الدكتور محمد الهواوشة يكتب: الأحزاب والمرتزقة في الأردن: مصلحة الوطن أم مصالح شخصية؟

6 ديسمبر 2024
الدكتور محمد الهواوشة يكتب: الأحزاب والمرتزقة في الأردن: مصلحة الوطن أم مصالح شخصية؟

كتب الدكتور محمد الهواوشة :

لطالما كان الحديث عن الأحزاب السياسية في الأردن محاطًا بالكثير من الجدل، لا سيما في ظل الانقسامات الداخلية التي تعصف بها من جهة، وتأثيرها المحدود في صناعة القرار السياسي من جهة أخرى. وفي هذا السياق، يصبح التساؤل مشروعًا: هل حقًا تمثل الأحزاب الأردنية صوت الشعب؟ أم أن بعضها أصبح مجرد واجهة سياسية للأفراد الذين يسعون لتحقيق مصالحهم الخاصة تحت عباءة الأحزاب؟

أحزاب سياسية: أفكار أم مصالح؟

منذ تأسيس الأحزاب السياسية في الأردن، كان من المفترض أن تلعب دورًا محوريًا في تعزيز الديمقراطية وتمثيل تطلعات الشعب الأردني في شتى المجالات. لكن على أرض الواقع، نجد أن معظم الأحزاب لا تملك قاعدة شعبية واسعة، ولا تتبنى برامج حقيقية أو إصلاحية قادرة على معالجة القضايا الجوهرية التي تهم المواطن. فما الذي يمنع الأحزاب من أن تكون أداة تغيير حقيقية؟

يرجع ذلك بشكل رئيسي إلى سيطرة “المرتزقة” السياسيين، الذين يلتحقون بالأحزاب ليس من أجل الدفاع عن قضايا الناس أو إصلاح النظام، بل من أجل تحقيق مصالح شخصية. هؤلاء “المرتزقة” غالبًا ما يسعون للحصول على مكاسب مالية أو سياسية، سواء عبر التعيينات الحكومية أو المناصب العليا، دون أي اهتمام حقيقي بمصلحة الوطن أو الشعب.

المرتزقة السياسيون: استغلال السياسة لأهداف شخصية

في واقعنا السياسي، أصبحنا نرى ظاهرة “المرتزقة” تزداد بشكل ملحوظ. هؤلاء الأشخاص يدخلون الساحة السياسية بشكل مفاجئ، يتسلقون المناصب، ويتنقلون بين الأحزاب، ويستخدمون نفوذهم للوصول إلى أهداف شخصية، بغض النظر عن المصلحة العامة. يشكل هؤلاء الأشخاص “طابورًا خامسًا” داخل الأحزاب، يحاولون استغلالها لمصالحهم الشخصية، ويضيعون الفرص الحقيقية للإصلاح السياسي.

المرتزقة لا يتورعون عن تبني أيديولوجيات مختلفة حسب الحاجة، ويتنقلون بين الأحزاب السياسية على أمل الحصول على منصب أو امتياز. بعضهم يصبح جزءاً من حزب معين فقط ليحصل على “وظيفة” أو “مزايا سياسية”، ومن ثم يغادر عندما يحقق مبتغاه. هذه الظاهرة تعزز من انعدام الثقة بين المواطن والسياسيين، وتؤدي إلى تآكل مصداقية الأحزاب السياسية في الأردن.

الأحزاب: هل ستكون أداة للتغيير؟

في ظل هذه الأوضاع، يبقى السؤال: هل يمكن للأحزاب أن تلعب دورًا حقيقيًا في تغيير المشهد السياسي الأردني؟ الجواب ليس سهلًا، ولكن الأمر يتطلب بداية تغيير حقيقي داخل الأحزاب نفسها. يجب على هذه الأحزاب أن تبتعد عن الشخصيات المرتزقة التي لا تهمها إلا مصالحها الفردية، وأن تركز على بناء قاعدة شعبية حقيقية من خلال تبني برامج إصلاحية تتعامل مع قضايا المواطن وتلبي احتياجاته.

الفرصة أمام الأحزاب الأردنية ليست مستحيلة، ولكن يجب أن تضع حدًا لوجود هؤلاء “المرتزقة” الذين يسيئون إليها. يجب أن تتحول الأحزاب من مجرد “ساحات للنفوذ” إلى منابر حقيقية تعمل على تحسين مستوى الحياة للمواطن الأردني، وعلى تمثيل الشعب بكل فئاته.

خاتمة: ضرورة الإصلاح السياسي

إن التحدي الأكبر أمام الأردن اليوم هو أن تكون الأحزاب السياسية في خدمة المواطن، لا أن تكون مجرد ساحة لصراع الشخصيات الباحثة عن السلطة أو المصالح الشخصية. إن أردنا أن نحقق تحولًا حقيقيًا في المشهد السياسي الأردني، يجب أن نعمل على إصلاح الأحزاب، وتقليص دور المرتزقة الذين يضرون بالمصلحة العامة. عندها فقط، يمكن للأحزاب أن تكون أداة حقيقية للتغيير، وأن تحقق الديمقراطية التي يتطلع إليها الأردنيون