وطنا اليوم – يعاين الدكتور بسام الهلول أستاذ الفلسفة إلاسلامية في اكثر من جامعة اردنية وعربية في كتابه ” ضبح الأمكنة ” الصادر حديثا عن وزارة الثقافة الأردنية واقعه الذاتي في مسيرة حافلة بالتساؤل تساؤلات وجودية وأخرى معاشية تحمل هم الفتى القادم من اطراف الصحراء الى اطراف الأطلسي بحثا عن الذات وتكوينها بعيدا عن اب يعمل في النافعة ويظل فتاه يشتهي ان يتناول شطيرة الفلافل ويحسد من يقدرون على شرائها .
الفتى الوعر كما اسمى الكاتب نفسه هذا المصطلح الوعري ينبي عن المعيشة الضنكا التي عاشها الطفل الذي ما ان يحصل “الفوداس ” في مدرسته حتى يلتحق بورشة العمال ليس طمعا بالمال وانما بوجبة فول يقدمها المتعهد ظلت طويلا تلاحق الراوي وهو يبحث في جامعات العالم عن فلسفة وجودية عادلة لم يجدها في بلاد العرب اوطاني لكنه وجدها هناك في اقصى الغرب عند عمدة المدينة التي يدرس فيها فقد اشترطت القوانين هناك ان تغادر ام الغافقي الابن الأكبر للراوي الى المغرب وان يغادر الطفل فرنسا حتى يمكنهما تجديد الإقامة لكن العمدة حين اطلع من قلبه الإنساني على واقع العائلة التي كانت ستتشتت جاء بيت الراوي زائرا يحمل هديه للغافقي الصغير ومع الهدية كان امضاؤه على إقامة مفتوحة للعائلة كلها كي لا تضيعهم دروب الأنظمة والقوانين .
الغافقي الابن والغافقي التاريخ ثمة رابط خفي القاه الراوي على الاسمين فالابن جاء باحثا مع ابيه عن نسائم الحرية ومجتمع عادل لا يتغول فيه من يملكون على من لا يملكون ومن يحكمون على من لا يحكمون والغافقي التاريخ الذي استشهد هناك على أبواب بوتييه بحثا عن إيصال رسالة عادلة جاءت من الشرق عنوانها متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرار …. هنا يوقف الراوي الهلول الزمن برهة ليكشف لنا الحقيقة المرة والمفارقة الدرامية الحزينة التي تضرب في ضلوع الباحثين عن الحرية في مجتمع عقيم عاجز عن ايجادها الغافقي التاريخ يستشهد وهو يحاول ان يوصل رسالة العدالة والحرية الى مجتمعات كانت موغلة في ظلمها وانعدام عدالتها والغافقي الصغير الذي جاء بعد أربعة عشر قرنا ليبحث عن الحرية المفقودة في بلاده ليجدها عند العمدة الذي أعطاه معنى ان يكون انسانا وهنا يبرز السؤال المر لماذا ؟؟؟؟؟ من الذي اختطف مفهوم الحرية والعدالة في بلادها وفي رسالتها التي جاءت مبشرة بها واصبح البحث عنها هناك في بلاد بعيدة تقع خلف المحيط ما وراء الممكن .
في ضبح الأمكنة يقبض بسام عنق النص بصرامة يوجهه حيث شاء فلا يعانده النص الا كما تعاند فرس حرون خيالها حتى اذا هز لها اللجام اقبلت تسعى مثيرة للنقع محمحمة تقدح سنابكها الصوان وكذاك نص الراوي الذي راوح بين الفلسفة ومتاهاتها وبين الواقع وضراوته فكانت الحكاية النازفة للفتى الباحث عن الحقيقة ثم جاءت المفارقة الأخرى انهيار مجتمع القيم الذي اخذ بلب الباحث بعد ان تداعت الأمم الى غزو معقل الامة وتوحدت لتطيح بالدولة التي كانت على مر التاريخ بوابة للفكر والدفاع عن الامة حيث العدوان الثلاثيني على العراق لينتقل الراوي من باريس الى بغداد ليكمل الدكتوراه التي عاندته طويلا .
في ضبح الأمكنة ثمة جرح موغل في النزف ينبيك عنه الكاتب بين ثنايا النص المؤرق للقاريء الذي لا يتحزم بالصبر والمعرفة والاطلاع ذلك الجرح هو المراوحة والكشف بين ما كنا وما نحن كائنون بين الانتقال من صيغة الفاعل الى صيغة المفعول به المتلقي للصدمة والضربة والصفقة وما بينهما من خفايا كامنة .
لقد اتعبتني يا بسام في الأمكنة التي تضبح لكنك أوصلت حكمة وقولا جميلا فثمة نافعة يا صديقي تسكننا كل حين ونحن نتلفت في الأرض اليباب تماما كما فعل اليوت .