جمانه الجلاد
لمن لم يشاهد هذا الفيلم الإنساني الرائع .. نبراسكا .. إنه قصة تجسد أروع مشاهد الحب الأبوي .. أب كهل يشتري ورقة ( lottery ) يا نصيب ، فتربح هذه الورقة ، يقوم على الفور بالاتصال بولديه اللذان يقيمان في ولايات ثانيه ، يأتي إليه أبناؤه ، يطلب منهما الأب أن يأخذاه الى مكتب اليانصيب الذي يبعد كيلومترات كثيره ، حيث سيأخد المبلغ الضخم الذي ( اعتقد ) أنه قد ربحه ، الولدان يعلمان أنه لم يربح شيء و لكنهما بحبهم لوالدهم لا يريدان كسر خاطره بعد هذا العمر ، فهو كهل و مريض بمرض الزهايمر ، لكنه بالنهاية والدهم ، و الذي بفضله و بتعبه وصلوا لما وصلوا إليه في هذه الحياة من نجاحات .. يتوجه الأب برفقة ولديه إلى مكتب اليانصيب ، و الموظفه هناك تخبر الولدين أن الرقم الأخير غير مطابق و أنه لم يربح شيء وهما يعلمان ذلك .. و لكن الموظفه ستعطيه جائزة ترضيه ، فاختار الأب طاقية من بين الجوائز البسيطه ، اختارها لأنها كتب عليها كلمة ( winner ) الرابح …
و بالطريق الطويله سأله ولداه لماذا أردت يا أبي ان تربح هذه الجائزة بعد هذا العمر ؟ أجاب الأب بكل الحُب الأبوي الخالص ؛ حتى اترك هذا المال لكم من بعدي .. سألوه ألم تطمح بشيء لنفسك ؟ أجاب ؛ أنا فقط أريد سيارة بكب و مولد كهرباء لحقلي ، تتوالى الأحداث في الفيلم و يمرون بولايات عديده و يقابل الأب أصدقاء قدامى و يحدثهم بأنه ربح اليانصيب
( فهو مريض الزهايمر و ينسى )..و في طريق سفرهم يتوقف الولدان عند معرض للسيارات يقومان بشراء سيارة لوالدهم تلك البكب التي يحلم بها و اشتروا له مولد الكهرباء ووضعوه في صندوق السياره ، لم يسمحوا له بالسياقه لأنه كبير و مريض ، لكن عندما وصلوا الى مدينة الأب ، هناك نزل الابن وقال لوالده الآن دورك في السياقه يا والدي ، وضع الأب طاقيته التي تحمل كلمة ( winner ) و ساق سيارته الجديده التي تحمل مولد الكهرباء في صندوقها .. و كله فخر و زهو و امتنان .. و أنه لم يخرف و يكبر و انه فعلا ربح اليانصيب و أنه لم يكن يتخيل ..
ما أجمل هذا الأب و هؤلاء الأبناء … قصة تحمل أروع معاني الحب و الوفاء و العرفان بالجميل .. برّوا بآبائكم و أمهاتكم فإن الله قد أوصانا بهم خيراً .. و مهما قدمّنا لهم نحن لن نوفيهم حقّهم … فنحن مهما كبرنا نبقى أطفالا بعيون آبائنا .. و يبقى بيتهم اسمه بيتنا .. ذلك البيت الدافيء ، صغيراً كان او كبيراً هو في عيوننا قصرنا و أماننا ، ذلك البيت ذو الرائحة الحنونة ، البيت الذي ندخله و نفتح كل خزانة في المطبخ لأننا نعرف مكان الملاعق و الأطباق و أغراض أمي التي تصّر على الاحتفاظ بها رغم عدم حاجتها لها ، في هذا البيت قام أبي بشراء أرجيلتين لي و لأختي بالرغم من حرص أمي على نظافة ستائرها و سجادها ، و لكن انبساطنا عندها هو جُلّ اهتمامها و أن نتواجد عندهم لأطول ساعات ممكنة ، هو أغلى عندها بكثير من أثاثها مع انه جديد .. ذلك البيت الذي نرجع منه محملّين بأطايب الأكل ، و أبي الذي يصّر عند مغادرتي منزلهم أن يظل واقفاً في الشارع حتى يتأكد أن سيارتي قد اختفت عن ناظريه ، بعد أن يكون قد وضع المال في جيبي و كأنني لا زلت تلك الطالبة الصغيرة التي تنتظر باص المدرسة و يعطيني مصروفي ، و هو لا يزال للآن يهذّب لي خصلات شعري و يخبرني في كل يوم بأنني أجمل نساء الأرض .. ما أجملهم آباؤنا .. و نحن مهما قدمّنا لهم سنبقى دائما مقصّرين ..
قال الله سبحانه و تعالى ؛
“واخفضْ لهما جناحَ الذّل من الرحمةِ وقلْ ربّي ارحمهما كما ربياني صغيراً ”