هل يمكنُ للنموذجِ الحسيني أنْ ينتصر؟

10 أبريل 2025
هل يمكنُ للنموذجِ الحسيني أنْ ينتصر؟

د. عادل يعقوب الشمايله

لم يتوقف اتباعُ المذهبِ الشيعي: رجالَ دينٍ وافراداً على مدى ثلاثة عشر قرنا ونصف القرن عن تمجيدِ وتقديسِ الامام الحسين بن علي واعتبارهِ القدوةَ والنموذجَ الاسمى للتضحية والفداء التي لا بديل عنها لحسم الصراعات بين الظالمين والمظلومين.
التاريخُ البشريُ في معظمهِ هو سجلٌ للصراعات بين الحق والباطل والمظلومين والظالمين والضعفاء والاقوياء. ولكنَّ التاريخَ لم يحسمْ نتيجةَ الصراعِ لصالحِ من صُنِّفوا على أنهم الاتقياءُ او الأتقى، والمظلومين والضعفاء.
فقط، على منابر المساجد والكنائس ودور العبادة وندوات وحوارات وطروحات الثوار يَتِمُّ التبشيرُ وتقديمُ الوعودِ بحتميةِ انكسارِ ودحرِ الظَلَمةِ والمستبدين والطغاةِ والمفسدين.
عندما خرجَ الحسينُ بن علي متحدياً حُكمَ يزيد بن معاوية نصحهُ عقلاءُ الصحابةِ والتابعين في مكة والمدينة ان يتراجعَ، لا بسببِ مشروعيةِ حُكمِ يزيد وطريقة وصولهِ للسلطةِ التي كانت تأسيسا لمملكة الامويين بدلاً من الخلافةِ الراشدةِ التي ابتدأت بالتداول اللاعائلي واللاعشائري، وإنما تحذيراً له وخوفا عليهِ من العواقبِ بحكمِ فارقِ القوةِ بين ما يمكنُ للحسين حشدهُ وبين ما هو متوفرٌ ليزيد. وعندما أَصَرَّ على موقفهِ تركوهُ يواجهُ مصيرهَ الذي رأوه محتوماً ومحسوماً.
العنادُ وخطأُ الحساباتِ وعدمُ “تقدير الموقف” بأسلوبٍ عقلاني وليسَ عاطفي كانت نتيجتهُ معروفةً لكل من طالع التاريخ الاسلامي. قُتِلَ الحسينُ وجميع من معه وسُبيتْ نسائه وبناته ونساءُ وبناتُ من خرجوا معه. وانتصرَ يزيدُ وبقي في الحكم حتى موتهِ، وبقي الامويون قرابةَ قرنٍ ، وأُسدِلَ الستارُ على الفرعِ العلوي من بني هاشم وورثَ الزعامةَ والسعيَ وراءَ الخلافةِ الفرعُ العباسي الذي انشأَ المملكةَ العباسيةَ بعد ذبول وجفافِ شجرةِ السِدرِ الاموية. نجحَ فرعُ (آخِرَ من آمن) من بني هاشم وخرجَ فرعُ (اول من آمن منهم). لأنَّ العبرةَ في حراكَ الحياة الدنيا أنَّ الفوزَ لمن يستعد وليس لمن يتكل. وما جرى في معركةِ أُحد ومعركة حُنين يُثبتُ ذلك. ولن تجدَ لسنة الله تبديلا.
شعاراتُ ونداءاتُ وصرخاتُ يا لثارات الحسين، واحسيناه لم يخفِتْ صداها منذُ مصرع الحسين. بل إنها اشتدت وحميت أثناء الحرب العراقية الايرانية وفي جنوب لبنان على افواه قادة وافراد حزب الله الايراني منذ بزوغ فجره، وفي اليمن الحوثي وفي سوريا الاسد التي احتلتها ايران لعقدين من الزمن وفي مناسبات الاقتتال العراقي العراقي.
تجددَ المشهدُ الحسينيُ الحزينُ الناقمُ الحالمُ بالثأرِ بصورةٍ واعدةٍ على ايدي حزب الله بعدَ أن اعلنَ أنهُ يسيرُ على خطى الحسين، وأنهُ يُمثّلُ جبهةَ الحسين ومعتبراً أنَّ اسرائيل ترمز ليزيد. مرةً اخرى انتصر يزيد وحَطَّمَ يزيدُ حزب الله وأخرجهُ من الصراع . كما انتصرَ يزيدُ أيضاً على الحسين في سوريا حين ولّتْ جماعاتُ ايران المسلحةَ والدعوية الأدبارَ تاركةً سوريا لجحافل يزيد الذي يمثلهُ الجيلاني حسب تصنيفهم.
تعيشُ منطقتنا العربية على مشارفِ مشهدٍ حسيني اضخم من كل ما سبقه. أولهُ بدأ بالضربات الامريكية المؤلمةِ المدمرةِ للحوثيين في اليمن كإستمرارٍ للدعم الامريكي غير المشروط وغيرِ المُقَيدِ وغيرِ الاخلاقي لاسرائيل. سيتلوه تدميرٌ محتملٌ بل ومخططٌ له ستواجهه ايران.
تقفُ ايرانُ في هذة الفترة على مفترق طرق. ولا يخفى أنَّ الطُرُقَ المنبثقةَ من المفترقِ جميعها معتمةٌ وغيرَ معبدةٍ ومزروعةً بالاشواك والمسامير، ومطلوبٌ من ايران السيرَ عليها على اربع قوائمَ حافيةَ القدمين وعاريةَ اليدين.
المطلوبُ من ايران ان تتخلى عن برنامجها النووي والصاروخي كما فعل القذافي. وإلا سيواجهُ مشروعها النووي مصيرَ المفاعل النووي السوري والمفاعلَ النووي العراقي. وليتَ الخطرُ يتوقفُ عند ذلك.
القذافي تخلى عن مشروعه النووي طمعاً في رضا امريكا والاوروبيين واستدامةِ حكمه. لكنهم بعد ان جردوه من سيفه ذبحوه. وهذا ما سيحدثُ لايران.
وفي حالِ رفضت ايران بلعَ اللغم المؤقتِ كما فعلت سوريا الاسد وصدام حسين فإنها ستتلقى قصفا امريكيا جواً وبحرا لا يُبقي ولا يذر تُجربُ فيها كافة الاسلحة الامريكية التي جُرِبت في غزة وجنوب لبنان والاسلحة التي لم تُجرَب بعد . وفي النهاية سيزول نظام الملالي الحاكم منذ خمسين عاما كما ازيلَ القذافي وبشار وصدام.
الاستبدادُ والتشددُ الاعمى هو اكبرُ مطبٍ وحقلَ الغامٍ يقعُ فيه المستبدون. يقتلون انفسهم بأيديهم.
نموذجُ الامام الحسين الاستشهادي المُجَازف الذي لم ينبني على “تقدير موقف” عقلاني انجرَّ اليهِ وتبناهُ وطبقهُ حركاتٌ مسلحةً تنتمي للمذهب السني لاول مرة في التاريخ. تم اغراءها وخداعها. فكانت النتيجة كما نشاهدها على التلفاز يومياً تكراراً لمأساة الحسين. تدميرٌ شامل. عشراتُ الالاف من الشهداء والجرحى والمعوقين وعشرات الالاف من الايتام والثكلى والمكلومين. انا لله وانا اليه راجعون. ولا حول ولا قوة الا بالله.
“أرأيتَ من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا”؟!!!!
النموذجُ الحسيني لم ينتصر ولو مرةً واحدةً منذ نشأته “لانه لم يُكتب لهُ أن ينجح اصلا”. وجوابُ السؤال لماذا؟: لأنه يُخالفُ قوله تعالى: “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ومن رباط الخيل”.
يرمزُ “الرباطُ” الوارد في الايةِ الى الخيلِ المرابطة في سبيل الله، وليس لعنان الفرس كما يتبادرُ لذهن البعض. ولا يقتصرُ على الخيل وحدها وإنما الخيل والفرسانُ على ظهورها.
الجيوشُ النظاميةُ وكذلك المليشياتُ المدربةُ المؤهلةُ المتفرغةُ تماما للحرب شرطَ ابتعادها عن الغوغائية والذيلية هما ترجمةٌ معاصرةٌ لقوله تعالى: ومن رباط الخيل.
يقول الشاعر العربي الجاهلي الاسعر الجعفي
“ولقد علمتُ على تجنّبي الرّدى
أن الحصونَ الخيلُ لا مَدرُ القُرى”
يقول الشاعر في هذا البيت أنهُ أدرك من تجربته في الحياة، أن النجاة من الهلاك (الرّدى) لا تكون بالاعتماد على القلاع والمدن المحصّنة (مَدر القرى)
بل تكون بالخيل — رمز القوة، والفرار السريع، والهجوم — أي أنَّ النجاة والفخر في الميدان لا في الحصون. وأن الحصانةَ في الحركةِ لا في الثبات.
ويضيف:
ومُجَوَّفٍ بَلَقًا مَلَكْتُ عِنَانَهُ
يَعْدُو عَلَى خَمْسٍ قَوَائِمُهُ زَكَا
إِنّي وَجَدتُ الخَيلَ عِزّاً ظاهِراً
تَنجي مِنَ الغُمّى وَيَكشِفنَ الدُجى
القلاع والانفاق والاختباء بين المدنيين والتسلح بالمفرقعات والفتاشات لا يُترجمُ الايةَ القرانية. وإنما الاسلحةَ المتحركة الفعالة المجربةُ ذات الطابع الهجومي كالدبابات والطائرات الحربية التقليدية والطائرات المسيرة والصواريخ والذكاء الصناعي واسلحة الدفاع الجوي. فالأسلحةُ المتحركة تشابه الخيلَ التي وردَ ذكرها في الاية القرآنية