بقلم مصطفى التل
محافظة اربد تُعد من أكبر محافظات المملكة , وأكثرها تأثيرا في الحراك الانتخابي العام , وأكثرها تنوعا من حيث الاتجاهات الفكرية والحزبية .
دائرة اربد الأولى هي من أكبر الدوائر الانتخابية على مستوى المملكة , وخصص لها ستة مقاعد نيابية , حيث أن محافظة اربد وحسب قانون الانتخاب لمجلس النواب رقم 6 لسنة 2016 وتعديله قسمت الى 4 دوائر انتخابية وخصص لها 20 مقعدا حيث تضم الدائرة الاولى لواء قصبة اربد ولواء الوسطية وخصص لها 6 مقاعد للمسلمين, والدائرة الثانية تضم لواء بني كنانة ولواء الرمثا وخصص لها 4 مقاعد للمسلمين , والدائرة الثالثة تضم لواء بني عبيد ولواء المزار وخصص لها 3 مقاعد مسلمين و مسيحي, والدائرة الرابعة لواء الطيبة ولواء الاغوار الشمالية ولواء الكورة وخصص لها 5 مقاعد للمسلمين , بالإضافة الى نائب كوته نسائية عن كافة دوائر محافظة اربد .
الحراك الانتخابي في المحافظة , متوسطا بشكل عام . تشوبه عدد من التعقيدات على مستوى القوائم أو الافرازات العشائرية لمرشحيها .
* العشائرية في دائرة اربد الأولى هي الفيصل :
على الرغم من غنى محافظة اربد بالتوجهات الفكرية والحزبية , إلا أن العشائرية هي المحرك الأول لأي انتخابات تجري فوق أرضها , مما ينتج عنه صعوبة بالغة في تشكيلات القوائم الانتخابية ذات التوجه الواحد والبرامج الموحدة , وتفرض محددات عالية التعقيد على التجانس للقائمة الواحدة .
فالعشائر كبيرة العدد والعشائر الممتدة , والتي تتميز بكثافة عدد أصواتها ,هي التي تقلق القوائم الانتخابية . مما يُحتّم على هذه القوائم القبول بدخول ” الحشوة ” لحلحلة هذه المشكلة , والمضي قدما نحو خوض الانتخابات بقائمة قد تبدو مكتملة .
فالعشائر ذات الكثافة التصويتية , تلجأ إلى افراز مرشحيها عن طريق الاقتراع الداخلي , مما يوجد صعوبة بالغة في دخول مرشحين آخرين معهم في قائمة مشتركة لعدم تكافؤ فرص الفوز بين أعضاء القائمة الواحدة .
العشيرة التي يكون لديها مخزون أصوات يصل إلى 7 آلاف صوت , تضمن لمرشحها مقعد نيابي تحت قبة البرلمان, حيث أن 6 آلاف صوت تكفي لإنجاح مرشح و وصوله الى قبة البرلمان في هذه الدائرة .
لجأت العشائر التي تتميز بالعدد القليل نسبيا الى التحالفات مع عدد من المناطق في نفس الدائرة الانتخابية , لعلها بهذه التحالفات تقارب الفرق في العدد المتوقع للأصوات لدى العشائر الكبرى والممتدة في نفس الدائرة الواحدة .
و بشكل عام يسود عدم الثقة بين أعضاء القائمة الواحدة , حيث أن القائمة المعتمدة في الأردن , هي القائمة النسبية المفتوحة , بمعنى أن تضم القائمة الواحدة عدد لا يقل عن ثلاثة مرشحين , ولا تتجاوز عدد المقاعد المخصصة للدائرة , مما يسمح بضم مرشحين ضعفاء نسبيا لاكمال القائمة وقد يكون ” حشوة ” , مما يوجد عدم مساواة في الفرص التنافسية بين الأعضاء و رئيس القائمة , والذي يكون عادة من افرازات العشائر الكبيرة والممتدة , والذي يفوز بكثافة الأصوات .
* قانون الانتخابات الحالي هو المسؤول عن إنتاج مجلس نيابي ضعيف وهزيل ويكرّس العشائرية :
دائرة اربد الأولى كغيرها من الدوائر الانتخابية في المملكة الأردنية الهاشمية , تخضع لقانون الانتخاب الذي أقر في عام 2016 , وهو القانون الذي أثار جدلا واسعا عندما دخل حيز التنفيذ , ومن مساويء هذا القانون أنه كرّس العشائرية بلا منازع , وأنتج مجلس نواب ضعيف في جميع مجالاته .
يقول استاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك الدكتور (محمد بني سلامة) لصحيفة الغد :
إن العشيرة وحدة اجتماعية وجزء لا يتجزأ من المجتمع الأردني، لكن في مسألة الانتخابات يجب أن يكون مرشح العشيرة يحمل برنامجا وطنيا في الرقابة والتشريع.
وأشار بني سلامة، إلى أن أداء مجلس النواب تراجع في السنوات السابقة، جراء عدم اختيار الشخص الذي يحمل أجندات وطنية، وعدم اختيار الشخص الكفء لتمثيل الشعب تحت قبة البرلمان.
وأكد أن تراجع دور مجلس النواب، يعود الى قانون الانتخاب الحالي، الذي يكرس العشائرية ويغيّب دور الأحزاب.
وأشار إلى إن الأداء الضعيف لمجلس النواب خلال السنوات الماضية والامتيازات، التي يحصل عليها أعضاء المجلس تسبب بعزوف الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم، وبالتالي فإن مرشح إجماع العشيرة هو الأوفر حظا بالظفر بمقعد مجلس النواب، في ظل عدم قدرة الشخص الكفء وصاحب البرامج عن المنافسة لأسباب عشائرية.
وهذا ما أكد عليه رئيس مجلس محافظة اربد الدكتور عمر المقابلة حيث أن قانون الانتخاب الحالي يكرس العشائرية، في ظل عدم قدرة الأشخاص الأكفاء على تشكيل كتل وقوائم انتخابية يمكنها من المنافسة.
ولفت إلى وجود العديد من الشخصيات الوطنية، التي كانت تعتزم خوض الانتخابات ولها حضور لافت في مناطقها لكنها اصطدمت في تشكيل الكتلة في ظل عدم وجود توافقات فكرية وبرامجية مع المرشحين الآخرين.
وأشار إلى أن مرشح العشيرة الكبرى هو الأوفر حظا في الظفر بمقعد بمجلس النواب، وبالتالي فان مجلس النواب المقبل لن يختلف كثيرا عن الذي سبقه إلا بتغيير الوجوه.
وأكد المقابلة أن ضعف الأحزاب وقانون الانتخاب الحالي أسهم بتكريس العشائرية، مما يتطلب تعديل قانون الانتخاب لإفراز مجلس نواب قادر على الرقابة والتشريع وبعيدا عن المصالح الضيقة.
* معضلة القانون ومعضلة العشائرية , تتحطم عليها آمال المثقفين وأصحاب البرامج الانتخابية الواقعية …
هي معضلة قاتلة لمن يريد أن يسمو بمجلس النواب الى وظيفته الأولى وهي الرقابة والتشريع .
هذه المعضلة بحسب وصف المحامي وصفي الهزايمة لصحيفة الغد تستوجب التفكير والبحث عن صيغ اخرى في تشكيل القوائم للتخلص من وطاة التخوفات التي تنتاب العديد من المترشحين المفترضين الذين اعلنوا عزمهم خوض الانتخابات من ابرزها دخول مرشحين اقوياء مع بعضهم في قوائم مشتركة تمكن من حصول قوائم على اكثر من مقعد يمثل نسيج القائمة التي يجب ان تجمع بينها قواسم مشتركة بالحد الادنى من التوجه والفكر والرؤية والبرامجية وهو ما دعا اليه وطالب به احد النواب الحاليين والمفروز عشائريا.
لكن هذا الطرح لا يستهوي الاغلبية من المترشحين الذي يرون ان الوصول للكرسي النيابي ياتي عبر ان يكونوا هم الاقوى داخل قوائهم، والمترشحون الاخرون يمثلون دور الكومبارس او ما اصطلح على تسميته «بالحشوات» وهو ما ادى بالتالي الى عزوف اغلب المترشحين عن الدخول في قوائم مع مترشحين لهم ثقل انتخابي.
ويبدوا ان النظرة الى القائمة انها تمثل مشروعا تصاغ مفرداته ومحاوره ويجتمع عليه مترشحون مؤمنون به وحاملون له بغض النظر عمن سيمثل هذا المشروع تحب القبة وهو ما عزاه الناشط الانتخابي المهندس مازن ابو قمر الى غياب الدور والاثر الحزبي والتفاهمات البرامجية.
والجدير ذكره أنه من الخطأ ان نجرب الطريقة نفسها ونرجو نتائج مختلفة , وعليه ننتظر مجلسا آخر مستنسخا من المجلس السابق , على ضوء معطيات القانون الحالي , الذي كرّس العشائرية بلا منازع .