الدكتور: محمود المساد
مدير المركز الوطني لتطوير المناهج السابق
صدرت قبل أيام نتائج الدراسة الدولية لتقييم الطلبة المعروفة باسم (PISA)، للعام الدراسي 2022م (بعد أن تأجلت من عام 2021م بسبب وباء كورونا). و(PISA) هو برنامج يقوم بإجراء مجموعة من الدراسات التي تشرف عليها منظمة التعاون، والتنمية الاقتصادية OECD كل ثلاثة أعوام؛ بهدف قياس أداء الأنظمة التربوية في عدد من دول العالم؛ بناءً على طلبها. (لذلك، نجد عدد الدول المشاركة في الاختبارات مختلفا بين اختبار وآخر).
ويهدف هذا البرنامج إلى قياس مهارات الطلبة المعرفية القائمة على التفكير بعمر 15 عاما، أي بما يعادل الصف التاسع، وذلك بغض النظر عن مستوياتهم الدراسية في مباحث الرياضيات، والعلوم، واللغات.
وحقيقة، فإن أسئلة الاختبارات الدولية جميعها تركز على أهداف التعليم التي تقوم على البحث والاستقصاء وحل المشكلات، ومهارات التفكير عموماً، بغرض الكشف عن قدرات الطلبة في التعامل معها، وإيجاد الحلول الأنسب لها. وهذا يعني أن الدراسة تسعى إلى تقييم قدرات الطلبة على إدماج معارفهم واستثمارها لإستخدامها في حياتهم اليومية، عن طريق التفكير العقلاني، والتحليل السليم، والتواصل الفعال. وهذا ما لم يتوافر لقياداتنا التربوية ولا لطلبتنا، ولم يتدربوا على ذلك، ولم يقع حتى في دائرة اهتمامهم واهتمام مناهجهم، ومعلميهم، واختباراتهم المحلية.
في الأعوام التي تلت عام 2018 عام الدورة الإختبارية السابقة كنّا نصف وضعنا الأردني بالكارثي؛ نتيجة ما تحصّل عليه طلبتنا من نتائج، حيث كانت في العلوم 492، وفي الرياضيات 400، وفي اللغة العربية 419. في حين أن نتائج هذه الدورة الاختبارية الأخيرة للعام 2022 حصل طلبتنا على 375 في العلوم، وعلى 361 في الرياضيات، وعلى 342 في اللغة العربية. وهذه النتائج المتراجعة بشدة عن الدورة السابقة للعام 2018 تجعل من وضعنا أشد كارثية. ولكي تكون الصورة أكثر وضوحا، فإننا نعرض ترتيبنا العالمي للعام 2018 الإجمالي البالغ 60 من بين 79 دولة شاركت في الاختبارات، وبلغ ترتيبنا في اختبارات عام 2022 ( 74 ) من بين 81 دولة مشاركة، بمعنى أننا في ذيل القائمة، ومن بين الدول العشرة الأخيرة،بل السبع الأخيرة الأسوأ في العالم!!
وبصراحة ووضوح، أقول: هناك أسباب رئيسة لهذا الإخفاق المريع تتصل بالسياسات، ومن يوجه بها، ومن يديرها، ومن يتابع حسن تنفيذها المنحرف عن هدف النظام التربوي التعليمي الأساسي. فهدف النظام هو الطالب في شخصيته، وقيمه، وتفكيره، والمهارات التي يكتسبها، ويتمكن منها، وتخدمه في العيش في المستقبل بطرائق ناجحة وفعالة، ولكن نحن في الأردن ومع سبق الإصرار، نكتفي بحفظ المحتوى وتسميعه، وتفريغه في أوراق الاختبارات، وعلى رأسها التوجيهي من دون القبول الفعلي بالتوجه للطالب وإعداده، وتمكينه من مهارات التفكير، ومنظومة القيم التي يريدها المجتمع، والتوجه للمستقبل ومتطلباته المعروفة. لذلك، نخفق في هذه الاختبارات بجدارة!!
ومن أجل رؤية الحقيقة التي لا يريد أن يعرفها أصحاب القرار الذين لا يعرفون من الأمور التربوية إلا ما يبقيهم متمسّكين بما يُملى عليهم من الإبقاء على طلبتنا يتمتعون بعقول مسطّحة، وغائبة عن قيمها، وموروثها الثقافي، ولا يتقنون أي مهارات لها علاقة بالتفكير كون أن كل ذلك متعب لهم؛ من أجل تنفيذ ما يريدون.
ومن أجل المصداقية كذلك، فإننا نعرض لغرض الإختبار الدولي “بيسا” من الطلبة في الرياضيات على سبيل المثال: (لا يرتبط الإختبار بالكتب المدرسية، وإنما يرتبط بتطبيق معارفهم، ومهاراتهم في الرياضيات في مواقف حياتية واقعية تمكّنهم من المشاركة الفاعلة في المجتمع، إضافة إلى الكشف عن قدراتهم في صياغة المفاهيم الرياضية، واستخدامها، وتفسيرها في سياقات متنوعة، واكتساب عقلية رياضية تسمح باستخدام هذه المفاهيم، والإجراءات والحقائق والأدوات الرياضية في توصيف ظواهر معينة وتوقعها).
وفي الحقيقة، لا يمكن أن نتحسن في نتائج اختبارات طلبتنا إلا إذا فهمنا الغايات من الإختبارات الدولية، وأخذنا تلك الغايات بعين النظر والإهتمام عند إعداد مناهجنا، وتدريب معلمينا، وقناعة قياداتنا العليا والمتوسطة والميدانية بها، ودعم ذلك كله بالتشريعات، وعلى رأسها الإختبارات والتوجيهي بالذات. وبغير ذلك ستبقى كل الجهود ومنها ما أوصت به خطة التحديث الإقتصادي حبراً على ورق!! إن جائحة كورونا ليست متغيراً مؤثراً في الأردن لنعلق عليه فشلنا كما يقول بعضهم، بدليل أن هذه الجائحة تأثرت بها جميع دول العالم . وعليه، فإن هذا المتغير سيغدو هو الآخر محايداً ومضبوطا تماماً.