سلامة الدرعاوي
شركة مناجم الفوسفات الأردنية هي مثال واضح على الابتزاز الشعبوي والنيابي، ولا يوجد شركة تتعرض لمثل هذه الضغوطات مثلما تعرضت له هذه الشركة التي تحولت لأحد أكبر الدعائم الاقتصادية، وهي مباحة لكل من يرغب بتصفية حساباته أو بالحصول على منافع ومكتسبات، وكانّه لا يوجد مالكان لهذه الشركة. الفوسفات شركة مساهمة عامة، وفئة هذه الشركات ليست ملكًا لمجلس الإدارة أو لفئة محددة، بل هي كيان اقتصادي يمتلكه المساهمون الذين تتنوع خلفياتهم بين أفراد محليين، مؤسسات استثمارية، وصناديق ادخار، إضافة إلى مساهمات أجنبية.
وهذه الملكيات المختلفة تمثل أموالًا خاصة بأصحابها، وهم مواطنون ومستثمرون وثقوا في هذه الشركات لتحقيق عوائد مالية مستدامة، وبالتالي، فإن أي محاولة للمساس بسمعة هذه الشركات أو تعطيل أعمالها لا تمثل هجومًا على الإدارة فقط، بل هي انتهاك لحقوق هؤلاء المساهمين وأموالهم، التي يحميها القانون بشكل واضح وصريح.
شركات المساهمة العامة في الأردن تخضع لمنظومة قانونية وتنظيمية متكاملة تضمن الشفافية والمحاسبة، حيث تلعب الهيئة العامة للمساهمين الدور الأساسي في اتخاذ القرارات الكبرى، كانتخاب مجالس الإدارات والمصادقة على الموازنات وتدقيقها، إضافة إلى ذلك، ينظم قانون الشركات عمل هذه المؤسسات بشكل صارم، إلى جانب وجود جهات رقابية وإشرافية كهيئة الأوراق المالية ودائرة مراقب عام الشركات. كما تخضع الشركات لرقابة شركات تدقيق مالية عالمية كبرى، مما يجعلها ضمن بيئة رقابية يصعب تجاوزها أو العبث بها، ومع ذلك، فإن تناول قضايا هذه الشركات تحت قبة البرلمان الأردني أصبح في كثير من الأحيان بعيدًا عن المنطق والموضوعية، حيث يتم تصويرها وكأنها بؤر للفساد دون استناد إلى أدلة قاطعة.
ما يغيب عن أذهان الكثيرين عند تناول هذه الشركات في النقاشات العامة أو تحت قبة البرلمان هو أن المساس بها لا يضر بمن يديرها فقط، بل يهدد رأس المال الخاص لمئات الآلاف من المواطنين الذين استثمروا أموالهم ومدخراتهم فيها، فأموال المساهمين، سواء كانت محلية أو أجنبية، تخضع لقوانين صارمة تحميها من أي تلاعب أو هدر، وتضع أي مخالفات تحت طائلة المساءلة القانونية، وهذه القوانين جاءت لضمان حقوق المستثمرين وتوفير بيئة استثمارية آمنة تعزز الثقة في الاقتصاد الوطني، لا سيما مع وجود استثمارات أجنبية تتطلع إلى بيئة مستقرة ومنظمة.
الملكيات الأجنبية في هذه الشركات ليست فقط مصدرًا لجذب العملة الصعبة ودعم الاقتصاد، بل مؤشرا على الثقة الدولية في منظومة الشركات الأردنية وقدرتها على العمل ضمن أطر قانونية ورقابية شفافة، فأي حملات تشويه غير مستندة إلى أدلة تزعزع هذه الثقة، مما قد يؤدي إلى انسحاب المستثمرين وتراجع التدفقات الاستثمارية، وهو ما يشكل خطرًا على الاقتصاد الوطني بأكمله.
أموال المساهمين ليست مجالًا مفتوحًا للنقاشات الشعبوية أو التوظيف السياسي، وهذه الأموال تمثل مدخرات وأحلام الكثيرين، وهي مدعومة برغبة المستثمرين، سواء كانوا محليين أو أجانب، في الحصول على عوائد تضمن لهم الأمان المالي، فأي إساءة أو تعطيل لعمل هذه الشركات من خلال تشويه متعمد أو اتهامات جزافية هو بمثابة مساس مباشر بحقوق هؤلاء المستثمرين، ويتطلب وقفة حازمة لضمان استمرارية بيئة استثمارية جاذبة وآمنة. ما ينبغي أن يعيه الجميع، سواء كانوا نوابا أو سياسيين أو وسائل إعلام، هو أن شركات المساهمة العامة ليست مجرد كيانات تجارية، بل هي شراكات واسعة بين آلاف المساهمين الذين لهم حقوق واضحة يجب حمايتها.
والقضاء على أي تجاوزات أو فساد محتمل يجب أن يتم ضمن الأطر القانونية فقط، وبما يضمن عدم الإضرار بسمعة الشركات أو بثقة المستثمرين فيها، فالحفاظ على أموال المساهمين، وضمان عدالة إدارتها، هو التزام وطني لا يجوز التهاون فيه، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تتطلب تكاتف الجميع لدعم مؤسساتنا الاقتصادية بدلًا من التشكيك فيها، لذلك يجب وضع حد لهذه المهاترات النيابية وإلا امتد النقاش غدا لشركات أخرى في قطاعات التعدين والخدمات.