بقلم كمال الضمور
إنَ المعلّم و المثقّف والأديب ، هم القاعدة الأساس التي تُبنى عليها أعمدة العمليّة التّعليميّة ؛ لِرفع السقف المعرفيّ للمجتمع ، و إعلاء قبّته النّورانيّة ، المُشرَعَة لنور السماء ، السامية للسحب المُشبّعَة بالعطاء . لذلك فإنّ أدوارهم المتعدّدة ، و المترابطة ، تتغيّر بتغيّر الأحداث و الظروف و حاجات المجتمع بشكل عام ، كما أنّهم الأيقونة له ، و القدوة الحسنة لأبنائه . و سوف نتعرف أكثر في هذا الطرح المُوجز على أهميّة الدور الأكبر لهذه النخبة الأساسيّة و المؤثرة في المجتمع .
يعتبر “المجتمع” النسيج الحقيقيّ الذي ينبثق منه الفرد و الجماعة مًتعدِّدو الأطياف ، حيث يعتبرون الرابطة الأجتماعيّة التي تقوم عليها كلّ مؤسّساته المتنوّعة : الثقافيّة و التعليميّة و السياسيّة و الإقتصادية ، و الدّينيّة ، و التي تجمعها مبادئ سامية ، و قيم شامخة ، و أخلاق رفيعة ، أذ لا تسير و لا تتقدّم هذه المؤسّسات بدونها ، آخذة مجتمعها قُدماً إلى مصافِّ المجتمعات المتقدّمة .
و المؤسّسة الثقافيّة ، تعتبر أهمّ هذه المؤسّسات المجتمعيّة ؛ لِما لها من دور بارز ،
و فعّال في بناء المجتمع بناءً سليماً . و من هنا تبرز أهميّة دور المثقّفين الأردنيّين الحقّ و خاصّة المبدعين منهم ، إذ يعتبرون الجسر الحقيقيّ المؤدّي للعبور نحوَ الأمن و الأمان ؛ للحفاظ على المجتمع ، و الإمساك بنسيجه ،
و الحفاظ عليه ، و منعه من التّآكل ؛ لتحصينه من آفة العِثّ الزاحفة إلى خيوطه ، أيًّا كان مصدرها .
و ممّا لا شكّ فيه ، أنّ تغيّر ” مجتمعنا الأردنيّ” نحوَ الأفضل ، يقوم على القوّة
المؤثٍّرة فعليّاً فيه ، و غالباً ما يكون التأثير الحقيقيّ للمثقفين في كلّ المجالات ، و إنْ وِصِفت “بالقوُة الناعمة” الفاعِلة و المباشرة ؛ لمخاطبة العقول و القلوب كونها الّلسان الناطق ، لها من إيجابيّات ، و عليها من سلبيّات ، كونها المرآة العاكسة لكلِّ المجريات و الأحداث التي تدور في الأردنّ ، ثمّ في العالم بأسره ، كما تعتبر الصوتَ بعيدَ المدى ، الضاربُ صداه في كلّ أصقاع المعمورة ، موّضّحاً الحقيقة ، مهما كانت أبعادٌها ، لِما لها من أثر بالغ على
المجتمع برمّته .
حيث تبدأ شرارة الفكر للمثقّف و الأديب
من القاعدة التعليميّة ، بقيادة القائد الأوّل
لها “المعلّم” ، إذ يُعتبر همزةَ الوصل بين الطلبة في المراحل الدراسيّة الأساسيّة ، و المراحلِ التعليميّة العُليا ، حتّى انخراطهم في سوق الحياة . إذ يجب على المعلّم نقلَ العلم و المعرفة ؛ المنبثقِ من كفاءته التي تؤهّله لأن يكون رسولاً و أميناً لنقل رسالته التربويّة التعليميّة الدينيّة الأخلاقيّة الإرشاديّة ، و المهنيّة ، كما و عليه تحفيزُ الطلبة و تدريبُهم لصقل و قيادة أنفسهم ؛ لتنتفع بهم الأمّة و العالم ، ليصبحوا المنارة لِشُطآن مراكب حصد الثقافة و الأدب .
إنّ الثقافة و الأدب مرآةٌ حقيقيّة للمحتمع ، و رمزا حضارته … و من هنا …! يحمل الأدباء
و المثقّفون و المبدعون على كاهلهم كلّ المسؤوليّات المترتّبة عليهم ، إذ يوكل إليهم احتضانٌ الجيل الجديد ، من خلال التّقبّل للآخر ، و القبول لِمَن حذا حذوهم ، و سَلَك دربهم ، و يجب عدم حصر الساحة الثقافيّة
في فئة بعينها ، كما يستدعي دورهم تَبنّي المبدعين من الفئات المحصورة ، و الواعدين ، بل و إرشادهم ، و فتح المجال أمام توجّهاتهم ، و التي غالباً ما تقوم على الحداثة الفكريّة في كل المجالات عموما ، و الأدبيّة بشكلٍ خاصّ ؛ لِما للأدب من دور بارز في الحفاظ على تاريخ الأُمم و توثيقه ، فهو السّجلّ الحقيقيّ الذي يضمّ أرشيف كلّ المجتمعات ، كما يُعتبر الأدب أهمّ الوسائل المتميّزة ؛ في رفع الوعيّ الفرديّ ، و الإنسانيّ ، و الثقافي ، و الفكريّ و المعرفيّ ، غيرَ متناسين حقيقة دور الأدب على المجتمع
و الفرد معاً ، إذ يلعب دوراً بالغاً بالتأثير على تكوين قناعاتهم حول تراثهم الماضي ، و ساحة حاضرهم ، و أفق مستقبلهم ، و تعزيز التعاطف بينهم ؛ من خلال قراءة نتاج الأدباء القادمة
من التأثّر بتجارب الآخرين ، و التأثير فيها ، ممّا يضعهم على محكّ التعزيز و الابتكار و الإبداع . هذا …! من جهة .
و من جهة أخرى …
يكمن دور استمراريّة تداول الأدب و الوقوف عنده ، كقوىَ مؤثّرة في المجتمع الأردنيّ ؛
من خلال علاقة المثقّفين ، و المبدعين مع بعضهم البعض ، و حرصهم على الدعم المعنويّ
و الماديّ ، حتّى يكونوا بنّائينَ لا هَدّامين …! كما عليهم توجيه الإعلام نحو الساحة الأدبيّة ، و لكلِّ المبدعينَ ، و استقطاب ذوي الفكّر النيّر ، لربّما تدارت عنهم الأقلام ، و سار بعيداً عنهم مجرى مِدادها ، أخذين بعين الاعتبار أنَّ الأدب أداة و سلاح بأيديهم ، فكان لِزاماً عليهم النقر و النحت بتلك الأداة في الفكّر ؛ لإظهار بصمته بأبهى جماليّة ، كما عليهم تصويب ذاك السلاح ، تصويباً صحيحاً ، و الضغط على زناد الفكّر ؛ لقدح شرارة المعرفة و العلم ، من خلال تَوَليد سًبل الأدب في كلّ مجالته ، و التشاركيّة الثقافيّة بين الأدباء ؛ للفرز الحقّ ، و معرفة الغثّ من السمين .
إنّ للأدب في كلّ صُنوفه وجهين : فائدة و متعة . حيث تعتمد ملامح وجه الفائدة على القوّة التأثريّة الإبداعيّة المباشرة ؛ و ذلك من خلال أساليب الكتابة و الحرافيّة فيها : لغة
و لفظاً و معنى . في حين يكمن إظهار ملامح وجه المتعة في الأدب ؛ من خلال الابداعيّة الإنسانيّة المُلامسة للشعور و الإحساس للوصول إلى وجدان المتلقي ، ليكون منبر الأدب المداد و القلم .