وطنا اليوم_ بقلم ابراهيم سيوف _المديونية العامة ليست رقمًا يضاف إلى دفاتر الحسابات، بل هي قيد يلتف حول عنق الاقتصاد الوطني، يضيق عليه المساحات ويحد من خياراته المستقبلية. في الأردن، تجاوز الدين العام حاجز 50 مليار دولار، ليتحول إلى شبح يهدد كل محاولات الإصلاح الاقتصادي، ويضع الدولة في مواجهة مباشرة مع استحقاقات مالية ثقيلة تتجاوز إمكاناتها.
المديونية ليست عَرَضًا طارئًا، بل نتيجة عقود من الاعتماد على القروض لتغطية العجز المالي دون النظر إلى تداعيات ذلك على الاستقلال الاقتصادي. ومع ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي لتتجاوز 110%، أصبحت الدولة مكبلة بخدمة الدين، حيث يُنفق الجزء الأكبر من الإيرادات لسداد الفوائد، بينما تتراجع الاستثمارات في البنية التحتية والمشاريع التنموية التي يمكن أن تحرّك عجلة الاقتصاد.
كل دين جديد يوسع الهوة بين الإيرادات والنفقات، مما يترك الدولة أمام خيارات مؤلمة؛ رفع الضرائب وتقليص الدعم يثقل كاهل المواطن الذي يعاني أصلًا من ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع القوة الشرائية. المديونية المرتفعة تقلل من ثقة المستثمرين المحليين والدوليين وتجعل الاقتصاد رهينة لقرارات الجهات الدائنة وشروطها، كما تعمق التبعية الخارجية، إذ يُضعف الاعتماد على القروض والمساعدات قدرة الدولة على اتخاذ قرارات سيادية ويُربك تحركاتها الاستراتيجية.
الأردن يقف الآن على مفترق طرق حاسم؛ فإما أن تُتخذ قرارات جذرية تعيد ترتيب الأولويات وتُصلح الاختلالات الهيكلية، أو يظل الاقتصاد عالقًا في دائرة الدين والعجز. الحل ليس بالمزيد من القروض، بل بتغيير جذري في طريقة إدارة الاقتصاد، يرتكز على استثمار الطاقات الوطنية في الإنتاج بدلًا من استنزافها في سياسات الاستهلاك، وخفض الإنفاق غير المنتج، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وجذب استثمارات نوعية قادرة على خلق قيمة مضافة حقيقية.
المديونية ليست مجرد رقم اقتصادي، بل اختبار للقدرة على اتخاذ قرارات شجاعة تُخرج الاقتصاد من عنق الزجاجة دون تحميل المواطن مزيدًا من الأعباء. إنها لحظة فاصلة تتطلب رؤية بعيدة المدى تتجاوز الحلول السطحية إلى إصلاح شامل يُعيد الثقة للاقتصاد الوطني ويضعه على طريق التعافي. إما أن ينهض الأردن من هذه الأزمة برؤية صلبة، أو يظل عالقًا في دائرة لا تنتهي من التراجع والخسائر.