د. عادل يعقوب الشمايله
هناكَ قرارٌ يتطلبُ شجاعةً ووطنيةً وتغليب المصلحة الوطنية العليا على المصلحة الشخصية.
هذا القرار هو تنازلُ المقيمين في الضفةِ الفلسطينية غربي نهر الاردن، عن ارقامهم الوطنية وتسليم جوازات السفر الاردنية التي يحملونها سواءا كانت جوازات سفر دائمة او جوازات مؤقتة.
التنازلُ عن الأرقامِ الوطنية الاردنية من قِبَلِ حامليها الفلسطينيين يُفَوّتُ الفرصةَ على الكيانِ الصهيوني ذريعةَ ترحيلهم الى الاردن بحجةِ انهم اردنيون، ليمثلوا الدفعة الاولى لعملية ترحيل ممنهجةٍ واسعةِ النطاق تسعى اسرائيل لتنفيذها حين تتوفرُ الظروفُ المناسبةَ التي تتحينُ نشوئها، أو التي لا تعدمُ الحيلَ والمكرَ والوسائلَ لظهورها حينَ تشاءُ هِيَ حدوثها.
الوطنُ الفلسطينيُ اغلى من الرقم الوطني الاردني. والرقمُ الوطنيُ الفلسطينيُ هو ما يجبُ ان يحملهُ ويعتزَ به الفلسطيني اينما كان. ما حاجةُ الفلسطيني المقيمِ على ارضهِ في فلسطين للرقمِ الوطني الاردني؟
لطالما طالبَ الفلسطينيون بفكِ الارتباطِ والانفصالِ عن الاردن كمقدمةٍ وشرطٍ ضروري لاستعادةِ هويتهم الوطنيةِ الفلسطينية التي سعتْ إسرائيلُ بكافةِ السبلِ لتغييبها ثم إنكارها ثم القضاءَ عليها. سيما وأنَّ الكيان الصهيوني المصطنع يستنكرُ أيَّ حقِّ تاريخي أو حتى حقٍ مُكتَسبٍ للفلسطينيين في فلسطين، معتبراً أنَّ وجود العرب في فلسطين ناجمٌ عن غزو المسلمين لها واحتلالها وضمها لإمبراطوريتهم مع أنهم (أي العرب المسلمين) يعلمون انها ارضُ شعب اسرائيل التي وهبها الههم (يهوه) الهُ الجنود خالصة لابراهيم وذريته من نسل يعقوب. وهم يستشهدون على ذلك باياتٍ عديدةٍ في القرآن الكريم.
يبدو أنَّ دشداشةَ الحكومات الاردنية المتعاقبة علقانه بغصنِ شجرةِ ضَمِّ الضفةِ الغربيةِ. لذلك، فهي غيرَ قادرةٍ على النزولِ عن الشجرةِ، وتنفيذِ متطلبات اعترافها بمنظمة التحرير الفلسطيني كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وقرارها بفك الارتباط بين الضفتين، أو انها تعيشُ احلام اليقظةِ في زنزانة الوهمِ انَّ الأردنَ اكبرُ، أو ينبغي أنْ يكونَ أكبَرَ من الضفة الشرقية.
في عام ١٩٦١ انفكت الوحدة ما بين مصر وسوريا ونسي الطرفان موضوعها بدون احقاد ولا أسف. ومع ذلك حاربت الدولتان معا عامي ١٩٦٧ و ١٩٧٣ العدو المشترك اسرائيل.
وهاهي السودانُ الدولةُ العربيةُ الواحدةُ مُنذُ ولادتها تنقسمُ الى دولتين مستقلتين. وقد تَمَّ ذلك في فترة حكم الاخوان المسلمين للسودان اللذين يؤمنون بإشارة الجمع في الرياضيات وينكرونَ الطرحَ والقسمةَ. وتشهدُ العلاقاتُ بين الدولتين كُلَّ مظاهرِ حسن الجوار والتبادلات المفيدة للدولتين والشعبين.
الكثيرونَ من الفلسطينيين من ذوي الرؤيا المُستقبليةِ الواعيةِ، اعتبروا أنَّ عمليةَ تجنيسهم بالجنسية الاردنية خطأٌ مصيريٌ وتاريخيٌ ينبغي اجتنابهُ بل تحريمهُ. ولذلك ظللوا يُلِّحون على اعادةِ الامورِ الى نصابها الصحيح، الى أن نالوا جزئياً ما ارادوا تقريباً بموجب قرار فك الارتباط.
على العكس منهم، تقفُ فئةُ المتنفعين من الواضع المائع حيثُ يلعبون على الحبلين، ويرضعونَ من ثديين في الوقت ذاته ثُمَّ يبصقونَ على الثدي الاردني بعد أن شبعوا ويقولون أن لا دَرَّ فيه أو أن درهُ لا يُسمنُ ولا يُغني من جوع. هؤلاءِ يريدونَ استمرارَ الوضعِ الحالي ولو أدى الى الاسوأ لأن فكرةَ الوطن البديل ترضيهم كما ترضي اصدقائهم الصهاينة. وكما قال بايدن أنه ليس يهودياً ولكنهُ صهيوني. فهناك ايضاً فلسطينيون وعربٌ صهاينةٌ متناثرين في كل بقاع العالم العربي.
وبالمقابل، أعلنَ الملك عبدالله الثاني بكل صراحةٍ ووضوحٍ وحزم، عن رفضهِ القاطعِ لمقترح الكنفدرالية، ومؤامرة الوطن البديل وهما مشروعان اخترعهما الكيانُ الصهيونيُ الغاصب لارض فلسطين ولا زالَ يُرَوجُ لهما دونَ كللٍ وملل، بهدفِ حلِ مشكلةِ احتلالهِ لاراضي الفلسطينيين على حسابِ الاردن. أي أنَّ الكيانَ الصهيوني يُصرُّ على تسديدِ الدينِ الفلسطيني الذي ترتبَ عليهِ نتيجةَ اغتصابهِ الوطنَ الفلسطيني من رصيدِ الحسابِ الاردني.
لحسن الحظ، انَّ اسرائيل لحد الان مش عارفه تِسحَب من رصيد الحساب الاردني لأنها بتخربش في التوقيع. لكنَّ الذكاءِ الصناعي الذي عايشنا مشاهدَ من جبروته وانجازاته واستخداماته في لبنان قد ينجحُ في فكِ شيفرةِ التوقيعِ الاردني، وتتمكنَ إسرائيلُ من اتقان التوقيع ومن ثَمَّ يتمُ سحب رصيد الحساب الاردني وتقعيد الاردنيين على البلاطة، بلاطةٌ خشنةٌ زُرِعَتْ فيها مساميرٌ صدئةٌ.
لذلك، على الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية ان ينهضوا بأنفسهم بمهمةِ ترجمةِ قرارِ فكِ الارتباطِ الى واقعٍ عمليٍ وقانونيٍ قطعيٍ لا رجعةَ عنهُ.
ومما يساعدُ الفلسطينيين على اتخاذ هذه الخطوة هو صدور قرارات الاعتراف المتتالية بالدولة الفلسطينية من قِبَلِ العديدِ من دولِ العالم خاصةً الاوروبية. وصدورُ قرارِ محكمة العدل الدولية المتضمن اعتبار استمرار الاحتلال الاسرائيلي غيرَ قانوني، وأنَّ عليها الانسحاب من الاراضي العربية المحتلة خلالَ اثني عشر شهرا. فلماذا لا يغتنم الفلسطينيون الفرص التاريخية التي تتاح لهم، ويجنحون لخيار الرفض مرارا وتكرارا. رفض قنصِ واستثمار تلك الفرص عندما تسنحُ خاصة انهم يواجهون عدواً وجودياً ماكراً ناكراً.
الم يسألِ اللهُ موسى ” وما تلك التي بيمينك يا موسى؟ قال هي عصاي أتوكأ عليها ولي فيها مآرب أُخرى”. فاليهودُ دائما لهم مآرب أُخرى غيرَ مُعلنة. العصا التي كان موسى يهشُ بها على غنمهِ هي ذاتُ العصا التي فلقت البحر امام بني اسرائيل لينتقلوا من الأرضِ التي أُستعبدوا فيها الى ارض الحرية التي نجح موسى بصعوبةٍ بإقناعهم بوجودها وإمكانية الوصولِ اليها، الارض التي تفيض لبناً وعسلاً حسب ما ذكرت التوراه.
فلماذا إذاً تتركون ارضكم، الأرضُ التي تفيضُ لبنا وعسلا، ارض ابائكم،؟ ليستولي عليها خليطٌ ممن قدموا من ارض الاستعباد، وَمَنْ قدموا من ارض الجليد. الستم احقُّ باللبن والعسل؟
فلقتْ عصا موسى البحرَ بإرادةٍ الله ودلفوا الى ارض اجدادكم واستباحوها وأسالوا الدماءَ فيها انهاراً. ولكنهم أُخرجوا منها منفيين مطرودين أذلاء عندما وَطأتهم اقدامُ من هم اشدُّ منهم قوةً، ولم تحمهم حينئذٍ عصا موسى ولا ثابوته. وعندما عاد اليهودُ الى فلسطين فقد عادوا بعصاً بريطانية، وهاهم يبطشون بالعرب من اليمن وحتى شمال لبنان ويخططونَ لشرقٍ اوسطَ جديدٍ بعصاً امريكية. شرقٌ اوسطَ تكونُ فيهِ اسرائيل الكبرى قد تحققت بتوسعها في الاراضي العربيةِ وهيمنتها على القرارات والارادات والموارد في الاراضي المؤجل الاستيلاءَ عليها. هم يؤمنونَ بما ورد في التوراةِ أن الله خلقَ العالم على مراحل في ستة ايام، لذا، لا بأس إن حصلوا على الدولة المنشودةِ من الفرات الى النيل على مراحل، وعصا امريكا بيمناهم يهشون فيها على العرب.
أمَّا نحنُ، الذين رأى نبيهم قصور الشام وفارس تنهارُ وتخضعُ له عندما كان المسلمون يحفرون الخندق اتقاءاً لخطر هجوم قريش، وتحققَ ما رآه، فنكتفي بالتآمر على بعضنا ونتجسس للعدو الصهيوني، ونسعدَ لالتهام اللقمةِ السهلةِ حتى ولو كانت ملوثةً او حتى لو سُحِبتْ اللقمةُ من فمِ اخيك