وطنا اليوم
د. عادل يعقوب الشمايله
حتى نفهم الفرق بين العلوم والاساطير والخرافات والقصص، والفرق بين العلماء وبين القصاصين، دعونا نأخذ مثالا من علم الاقتصاد.
إحدى نظريات علم الاقتصاد تنص على أنه اذا زاد الطلب على سلعة او خدمة، فإن سعرها يرتفع.
نظرية اخرى تعالج مثل هذه النتيجة. اذا ارتفعت الاسعار وادى ارتفاعها الى حصول التضخم في دولة ما فانه يمكن معالجته لتخفيضه الى النسبة المرغوب بها إما برفع سعر الفائدة وإما بزيادة الضرائب لتخفيض الطلب الخاص على السلع والخدمات مترافقا مع تخفيض الانفاق الحكومي. وقد يتطلب الامر استخدام الأداتين النقدية اي رفع نسبة الفائدة، والاداة المالية بشقيها زيادة الضرائب وخفض الانفاق اذا استعصى التضخم وتمسك بموقفه. هذه النظريات مجربة ومعتمدة، وتكرر استخدامها وتكرر نجاحها، وستظل كذلك الحل كلما عاد التضخم للارتفاع.
ولعل المثال التالي يوضح الصورة ايضا. إذا كثر المعجبون بفتاة جميلة ومن ثم كثر خاطبوها زاد دلالها، وزادت شروطها، وزاد مهرها أي سعرها، خاصة اذا كانت من بيت محترم.
بالمقابل، هل يستطيع العلم الديني الذي يزعم شيوخ الدين وائمة المساجد أنهم يملكونه، بمعنى أن هناك علم ديني وعلماء دين، أن يدَّعوا بوجود نظرية او علاقة سببية تنص على أنه اذا كثر عدد المصلين او اذا كثر رواد المساجد او اذا كثر عدد الحجاج او الصائمين، او من يُصَلون التراويح حسنت المعاملة بين الناس او قلت حوادث السرقة او قلت حالات الغش او قلت الجرائم؟
هل لو قارنا بين نسبة هذه الجرائم في اليابان مع نسبتها في السودان او افغانستان او العراق او مصر، او سوريا او ايران هل ستكون في اليابان غير المسلمة اكثر؟
الإجابة على هذا التساؤل مهمة لأنها ستساعد المشايخ على الاقتناع بارتداء لباس آخر محترم ولكن ليس لباس العلم، والاعتراف بأن القصص التي لا يملون من تردادها ليست علما، ومن ثم يحث المشايخ على البحث والتعرف على وسائل لمعالجة المشاكل والجرائم التي ذكرتها، تختلف عن الوسائل المعتادة التي يركزون عليها وهي الحث على ممارسة طقوس العبادات وهم يعلمون ان النفاق وقلة الايمان تغلب على اغلب ممارسي طقوس العبادات.
يقول القرآن:” إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر”. هل فعلا توجد علاقة سببية بين اقامة الانسان للصلاة وبين ابتعاده عن الفحشاء والمنكر . بمعنى ان الصلاة متغير مستقل بينما الاتيان بالفحشاء والمنكر متغير تابع؟ وهل يمكن اثبات وجود هذه العلاقة اذا استخدمنا مناهج البحث العلمي؟ بالتأكيد أن القرآن لم يفترض وجود علاقة سببية بين الصلاة والصلاح، ولكنه اراد حث المصلين ان يكونوا صالحين حتى تُقبل صلاتهم ويكون لصلاتهم معنى وفائده.
المنافقون في المدينة وما حولها زمن الرسول كانوا يمارسون طقوس العبادات، واكتسبوا صفة الصحبة أي صحبة النبي حسب شروط الحصول على الصحبة التي ينص عليها التراث. المدينة كانت تعج بالمنافقين والزناة والمتحرشين والمجرمين والكذابين ومتناولي الخمور. هذه الحقيقة نقلتها الينا كتب السيرة. وبالمقابل فإن السجون في كافة الدول العربية والاسلامية تضم الكثيرين ممن حجوا واعتمروا وصاموا وصلوا وبعضهم يواظب على الصلاة والصيام داخل السجون مع أنهم ليسوا ابرياء عندما ادخلوا السجون.
الاية القرآنية تفترض الاخلاص. الاخلاص في الايمان قبل ممارسة الطقوس الدينية. ولذلك يقول القران ايضا، “الا عباد الله المخلصين”، ويقول القران ” والعصر إن الانسان لفي خسر، الا الذين امنوا وعملوا الصالحات”.
الحفاظ الذين يتحولون الى قصاصين مصممين على فرض ذواتهم ورئاهم على مسيرة المجتمعات وتقييد حركتها واعاقة تطورها لتظل متقبلة لوجودهم ومستهلكة لبضاعتهم. آن الاوان لأن يختاروا ما بين المستقبل او الافول. لان هذا هو الخيار المطروح على الشعوب العربية والاسلامية: المستقبل أو الافول. خصوصا وان عددا منها انضم فعلا لقائمة الدول الفاشلة والبقية على الطريق.