فادي السمردلي
سياسية تهدف إلى كسب التأييد الجماهيري من خلال مخاطبة العواطف بدلًا من العقل والمنطق، حيث تعتمد الأحزاب التي تتبنى هذا النهج على إثارة المشاعر الشعبية وتقديم وعود براقة ومبالغ فيها دون تقديم حلول عملية أو خطط واضحة لتنفيذها ويعد التضليل جزءً أساسيًا من هذا الخطاب، حيث يتم التلاعب بالمعلومات أو تحريفها أو حتى نشر الأكاذيب بهدف إقناع الرأي العام بأن الحزب وحده القادر على إنقاذ المجتمع من أزماته، بينما يتم تصوير الخصوم السياسيين على أنهم فاسدين أو متآمرين أو مسؤولين عن جميع المشكلات القائمة وغالبًا ما تلجأ هذه الأحزاب إلى خطاب يقوم على تبسيط القضايا المعقدة وتصوير الحلول وكأنها سهلة التنفيذ، مما يؤدي إلى خلق توقعات غير واقعية لدى الجمهور، وعندما تفشل هذه الأحزاب في تحقيق وعودها، تلجأ إلى البحث عن كبش فداء جديد أو تبرير فشلها بنظريات المؤامرة.
يؤدي انتشار الخطاب الشعبوي إلى تأثيرات سلبية على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، إذ يساهم في تضليل الرأي العام وإبعاده عن المشكلات الحقيقية التي تحتاج إلى نقاش موضوعي وعلمي، كما يؤدي إلى خلق حالة من الانقسام الحاد داخل المجتمع بسبب التحريض المستمر ضد الخصوم، حيث يتم تصوير المعارضة ليس كطرف سياسي مشروع، وإنما كعدو يجب القضاء عليه وهذا يؤدي إلى تآكل الثقة في المؤسسات الديمقراطية، مما قد يفتح المجال أمام الاستبداد أو يؤدي إلى اضطرابات سياسية واجتماعية خطيرة.
ومن الناحية الاقتصادية، يروّج الخطاب الشعبوي في الغالب لحلول سطحية وجذابة، لكنها تفتقر إلى الواقعية وقابلية التنفيذ، مثل الوعود بزيادة الأجور دون النظر في تداعياتها الاقتصادية، أو تقديم مساعدات مالية دون توفير مصادر تمويل مستدامة وتؤدي هذه السياسات، عند اصطدامها بالواقع، إلى أزمات مالية خانقة كما أن هذا الخطاب قد يُلحق ضررًا كبيرًا بمناخ الاستثمار، إذ يفضي إلى تقلب السياسات الاقتصادية وعدم استقرارها، مما يدفع المستثمرين إلى الإحجام عن المخاطرة في بيئة تعاني من اضطراب سياسي واقتصادي.
أما على المستوى الاجتماعي، فإن الشعبوية تعمل على إثارة النزعات القومية أو الطائفية أو الطبقية بهدف كسب التأييد، مما يؤدي إلى تفتيت النسيج الاجتماعي داخل المجتمع وعندما يصبح الخطاب السياسي قائمًا على المبالغات والتحريض بدلًا من النقاش العقلاني، يتراجع مستوى الوعي السياسي لدى المواطنين، مما يسهل التلاعب بهم ويجعلهم أكثر عرضة للتضليل المستمر.في النهاية، يؤدي اعتماد الأحزاب على الخطاب الشعبوي والمضلل إلى نتائج كارثية على المدى البعيد، حيث تفقد العملية السياسية مصداقيتها، وتتعطل التنمية الحقيقية، ويتحول الصراع السياسي إلى معركة شعبوية قائمة على التخوين والتحريض بدلًا من المنافسة على تقديم الحلول ولذلك، فإن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب تعزيز الوعي السياسي لدى المواطنين، وتطوير الإعلام المستقل لكشف زيف الادعاءات الشعبوية، إضافة إلى تعزيز الشفافية والمحاسبة في العملية السياسية لضمان ألا يكون التضليل أداة للوصول إلى السلطة أو البقاء فيها.