كتب الدكتور محمد نهار الهواوشة ::اليوم يقف الأردنيون أمام واقع مُثقل بالتحديات، يُضاف إليه شعور متزايد بالغبن نتيجة ممارسات لم تعد تُخفيها التصريحات أو الوعود الفضفاضة. قصة التعيينات الأخيرة التي أثارت الجدل ليست مجرد حادثة عابرة، بل انعكاس لأزمة أعمق تكرّس الظلم وتُضعف الأمل في دولة العدل والمساواة التي يحلم بها الجميع.
يا دولة أبا جاد، كيف يُمكننا الحديث عن وطن يفتح ذراعيه لأبنائه وهم يرون أن الوظائف تُوزَّع بناءً على علاقات أو مصالح، بينما آلاف الخريجين يطرقون أبواب العمل بلا جدوى؟ كيف يمكن إقناع شابٍ أنه مستقبل بلده، وهو يشاهد تمييزًا صارخًا يجعل من البعض أصحاب امتيازات، بينما يُترك الآخرون لمصيرهم؟
أسئلة تنتظر إجابات شجاعة
ما هي المعايير التي تُتّبع في تعيين الأشخاص للمناصب الحساسة؟
لماذا تُمنح الفرص لأسماء معينة دون غيرها، بينما تتجاهل الدولة كفاءات شابة تحمل مؤهلات وخبرات قد تساهم في بناء الوطن؟
كيف يمكن تفسير الانتقال السريع لبعض الأفراد بين المناصب العليا، بينما يقبع الآخرون في طوابير الانتظار لسنوات؟
نزيف العقول والهجرة: ناقوس خطر
يا دولة أبا جاد، حين فتحت السفارة البريطانية أبوابها للأردنيين، غادر الآلاف من شبابنا بحثًا عن فرص عمل ومستقبل أفضل، ولم يعودوا. أما من لم يجد الفرصة عبر القنوات الرسمية، فقد سلكوا طرقًا شاقة عبر المكسيك ودخلوا الولايات المتحدة، حاملين معهم أحلامهم وطموحاتهم التي لم تجد مكانًا لها في وطنهم.
إن تفريغ الأردن من أبنائه لا يمكن أن يستمر دون أن يترك أثرًا كارثيًا على مستقبل الوطن. هؤلاء الشباب هم طاقة الأردن الحقيقية، وعندما يضطرون للرحيل بسبب غياب العدالة وندرة الفرص، فإننا نخسر أعمدة المجتمع ومستقبله.
ماذا نريد؟
1. شفافية كاملة في التعيينات: يجب أن تكون كل الوظائف القيادية خاضعة لإعلانات عامة ومفتوحة للجميع، مع معايير تقييم شفافة ومعلنة.
2. محاسبة المسؤولين عن القرارات غير العادلة: التعيينات التي تثير الشبهات يجب أن تخضع لمراجعة صارمة، ومن يثبت تورطه في انتهاك مبادئ العدالة يجب أن يُحاسب.
3. إنشاء نظام وطني للتوظيف: منصة وطنية تجمع جميع الفرص الوظيفية في القطاع العام، وتُتيح التقديم عليها بشفافية، مع ضمان التنافسية بين المتقدمين.
4. إعادة الأمل للشباب: عبر خطط اقتصادية واجتماعية تعيد بناء الثقة، وتُوفر فرص عمل حقيقية لهم داخل بلدهم، حتى لا يكونوا مضطرين للهجرة وترك عائلاتهم وأوطانهم.
يا دولة أبا جاد، الأردنيون صبروا كثيرًا، لكن هذا الصبر ليس بلا حدود. الثقة تتآكل، والشعور بالظلم يتفاقم، والخوف الأكبر أن يتحول هذا الإحباط إلى أزمة تؤثر على تماسك المجتمع ومستقبله.
الإصلاح الحقيقي يبدأ من مواجهة الحقائق بشجاعة، والعمل على تصحيح الأخطاء التي جعلت الشباب يشعرون أن الوطن لم يعد ينصفهم. الأردنيون ليسوا أرقامًا، بل هم عماد هذا الوطن وركيزته الأساسية، ولن يكون هناك استقرار أو نهضة دون توفير بيئة عادلة تُقدّر كفاءاتهم وتُعطيهم حقهم.
الفرصة لا تزال سانحة، يا دولة الرئيس. اتخذوا خطوات جادة تُثبت أن الأردن لكل أبنائه، وليس لفئة دون أخرى. أعيدوا الأمل لشباب الوطن، فهم أساس استمراره وأمله الحقيقي في مستقبل أفضل