دبلوماسية الثقافة

22 أغسطس 2023
دبلوماسية الثقافة

د. عادل يعقوب الشمايله

البشرُ فقط، يمكنُ وصفهم وتصنيفهم ككائناتٍ ثقافيةٍ.
ونظراً لأنَّ الانسانَ اجتماعيٌّ بالطبع كما نعتهُ ابن خلدون، فإنني أُضيفُ أنَّ الانسانَ بالضرورةِ وبالنتيجةِ كائنٌ ثقافي ايضاً، حيثُ لا يوجدُ مجتمعٌ بشريٌ يعيشُ بدونِ ثقافة.
وفي رأيي فإنَّ الثقافةَ وليسَ العقل هي الفارقُ المُفَرِّقُ الرئيس ما بينَ البشرِ والحيوانات، لأنَّ للحيواناتِ عقولٌ، لكنْ ليسَ للحيواناتِ ثقافة.
الانسانُ وحدهُ لهُ لغةٌ ودينٌ وعاداتٌ وتقاليدٌ واعرافٌ وقوانينٌ وتاريخٌ مرصود وانظمةَ سلطةٍ ولباس وفنون ويصنعُ ما يناسبُ ذوقه من الطعام.
لذلكَ فثقافةُ الاردني تختلفُ عن ثقافةِ الامريكي، لكن القط الاردني لا يختلف عن القط الامريكي في الاهتمامات والسلوك وقائمةِ الطعام. وكذلك الامر بالنسبة لبقية الحيوانات والحشرات، فهي عالمية السلوك والادراك لأنها لا تملكُ مرجعيةً ثقافية.
الانسانُ يرى ما يرى بعدستي ثقافته، ويسمعُ ما يسمعُ بأُذني ثقافته. فالعيونُ والاذانُ مُجرَدَ ادواتٍ ووسائل.
كُلُّ ما يراهُ الانسانُ ويسمعهُ يُعرَضُ على مرجعيتهِ الثقافيةِ حتى يعيهِ ويُصنفهُ ويفهمهُ ومن ثَمَّ تتشكلُ ردودُ افعالهِ وقراراته.
ونظراً لأن ثقافاتِ الافرادِ تتباينُ رغمَ وجود قدرٍ كبيرٍ من المشتركاتِ الثقافية حيث تتقاطع دوائرنا الثقافية، يتباينُ تبعاً لذلك وعيهم وتقييمهم، وتتباينُ ردودُ افعالهم وقراراتهم. فثقافة القرية لا تتطابق لا مع ثقافة المدينة ولا مع ثقافة البادية. وثقافة عمان لا تتطابق مع ثقافة نيويورك وثقافات لندن ووارسو وامستردام وكيب تاون وجزر القُمر.
ادراكنا لهذه الحقيقة يساعدنا في تجنب الاصطدام ببعضنا البعض وبالتالي التعايش السلمي، لأنهُ يُمَكِّننا من تفهم مواقف الاخرين بل وتوقع قراراتهم وسلوكياتهم.
الدين الاسلامي هو احد مكونات ثقافتنا العربية. واذا راجعنا آيات القرآن نجدُ أنه ميز ما بين سكان البادية والقرية والمدينة.
كما يخبرنا القرآن بأن الله ارسل الرسل بلسان اقوامهم “وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه”. والمقصودُ باللسانِ هنا ليس اللغةَ وإنما المقصودُ “بثقافة قومه”. إذْ أنَّ من البدهي أن يتكلم الرسول بلغةِ المبعوث اليهم. فمن غير المعقول أن يرسل الله رسولاً روسياً لا يعرف الا اللغة الروسية الى فرنسا. لأن التواصل بين المُخاطِبِ والمُخَاطَبينَ سيكون منعدماً. فاللغُةُ هي وعاءٌ، والرسل ارسلوا بمضامين. الحالةُ الوحيدةُ الخارجةُ عن هذا السياق هي حالةُ النبي موسى الذي طلبَ عونَ اخاه هارون لمساعدته في ايضاح ما يقوله موسى بسبب عيبٍ عُضويٍّ في لسانه “وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ”.
اهتمامُ القرآن بثقافة القوم اللذين أُرسِلَ اليهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم واضحٌ من انواع الفاكهة والحيوانات المذكورة في القرآن والاحداث التاريخية التي ركز عليها القرآن في جغرافية المنطقة التي بُعث فيها وإليها حيث لم يرد في القرآن ذكرٌ لفواكهِ الهند والصين واوروبا وافريقيا وامريكا ولا اسماء حيواناتها ولا للاحداث التاريخية فيها، إنما اقتصر على الجغرافيا والتاريخ المعروفان لعرب الجزيرة وبادية الشام.
مُهمةُ الانبياء والرسل لم تقتصر على تغيير معبود الاقوام الذين ارسلوا اليهم وطقوس العبادة، ولكنهم كانوا يسعون الى اعادة تشكيل ثقافة اقوامهم بالحذف والاضافة والتعديل.