحق، وألهمني الله بأن أساعده.

– أنا من يستحق أن تتصدق عليه.

– لكني أراك في أحسن حال، وعليك ملامح النعمة والصحة.

– لا يغرنك مظهري فأنا مريض بالسكري والضغط، وعندي ضعف في عضلة القلب.

– في هذه الحالة لا تحتاج إلى المال، بل إلى علاج من وزارة الصحة.

تركته وأنا أسمعه يشتمني، ويدعو علي بالفقر والموت. عجبت أن بعض الناس يحسدون الفقراء على فقرهم، ويحاولون منع الآخرين عن مساعدتهم.

في نهاية الأسبوع رن هاتفي، ظهر اسمه على شاشة الجهاز. ماذا يريد مني عليان؟ بدوت مستعدًا لمساعدته بأكثر من المبلغ السابق. لا أدري كيف ملك قلبي ذلك الرجل. جاء صوته قويًا كما كان في المرة الأولى:

– أرجوك! كيف ألتقي بك لأسدد ما علي من دين؟

من هذا الرجل؟ ما هذه الصفات التي يتحلى بها؟ لماذا قبل مساعدتي ما دام سيعيدها بهذه السرعة؟ تمالكت أفكاري:

– لا دين لي عليك، ولا أريد إلا أن تهتم بصحتك.

– ما شأنك بصحتي؟ قبلت النقود منك وأريد أن أعيدها.

– أخي، سامحتك ولن أقبل أن تعيد لي شيئًا.

سمعته قبل أن أنهي الاتصال.

– لن أسامح نفسي لأني قبلت المال من رجل فقير