د. عادل يعقوب الشمايله
قرارُ امير الكويت بحل مجلس النواب الكويتي، والتبريرات التي استند اليها القرار، جدير بالاهتمام وأن يُقتدى. فتقليمُ الشجرة يعطيها المزيد من القوة والنمو ويخلصها من الاغصان المريضة واليابسة.
تضمّن القرارُ الاميري الاشارةَ الى ان عبثية المداخلات والسلوكيات والمماحكات مع الحكومة التي يمارسها بعض اعضاء مجلس النواب، واستغلالهم للحصانة والسلطة التي كفلها الدستور لعضو البرلمان وخاصة المساءلة والانتقاد المُحَصَنَ من العقوبة, لابتزاز الوزراء وممارسة الضغوط عليهم للحصول على استثناءات مخالفة للقانون ومنافع شخصية وعشائرية الامر الذي عطل مسيرة النمو الاقتصادي في الكويت وزاد من استشراء الفساد والتفرقة بين المواطنين واضر بالاستقرار السياسي ايضا.
وبعد ان كانت الكويت تقفُ في مقدمة دول الخليج من حيث مستوى المعيشة ونوعية الحياة تراجعت الى مرتبة متأخرة مقارنة مع جاراتها.
هذه التبريرات إن صحت، فإنهُ حريٌ بالاردن أن يحذو حذو الكويت، ويريحَ الاردنيين من وجود غرفتي مجلس الامة. فالكلفةُ الماليةُ والاخلاقيةُ لوجودهما عالية جدا واصبحت لا تحتمل، وتثير ضجر غالبية الاردنيين. الرواتب العالية والامتيازات الاعتباطية ومصاريف الرعاية الصحية والاعطيات والترضيات التي لا تخفى على الاردنيين التي يحصل عليها اعضاء مجلس الامة وخاصة اعضاء مجلس النواب ليس لها مبرر خاصة مع عدم وجود اي قيمة مضافة لهم يقدمونها للديموقراطية والمساءلة وضبط الاداء الحكومي ومكافحة الفساد وتحسين كفاءة الجهاز الحكومي وحل الصعوبات المعيشية، وعراقيل البيروقراطية الحكومية، التي يعاني منها المواطنون، وإخراج البلاد من ازمتها الاقتصادية التي طال عليها الامد واصبحت ظاهرة شؤم في حياة الاردنيين لدرجة انهم لم يعودوا يتذكرون متى كانَ اخرَ مرةٍ لم يكونوا فيها في مثل هذا الضنك.
فالركود الاقتصادي الذي سببته سياسة الانكماش الاقتصادي ببعديها النقدي والمالي وتجميد رواتب العاملين والمتقاعدين واضمحلال الانفاق الرأسمالي وتوالي زيادات الضرائب ومخصص خدمة الدين العام الداخلي والخارجي وارتفاع الاسعار وازمة السير اللتان تضران بقطاع السياحة ايما ضرر، أدلةٌ على فشل مجلس الامة وأن لا ضرورة لاستمرار وجوده. ناهيك عن التفكك بين مكونات الشعب الاردني التي تتسبب بها الانتخابات النيابية، والمرارة تجاه الاجهزة الحكومية التي يشعر به المرشحون واقربائهم الذين يشككون بنزاهة الانتخابات. فما مبرر وجع الرأس هذا؟
معظم اعضاء مجلس الامة الاردني مع الاحترام لاشخاصهم، لا يحتلون مقاعدهم لمؤهلات استثنائية او لكفاءة او تميز او فكر سياسي أو استراتيجي في اي مجال من المجالات، وإنما هم نتاج الطبيعية العشائرية لقانون الانتخاب وعبثية تشكل قوائم الخداع والقنص التي يطلق عليها القوائم الانتخابية، وفعالية المال السياسي، والهندسة الانتخابية التي تتطلبها التركيبة السكانية والطائفية والايدلوجية وجغرافية الاقليم وتجاذباته وضغوطه.
وجود مجلس النواب اصبح دُملاً يزعجُ ويؤرقُ الحريصين على مصلحة الاردن العليا، ويستفز ضحايا غياب العدالة والمساواة بين الاردنيين بسبب المنافع التي يحصل عليها اقارب واصدقاء وشركاء اعضاء مجلس الامة. وقد آن الاوان للدمل ان ينفجر ويتطهر الواقع السياسي الاردني منه.
لذلك، فإنني على يقين ان معظم الاردنيين يتمنون على الملك الاسراع في رحيل مجلس الامة، وتأجيل الانتخابات مدة عشر سنوات وليس اربع سنوات كما هو القرار الاميري في الكويت.
إن من يتذكر حال الاردن قبل عام ١٩٨٩ على قناعة بأن عام ١٩٨٩ هو عام النكبة البرلمانية وخسارة الشعب الاردني لدوره المباشر في الرقابة والمشاركة في الحكم، ونهاية عقود التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعدالة والمساواة. وضياع فرص الاكفاء المخلصين الوطنيين في الحصول على الوظائف الحكومية من ادناها الى اعلاها وتحولها الى امتياز للنواب ترضيةً لهم على الصمت او التواطؤ مع الحكومات عند اتخاذها قرارات غير شعبوية، او جهوية.
لقد تحول دور مجلس الامة الى دور المحلل، ولم تعد الحكومات تعبأ بالرأي الشعبي مُدعيةً بأن ممثلي الشعب قد اقروها في صورة قوانين او بالصمت، وهو زعمٌ تعرفُ الحكومات قبل غيرها عدم صحته لأنه لا يوجد ممثلين حقيقيين للشعب الاردني.
إن استمرار الاستعانة بمجالس امة لا تمثل الشعب لتمرير سياسات عامةٍ وقرارات واتفاقات ليست في مصلحة الدولة لن تبرئ ذمةً الحكومات من مسؤولياتها. فالتاريخ رقيب لا ينسى ولا يغفل وذاكرةُ الشعب تُخَزنُ وصبرهُ ليس بلا حدود.