قراءة|| الحكم الرشيد أو الحكيم ( الحوكمة ) أساس التنمية الاقتصادية والمصرفية

19 سبتمبر 2023
خالد بدوان السماعنة

بقلم المهندس/ خالد بدوان السماعنة
الشركة هي آلية يتم إنشاؤها للسماح للأطراف المختلفة بالمساهمة برأس المال والخبرة والعمالة لتحقيق منفعتهم المتبادلة. و يشارك المستثمر أو المساهم في أرباح المؤسسة دون تحمل مسؤولية إدارة العمليات فيها. أما مجلس إدارة الشركة فتنحصر مسؤوليتهم في إدارة الشركة  دون أن تكون عليهم مسؤولية توفير رأس المال. ولجعل هذا ممكنا، تم إقرار قوانين تمنح المساهمين مسؤولية محدودة –وبالتالي- مشاركة محدودة في أنشطة الشركة. ومع ذلك فإن هذه المشاركة تشمل الحق في انتخاب أعضاء مجلس الإدارة الذين لديهم واجب قانوني لتمثيل المساهمين وحماية مصالحهم. وبصفتهم ممثلين للمساهمين يتمتع أعضاء مجلس الإدارة بالسلطة والمسؤولية لوضع سياسات الشركة الأساسية والتأكد من اتباعها. ولذلك، فإن مجلس الإدارة ملزم بالموافقة على جميع القرارات التي قد تؤثر على أداء الشركة على المدى الطويل. وهذا يعني أن الشركة هي مجموعة أساسية يحكمها مجلس الإدارة الذي يشرف على الإدارة العليا بموافقة المساهمين.

يشير مصطلح حوكمة الشركات إلى العلاقة بين هذه المجموعات الثلاث في تحديد اتجاه وأداء الشركة. وكثيرا ما شكك المساهمون ومجموعات المصالح المختلفة بشكل جدي في دور مجلس الإدارة في الشركات. فهم يشعرون بالقلق من أن أعضاء مجلس الإدارة الداخليين قد يستغلون مناصبهم لزيادة منافعهم، خاصة أن أعضاء مجلس الإدارة الخارجيين غالبًا ما يفتقرون إلى المعرفة والمشاركة والحماس الكافي للقيام بعمل مناسب للمراقبة وتقديم التوجيه للإدارة العليا. ويبدو أن حالات الفساد على نطاق واسع والممارسات المحاسبية المشكوك فيها والتي حدثت في شركات كشركة إنرون، وجلوبال كروسينج، وورلدكوم، وتايكو، وكويست – من بين شركات أخرى- تبرر مخاوفهم. ولم يقتصر وعي عامة الناس بتوجيه الانتقاد للعديد من مجالس الإدارة بكونها تفتقر إلى المسؤولية عن أنشطة الشركات فحسب، بل بدأوا في دفع الحكومة إلى المطالبة بالمساءلة. ونتيجة لذلك، فقد تم استبدال مجلس الإدارة باعتباره ختمًا مطاطيًا للرئيس التنفيذي أو باعتباره معقلًا لنظام الاختيار “old-boy” بمجالس إدارة أكثر نشاطًا وأكثر احترافًا.

 لقد بدا مجلس إدارة شركة هوم ديبوت Home Depot مهتما بإبقاء الرئيس التنفيذي “روبرت نارديلي” سعيدا أكثر من اهتمامه بتعزيز مصالح المساهمين.

 تعد شركة هوم ديبوت أكبر تاجر تجزئة لتحسين المنازل  في الولايات المتحدة ، وتقوم بتوفير الأدوات ومنتجات البناءوالخدمات. ويقع المقر الرئيسي للشركة في مركز دعم متجر أتلانتا في ولاية جورجيا. 

قام المؤسسون لشركة هوم ديبوت: “آرثر بلانك”، و”كينيث لانغون”، و”برنارد ماركوس”، باختيار مجلس الإدارة شخصيًا، وشعر مجلس الإدارة أن الشركة كانت محظوظة بتعيين “روبرت نارديلي” والقادم من شركة جنرال إلكتريك ليكون الرئيس التنفيذي لشركة هوم ديبوت وذلك في ديسمبر 2000.

بين عامي 2000 و2005 افتتحت شركة هوم ديبوت أكثر من 900 متجرًا، وضاعفت مبيعاتها إلى 81.5 مليار دولار، وحققت نموًا في أرباح السهم بنسبة 20% على الأقل سنويًا. ووفقًا لنارديلي، كانت الشركة تتمتع بأقوى ميزانية عمومية في الصناعة، وإمكانات هائلة للنمو المستقبلي.
أحب مجلس إدارة الشركة “روبرت نارديلي”وكان نارديلي سعيدًا بدعم قرارات؛ لكن المساهمين لم يكونوا راضين عن أداء نارديلي، وتساءلوا عن سبب انخفاض سعر الأسهم العادية لشركة هوم ديبوت بنسبة 30% منذ أن تولى نارديلي مسؤولية الشركة. بالإضافة إلى ذلك فقد كان نارديلي يتعرض للهجوم على نحو متزايد بسبب حصوله – في نظرهم – على ” حزمة رواتب ومكافآت مفرطة” بالمقارنة مع أداء أسهم الشركة الضعيف. فتساءل الناس عن سبب حصوله على 38.1 مليون دولار سنويًا من الراتب والمكافآت النقدية وخيارات الأسهم ؟!.

كان نارديلي أحد المديرين التنفيذيين الستة الذين تم تسليط الضوء عليهم في مقال نشرته مجلة فورتشن بتاريخ 24 يوليو 2006 بعنوان “مشكلة الأجور الحقيقية للرئيس التنفيذي”، ولم يكن حاملو الأسهم راضين عن ميل نارديلي للتلاعب ببيانات الأداء السلبية. فعلى سبيل المثال عندما فشلت مبيعات المتجر نفسه في الزيادة في عام 2005 أعلن  نارديلي أن الإدارة البشرية لن تقوم بعد الآن بالإبلاغ عن هذا الرقم. وعندما تساءل أحد مراسلي “بيزنس ويك” عن إقناعه مجلس الإدارة بعدم استخدام سعر السهم لتحديد تعويضاته؟! أجاب نارديلي: بأنه ومجلس الإدارة شعروا أنه يجب تقييم فريق القيادة على الأشياء التي يكون للفريق سيطرة مباشرة عليها، مثل ربحية السهم بدلا من سعر السهم مقارنة بمؤشر التجزئة.

رأى نارديلي فرصًا ضئيلة للنمو في متاجر البيع بالتجزئة التابعة للشركة، لذا فقد سعى إلى جعل المتاجر تعمل بكفاءة أكبر. فكان استيراد الأفكار والأشخاص والمفاهيم الإدارية من المؤسسة العسكرية إحدى الطرق لإعادة تشكيل شركة “هوم ديبوت” التي أصبحت غير عملية على نحو متزايد لتصبح منظمة أكثر مركزية وكفاءة. وفي عهده كان التركيز على بناء فريق إداري منضبط ومستعد لاتباع الأوامر، والعمل في بيئات عالية الضغط، والتنفيذ بمعايير عالية.

قام نارديلي بتعيين عسكريين سابقين ليكونوا مديري المتاجر. وتم استبدال التدفق المستمر السابق للأفكار والاقتراحات المتدفقة داخل المؤسسة من العديد من موظفي هوم ديبوت بقرارات وأهداف رئيسية تتدفق من الإدارة العليا.
أفاد مسؤولون تنفيذيون سابقون في شركة هوم ديبوت أن “ثقافة الخوف” تسببت في تراجع خدمة العملاء. فتم استبدال عمال بدوام جزئي، بموظفي المتجر بدوام كامل من الرتب العالية التي كانت ذات يوم ثقيلة، وذلك لتقليل تكاليف العمالة. لكن ومنذ عام 2001  ترك الشركة 98% من كبار المديرين التنفيذيين في شركة هوم ديبوت والبالغ عددهم 170. وكشف مؤشر رضا العملاء الأميركيين الذي أعدته جامعة ميشيغان في عام 2005 -أن شركة هوم ديبوت- التي حصلت على 67 درجة، تراجعت إلى المركز الأخير بين كبار تجار التجزئة في الولايات المتحدة.

لم يتفاعل نارديلي بشكل جيد مع الانتقادات. فعلى سبيل المثال: احتوى جدول أعمال اجتماع المساهمين في مايو 2006 على عدد من مقترحات المساهمين التي تتناول التعويضات “المفرطة” للإدارة العليا، وفصل منصب رئيس مجلس الإدارة عن منصب إداري آخر، مما يتطلب أغلبية الأصوات لانتخابات أعضاء مجلس الإدارة، وموافقة المساهمين للحصول على مزايا التقاعد “الاستثنائية” المستقبلية لكبار المسؤولين التنفيذيين، والإفصاح عن القيمة النقدية للمزايا التنفيذية. وكانت الأصوات على هذه المقترحات تشير إلى مستوى مرتفع بشكل غير عادي من معارضة المساهمين، حيث صوّت ما لا يقل عن ثلث المساهمين على كل اقتراح تم الإدلاء به قبل الاجتماع.

عند الوصول إلى الاجتماع السنوي للمساهمين، تفاجأ الناس بملاحظة عدد من التغييرات عن الاجتماعات السنوية السابقة. باستثناء الرئيس التنفيذي نارديلي، فلم يكن أي من أعضاء مجلس الإدارة حاضرا. ومن ناحية أخرى، فقد سُمح لحاملي الأسهم بالتحدث عن مقترحاتهم الخاصة بالمساهمين، ولكن كان لكل منهم حد زمني تم تقييده بعناية شديدة بواسطة ساعة عملاقة. بل لم يقدم نارديلي مراجعة للأداء، ورفض الاعتراف بالتعليقات أو الإجابة على الأسئلة، وأجل الاجتماع بعد 30 دقيقة. مما أثار غضب العديد من المساهمين وعدوا ما قام به نارديلي محض غطرسة.

في نهاية المطاف قام المساهمون بالضغط لتخفيض حزمة الرواتب والمكافآت الكبيرة للرئيس التنفيذي، وطلب مجلس الإدارة أخيرًا من نارديلي قبول ربط حزمة الرواتب والمكافآت المستقبلية الخاصة به بالزيادة في سعر أسهم الشركة. فرفض نارديلي ذلك رفضًا قاطعًا وبدلاً من ذلك ترك الشركة في يناير 2007 وأخذ معه حزمة تقاعد بقيمة 210 ملايين دولار.
لم يتمكن المراقبون من فهم سبب سخاء مجلس الإدارة مع الرئيس التنفيذي الذي كان خلال فترة ولايته مهتمًا ببناء تعويضاته الخاصة أكثر من اهتمامه ببناء ثروات المساهمين.
إن المساهمين في شركة هوم ديبوت ليسوا الوحيدين الذين يشعرون بالقلق إزاء كبار المديرين -المشكوك فيهم-، وإزاء مجالس الإدارة الضعيفة.
تم اقتراح رقم قياسي بلغ 1169 قرارًا للمساهمين في الولايات المتحدة خلال عام 2007. وقد حظيت المقترحات المتعلقة بأجور الرؤساء التنفيذيين وغيرها من قضايا الحوكمة بأصوات تأييد عالية بلغت 30% إلى 60% من المستثمرين. وتزايدت الحملات الناشطة الناجحة للمساهمين في أوروبا من أقل من 10 في عام 2001 إلى أكثر من 50 في عام 2007.
كشفت الأبحاث أن المديرين في 29% من جميع الشركات العامة الأمريكية كان لديهم backdating stock options من أجل تعزيز رواتب المسؤولين التنفيذيين، مما أدى إلى توجيه اتهامات مدنية ودعاوى قضائية للمساهمين بالإضافة إلى لوائح الاتهام الجنائية. فعلى سبيل المثال وافق عشرة مديرين سابقين في شركتي WorldCom وEnron على دفع 18 مليون دولار و13 مليون دولار – على التوالي- من أموالهم الخاصة لتسوية الدعاوى القضائية التي رفعها المساهمون الغاضبون بشأن التصرفات غير الأخلاقية وحتى الإجرامية التي ارتكبتها الإدارة العليا والتي أشرف عليها مجلس إدارة سلبي.

 للحديث تتمة .. دمتم بخير