نيويورك تايمز: بعد 4 أشهر على انفجار بيروت.. الساسة اللبنانيون يحاولون منع محاسبة المتورطين

21 ديسمبر 2020
نيويورك تايمز: بعد 4 أشهر على انفجار بيروت.. الساسة اللبنانيون يحاولون منع محاسبة المتورطين

وطنا اليوم –  قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن المسؤولين اللبنانيين يحاولون تضييق مدى التحقيق في الظروف التي قادت إلى انفجار مرفأ بيروت الهائل في آب/ أغسطس.

 

وقال بن هبارد مراسل الصحيفة في بيروت، إن التحقيق غرق في وحل السياسة والقوى السياسية التي تجمعت معاً من أجل منع تحميل القيادة المسؤولية. وبعد أربعة أشهر من الانفجار الذي أرسل موجات من الدمار والموت في بيروت، لم يتحمل ولا مسؤول المسؤولية عن ذلك، ولم تم التوضيح للرأي العام السبب الذي تركت فيه كميات من المتفجرات في مرفأ بيروت بدون اتخاذ احتياطات السلامة، لمدة ستّ سنوات.

 

وفي الحقيقة، فالساسة الأقوياء يعملون على منع القاضي من توجيه اتهام في التحقيق أو مساءلة أي من المسؤولين البارزين ناهيك عن محاسبتهم.

 

وفي يوم الخميس، علق القاضي التحقيق من أجل الرد على جهود مسؤولين لتنحيته عن القضية. وكان الانفجار الذي قتل 200 شخص وجرح الآلاف وترك دمارا بمليارات الدولارات، المثال الأكثر وضوحا عن المخاطر التي يمثلها الفساد المستشري وسوء الإدارة، التي تركت اللبنانيين أمام دولة عاجزة ومختلفة وظيفيا وخدمات فقيرة واقتصاد منهار.

 

واعتبر تحالف واسع من اللبنانيين، أن الانفجار هو نقطة تحول قد تقود إلى تغيير حقيقي في طريقة حكم لبنان، وكسر ثقافة الحصانة التي حمت السياسيين من المحاسبة. لكنهم يواجهون مقاومة شديدة من النخبة السياسية المصرّة على حماية مكتسباتها.

 

وقال المحامي نزار صاغية الذي يدير “المفكرة القانونية”: “كان الانفجار حجر أساس في تاريخ لبنان”، و”ولا يتعلق الأمر بالانفجار ولكن بالنظام كله. ولو فشلنا في هذه المعركة فلن نستطيع محاسبة أي شخص على انهيار البلد”.

 

ولا تزال آثار الانفجار واضحة على معظم وسط بيروت. وفي داخل المرفأ تبدو صوامع الحبوب التالفة فوق حفرة الإنفجار وحظائر التخزين المدمرة. وفي وسط المدينة تبدو الصفائح الحديدية تغطي مداخل المحلات والفنادق. وفي المناطق السكنية ترتفع السقالات على الشقق السكنية حيث يحاول السكان استبدال النوافذ المكسرة والأثاث. ولم تقدم الحكومة الكثير للأحياء التي تضررت بشكل واسع تاركة المجال للجمعيات الخيرية المساعدة في عمليات إعادة الإعمار الجزئية.

 

وفاقم الانفجار الصدمة التي أحدثتها الأزمتان الاقتصادية والاجتماعية، فالعملة اللبنانية في انهيار مستمر، وبنوك البلد ترفض السماح للمودعين بسحب أموالهم، وفشل الساسة أكثر من مرة في إجراء الإصلاحات المطلوبة لفتح الدعم الدولي.

 

واندلعت الاحتجاجات الداعية لإنهاء النظام السياسي ووقف الفساد، ولكنها فشلت في هز النظام الطائفي القائم على المحاصصة الطائفية بين الأحزاب السياسية التي تستخدم الدولة لتوسيع سلطاتها وإثراء نفسها والموالين لها.

 

وكان سبب الانفجار كميات كبيرة من نترات الأمونيوم، وهي المادة التي تستخدم في صناعة المتفجرات، ولكنها خُزنت في ظروف تخلو من السلامة رغم التحذيرات المتكررة. ووعد رئيس الوزراء حسان ديان بتحقيق شامل، ووقعت المهمة على القاضي البالغ من العمر 60 عاما فادي صوان، والذي بدأ بالتحقيق مع الناس في مكتب بدون نوافذ في القاعة العدلية، وهي ضيقة بدرجة لا يوجد هناك مكان لوضع ملفات القضية.

 

وحصل لاحقا على مكان أوسع، لكن طاقمه لا يحتوي إلا على مسجليْن يكتبان محاضر الجلسات باليد. ومهمته ضخمة، ليس فقط لتحديد سبب الانفجار، بل وتجميع أدلة جنائية لها علاقة بوصول السفينة التي حملت المواد الكيماوية إلى بيروت عام 2013 وقرار تخزينها في المرفأ بعد عام، والتعامل معها طوال السنوات قبل انفجارها. ووضعت هذه المهمة القاضي في صدام مع الرموز القوية.

 

وكشفت الوثائق التي حصلت عليها “نيويورك تايمز” وبقية المؤسسات الإعلامية، أن عددا من المسؤولين البارزين حذروا من نترات الأمونيوم بمن فيهم الرئيس ورئيس الوزراء وقائد الجيش وعدد من القضاة والوزراء، لكنهم فشلوا في نقلها.

 

وأدهش صوان المؤسسة السياسية عندما وجه اتهامات جنائية لأربعة مسؤولين مؤثرين: حسان دياب الذي استقال من منصبه في رئاسة الحكومة، ولكنه استمر بالعمل في حكومة تصريف الأعمال. ووزيري أشغال سابقين، ووزير المالية السابق، الذين كانوا على علاقة بالمرفأ، إما بالإشراف عليه، أو لهم علاقة مع سلطات الجمارك فيه.

 

وبعد الإعلان ذاك، تشكلت مجموعة من القوى السياسية، واتهمت القاضي صوان بتخطي حدوده. وقال حزب الرئيس، التيار الوطني الحر، إن القاضي ربما خرق القانون. واتهمه حزب الله، الميليشيا الشيعية بـ”الاستهداف السياسي”.

 

والتقى سعد الحريري أهم سياسي سنّي مع دياب للتضامن معه ضد ما أسماه “الانتهاك الصارخ والواضح للدستور”. ولم يتم تقديم أي من المتهمين الجدد للمساءلة، وقال اثنان منهما إنهما يتمتعان بالحصانة بسبب كونهما عضوين البرلمان، وقدما دعوى قانونية تطالب باستبدال القاضي.

 

وفي يوم الخميس، أوقف القاضي عمل المحكمة مدة 10 أيام للرد. وزاد من تعقيد التحقيق ما قاله وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي، إنه لن يطلب من الأمن اعتقال أي من المتهمين حتى لو صدرت مذكرات باعتقالهم.

 

ويرى نقاد القاضي أن وزراء الحكومة لا يمكن محاكمتهم إلا من خلال محكمة خاصة وبعد توجيه التهم لهم عبر تصويت ثلثي أعضاء البرلمان. ومحكمة كهذه لم يتم إنشاؤها من قبل في تاريخ لبنان، ولم يتخذ البرلمان خطوات كهذه منذ الانفجار.

 

وقال تشارلز رزق، وزير العدل السابق: “أي حدث أكبر من تدمير المرفأ ونصف بيروت. هل هم بحاجة لتشكيل هذا المجلس؟”. وأضاف: “كل هذا زيف وخداع لتناسي المسؤول الحقيقي” عن الكارثة.

 

إلا أن الدستور اللبناني ينص على أن الإجراءات البرلمانية فقط للخيانة العظمى وانتهاك المسؤول واجباته. ويعلق الخبراء القانونيون أن القضاة يمكنهم توجيه التهم للمسؤولين في الجرائم التي يمكن أن تكون خارجة عن هاتين الفئتين، وهو ما فعله القاضي صوان كما يبدو، لكنه لم يقدم تفسيرا قانونيا لما فعله.

 

ويعارض المحامون عن الضحايا فكرة الحصانة البرلمانية، وقال ملحم خلف، رئيس نقابة المحامين في بيروت: “في جريمة كهذه، فنحن بحاجة للنظر فيما إن كانت هناك حصانة”.

 

وتمثل النقابة 800 من ضحايا الانفجار، حيث أضاف: “لا نستطيع قبول السلوك التقليدي في جريمة غير تقليدية، وعلينا الدفع لتحقيق العدالة، فهذا ليس حادث سير”. ولكن هذه المزاعم أدت لمواجهة بين القضاء والبرلمان بشكل دفع الساسة لنقل القضية إلى الفضاء السياسي الذي يسيطرون عليه، ولم يحدث أن عاقبوا من خلاله أحدا منهم.

 

وقال رزق: “العدالة مهمة ولكننا عالقون بالسياسة وهي الأقوى هنا”. ويبدو أن المواجهة متعلقة بالساسة فقط، فقد وجّه القاضي صوان اتهامات لـ80 شخصا بعد مساءلتهم واعتقل 25 منهم. ومعظمهم من مسؤولي الصف الوسط في الميناء والجمارك وقوى الأمن.

 

وقدم القاضي طلبا للشرطة الدولية (إنتربول) لاعتقال صاحب الشركة القبرصي وقبطانها الروسي وطلب معلومات من موزمبيق وبلجيكا ودول أخرى. وحصل على تقرير من مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي (أف بي أي) وينتظر تقييما من شرطة “اسكتلند يارد” البريطانية وفريق الفحص الفرنسي الذي فحص مكان الانفجار.

 

ولم يحدد القاضي صوان سقفا زمنيا للتحقيق، ولكنه سينتهي عندما يقدم تقريره ويعلن عنه والمتهمين، حيث ستبدأ بعدها مرحلة المحاكمات.

 

لكن نقابة المحامين والضحايا الذين تمثل الضحايا ترى أن العدالة لن تتحقق في حالة لم يتم التحقيق مع المسؤولين البارزين وقادة الأمن.

 

وواصلت عائلات الضحايا الضغط على الحكومة لكي تقدم أجوبة، وعقدوا اعتصامات أمام منازل المسؤولين ومنزل القاضي صوان. وقال مهدي زهر الدين أحد المتظاهرين: “بالتأكيد يجب تعليق المشانق.. والدم بالدم لشقيقي”.