وطنا اليوم:لم يتجاوز عامه الرابع عشر، وينفث برفقة عدد من أقرانه دخان “الأرجيلة” في أحد مقاهي وسط البلد الشعبية”، مشهد يراه البعض اعتيادياً في الأردن، بعد تصنيف المملكة كأكثر بلدان العالم انتشاراً للتدخين من قبل منظمة الصحة العالمية.
أحمد البالغ من العمر 14 عاماً يقول إن والده يدخن الأرجيلة بشراهة في المنزل وقد اعتاد تجهيز “رأس المعسل”والفحم واشعال الأرجيلة لوالده.
وتابع:”منذ عامين بدأت أرتاد مع أصدقاء لي بالمدرسة أحد المقاهي الشعبية في وسط البلد لتدخين الأرجيلة”، معتبراً أنه يرفه عن نفسه بذلك، من دون أن يدرك مخاطرها الصحية الهائلة على جسده الذي لا زال في طور النمو.
وبحسب الأرقام التي أوردتها منظمة الصحة العالمية، فإن 9 من كل عشرة مدخنين يبدأون التدخين قبل سن ثمانية عشر عاما، وأن 34.7% من المدخنين الحاليين بدأوا التدخين قبل سن ستة عشر عاما.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن منتجات التبغ ما زالت تقتل 8 ملايين شخص سنويا، نتيجة وقوعهم في فخ استراتيجية تسويق هائلة تبلغ قيمتها قرابة 9 مليارات دولار سنويا.
انتشار تقديم الأراجيل للأطفال في الأردن
تحظر المادة 53 من قانون الصحة العامة رقم 47 لسنة 2008 التدخين في الأماكن العامة، على أنه يجوز بقرار من الوزير وبناء على تنسيب مدير الصحة المختص تحديد مكان خاص يسمح فيه بالتدخين في المكان العام شريطة مراعاة صحة الجمهور وسلامته، والإعلان عن هذا المكان بصورة واضحة في مكان بارز وباللغة العربية.
ووفق المادة 63 من القانون يعاقب بالحبس لمدة تصل إلى ستة أشهر أو غرامة مالية لا تزيد على ثلاثة آلاف دينار أو كلتا العقوبتين على كل من يبيع التبغ للأطفال، كما نصت المادة 55 من القانون صراحة على أنه يحظر على أي شخص بيع منتجات التبغ لمن يقل عمره عن ثمانية عشر عاما، وبيع السجائر بالتجزئة.
ورغم تجريم القانون الأردني عمليات بيع التبغ إلى من هم دون سن الثامنة عشر، إلا أن معدّ التقرير رصد خلال اجرائه جولة على أكثر من سبعة مقاهٍ شعبية في منطقة وسط البلد وعلى مدار أيام سلوكيات لأطفال يدخنون “الأرجيلة” في عدد من تلك المقاهي.
وخلال الجولة تبين وجود العشرات من الأطفال الذين يحصلون على الأرجيلة من قبل القائمين على تلك المقاهي بكل يسر ومن دون طلب هويات المرتادين للتأكد من بلوغهم سن الثامنة عشر.
يقول علي “15” عاماً إنه يزور المقاهي الشعبية بشكل شبه أسبوعي مع رفاقه، وأنهم يدحنون الأرجيلة، من دون أن يذكر أية صعوبات تواجهه أثناء ارتايده المقاهي بسبب سنه.
وأكد: “طوال فترة ارتيادي للمقاهي الشعبية لا أذكر أن أحداً من القائمين على تلك المقاهي رفض بيعي “الأرجيلة” أو طلب مني إبراز هويتي الشخصية”، مع الإشارة إلى أنه لم يبلغ السن القانونية بعد لإصدار الهوية الشخصية.
فيما أفاد صديقه أحمد (16) عاماً أنه يدخن الأرجيلة منذ 3 سنوات على الأقل بشكل روتيني، دون أن يواجه مشكلات مع أصحاب المقاهي حول سنه، وفق تعبيره.
أصحاب مقاهي يبررون بيع الأراجيل للأطفال
معد التقرير التقى عددا من أصحاب المقاهي الشعبية التي ارتادها، حيث بين محمد (مالك أحد المقاهي):” إن نسبة كبيرة من زبائننا باتت ممن هم دون سن الثامنة عشر”، وقال:”إن الشريحة العظمى من زبائني اليوم أصبحوا (مراهقين)، وامتناعي عن بيعهم الأرجيلة سيؤدي إلى خسارتي لهم كزبائن شبه دائمين”.
وبرر بيعه الأرجيلة لمن هم دون سن الثامنة عشر بالوضع الإقتصادي الصعب وضعف الحركة في السوق المحلي، زاعما أن اتباعه لقانون الصحة العامة سيجعله يغلق أبواب المقهى ذات يوم.
وعلى صعيد آخر أكد أحمد (مالك مقهى شعبي) أن كثيرا من الأطفال يرتادون المقهى بشكل دوري بحثاً عن الأرجيلة، إلا أنه يرفض بيعهم بشكل قاطع.
وقال أحمد:”من المستحيل أن أبيع الأرجيلة للأطفال لأسباب متعددة ومنها تطبيقي للقانون الذي يجرم ذلك إضافة إلى عدم رغبتي بتحمل (وزرهم)”، على حد تعبيره.
وتابع:” ربما بعد منعي منح هؤلاء الأطفال الأرجيلة أنهم سيتوجهون لشراء السجائر من المتاجر، إلا أنني على الأقل أكون قد حاولت اثنائهم عن ممارسة ذلك السلوك الضار”.
غياب للجولات التفتيشية على المقاهي
فرق من الضابطة العدلية تجوب بشكل مستمر على كافة المحال التجارية والمقاهي الشعبية وتنبههم بعدم بيع السجائر أو الأراجيل بكافة اشكالها إلى من هم دون الـ 18عشر عاما وتحت المساءلة القانونية تطبيقا وانفاذا لقانون الصحة العامة، وفق بيانات سابقة للجهات الرسمية.
إلا أن عددا من القائمين على مقاهي شعبية في منطقة وسط البلد أكدوا أنه خلال الفترة الماضية لم تزرهم أي فرق متخصصة للرقابة على تقديم الأرجيلة للأطفال.
وأجمع أربعة من ملاك 7 مقاهي على أن الفرق المسؤولة عن الرقابة عليهم لم تزرهم خلال فترة تجاوزت العام على الأقل، فيما رفض الـ3 الآخرون الإدلاء بأي تصريح حول الأمر.
معد التقرير حاور أكثر من عشرة أولياء أمور حول تدخين أبنائهم للأرجيلة من عدمه، وفيما يتعلق برأيهم بالمقاهي التي تقدم الأرجيلة لمن هم دون سن الثامنة عشر.
وقال أولياء الأمور إنهم يرفضون بشكل قاطع تدخين أبنائهم لأي نوع من التبغ نظراً لأضراره الصحية عليهم، فيما أشار 6 منهم إلى عدم معرفتهم إن كان أبناؤهم يدخنون الأرجيلة من دون علمهم في المقاهي الشعبية.
وطالبوا بتكثيف الرقابة على كافة المقاهي ومخالفة من يثبت تورطه في تقديم الأرجيلة لمن هم دون السن القانونية.
2,938 مقهى مرخص في حدود أمانة عمان
وتنظم أنظمة وقوانين الصحة العامة في أمانة عمان الكبرى عملية ترخيص المقاهي الشعبية والكوفي شوب والمطاعم السياحية التي تقدم الأرجيلة للزبائن، وتشتمل على العديد من الشروط، وذلك بموجب قانون الصحة العامة الذي يحظر التدخين في الأماكن العامة.
وتفرض قوانين الصحة العامة عقوبات على المدخنين في الأماكن العامة، بحيث يتم إلزامهم بالحبس لمدة تتراوح من أسبوع إلى 6 أشهر، أو بدفع غرامات تتراوح من 15 ديناراً إلى 1000 دينار أردني، حسب مكان التدخين ومدى تأثيره، مثل المقاهي أو المدارس أو الحضانات.
وتتخذ الأمانة إجراءات ضد أي منشأة غير ملتزمة بالأنظمة والقوانين، بالتعاون مع وزارة الصحة، وفقا لقانون الصحة العامة.
فيما قال أحد ملاك المقاهي الشعبية ان تراخيص تقديم خدمات الأرجيلة في الأردن للمقاهي الشعبية موقوفة منذ سنوات، ويمكن شراء رخص قديمة وتشغيلها وفقاً لشروط وأنظمة معمول بها.
وأوضح أن المقاهي الشعبية تقوم بدفع رسوم سنوية مقدارها دينارين عن كل متر مربع داخل في المقهى الشعبي، فيما تتجاوز الرسوم 30 ديناراً عن كل متر مربع في المنسآت السياحية التي تقدم الأراجيل.
وبلغ عدد المقاهي المرخصة في حدود أمانة عمان الكبرى بلغ 2938 مقهى، حسب تقرير للمجلس الأعلى للسكان نشر منتصف العام المنصرم.
%80 من الرجال في الأردن مدخنون
وتشير الأرقام الى أن الأردنيين ضمن قائمة أعلى معدلات انتشار التدخين بين الذكور في العالم وبنسبة تصل إلى 80%، بينما تصل نسبة مستخدمي السجائر الإلكترونية نحو 16%.
وتبين الارقام أن أكثر من ثمانية رجال أردنيين من أصل 10 يدخنون أو يستخدمون بانتظام منتجات النيكوتين بما فيها السجائر الإلكترونية.
وارتفع معدل انتشار التدخين بين النساء البالغات في الأردن حيث تقدر النسبة بـ17% ويصل معدل انتشار تدخين الشيشة «الارجيلة» إلى 15.2% عموماً بين المدخنين.
أما الفئات العمرية الأكثر تدخيناً، فهي ما بين 35 و44 سنة للذكور و45 و54 سنة للإناث، وفقاً لدراسة مسحية أجرتها وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية.
9 آلاف وفاة سنوية في الأردن بسبب التدخين
تقرير للمجلس الأعلى للسكان نشر منتصف العام المنصرم ذكر أن التدخين يعد أكبر عامل خطر للإصابة بسرطان الرئة، ويعتبر سرطان الرئة السبب الأكثر شيوعاً للوفاة بالسرطان بين الرجال والنساء على الصعيد العالمي، وفي الأردن يعد ثاني أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين الذكور بنسبة 11% بين جميع أنواع السرطانات، وكان أكثر أسباب الوفاة شيوعاً بسبب السرطان هي الأورام في الرئة عند الذكور بنسبة 22.4%.
وتشير كافة الدراسات العالمية الى أن التدخين مسؤول عن مسببات الأمراض القلبية الوعائية وأمراض الجهاز التنفسي وأكثر من 20 نوعاً مختلفاً أو فرعياً من السرطان، ويسجل الأردن سنويا 9 آلاف وفاة بسبب التدخين اي يفقد أردني حياته من بين كل خمسة بسبب التدخين.
الأردنيون ينفقون على التدخين أكثر من الطعام
وفي ذات السياق كشفت دراسة مسحية لوزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية أن إنفاق العائلة الأردنية على التدخين شهرياً أكثر مما تنفق على طعامها.
ووفقا للدراسة بلغ معدل المصاريف الشهرية للحصول على السجائر أو أي أنواع أخرى من التبغ ما يزيد على 150 دولاراً شهرياً للشخص الواحد.
فيما بلغ معدل الإنفاق على الفواكه 36 دولاراً شهرياً، و58 دولاراً للألبان والبيض ونحو 70 دولاراً للحوم والدواجن.
وقالت الدراسة إن استهلاك الأردنيين من السجائر يبلغ 12 مليار سيجارة سنوياً، ما يعادل 600 مليون علبة سجائر.
ويبقى ملف تقديم الأراجيل لمن هم دون سن الثامنة عشر في الأردن مفتوحا على مصرعيه، في ظل غياب الرقابة الحصيفة على المنشآت التي تقدم خدمات بيع الأراجيل، وضعف حملات التوعية حول مضار التدخين بين الفذات السنية في المنشآت التعليمية والثقافية في الأردن.