بقلم الأستاذ الدكتور تركي بني خالد
في الدول المتقدمة وعند الشعوب المتحضرة تقوم منظومة الممارسات التربوية والتعليمية على سياسة تربوية راشدة وفاعلة وشفافة من خلالها تنهض الامة وتخط سيرها نحو مراتب الحضارة. والسياسة التربوية تتضمن بطبيعتها حزمة من المبادئ العامة والقرارات والقوانين والأنظمة والتعليمات الناظمة للعملية التربوية والتعليمية بأسرها.
ومن حق كل مواطن أو مواطنة أن يتبين معالم السياسة التربوية التي تنتهجها الحكومات والأجهزة الإدارية المنبثقة عنها. فمن حق الذين يرسلون أطفالهم يوميا الى ما يسمى مدارس او جامعات او مؤسسات تعليمية أن يتبين لهم الخيط الأبيض من الأسود وهم يدفعون الغالي والنفيس في سبيل مستقبل أبنائهم وبناتهم. فالسياسة التربوية ليست ترفا او تنظيرا او حبرا على ورق بقدر ما هي وثيقة مهمة تنبع من رغبات المجتمع وتؤشر الى طموحاته وتطلعاته الى حاضر يبعث على الطمأنينة ومستقبل يبشر بالخير..
من حق أي مواطن ومواطنة أن يعرف لماذا يزج بأولادهم وبناتهم يوميا وعلى مدى عقد من الزمان على الأقل في غياهب ما يسمى مدارس او جامعات او كليات بأنواعها. ومن واجب السياسة التربوية أن توضح بشكل جلي الهدف الأسمى من هذا الاستثمار في الانسان الي هو راس مال الوطن. ومن حق المجتمع بكافة أطيافه أن يشارك بشكل أو باخر في صياغة هذه السياسة التربوية المرجوة. ومن حق الجميع في الوطن أن يعرف الأسس التي تبنى عليها القرارات والممارسات التربوية ومدى نجاعتها في إيصال المجتمع الى نواتج ومتحصلات مرغوبة في ثقافة المجتمع ونابعة من القيم العليا والمصالح الاستراتيجية للامة.
ان السياسة التربوية بمثابة خارطة طريق للوصول بالمجتمع الى أهدافه العامة. ومن واجب أي مدرسة او جامعة او مؤسسة تعليمية أن تستلهم رؤيتها ورسالتها وممارساتها اليومية من السياسة التربوية العامة التي يجب أن تكون مكتوبة ومطبوعة ومنشورة وموزعة ومعلقة على صدر كل مكتب أو موقع الكتروني لتلك المؤسسات. بل أنني أرى من الأهمية أن يتم اطلاع الأهالي واولياء الأمور والطلبة على تلك النصوص التي تعبر عن السياسة التربوية التي يفترض أن تكون نابعة عن اجماع او شبة اجماع وطني من خلال عمليات ديموقراطية شفافة يشارك بها الجميع من افراد ومؤسسات.
فبدون سياسة تربوية معلنة وإجراءات شفافة في صياغتها فان النظام التربوي معرض للفوضى لا سمح الله. وبدونها كذلك قد يتعرض المجتمع للهدر الاقتصادي في الموارد، التي هي شحيحة في الأصل، وربما الى ممارسات فردية ناتجة عن اجتهادات فردية قد يجانبها الصواب في الكثير من الأحيان.
باختصار، ان السياسة التربوية صمام امان للمجتمع ومرجعية قوية لكل من يهمه امر الأجيال. ولا أظن أن أي مجتمع قادر على ترف التضحية بمستقبل اجياله إرضاء لأفراد أو جهات طامعة بمناصب أو مكاسب سياسية أو غير ذلك. فالتربية السليمة عماد نهضة الامة ولا يمكن باي شكل أن تترك أعنتها لمغامرين او عابثين ممن يجيدون القفز بالمظلات ويبحثون عن عبارة “تزهو بكم المناصب”. أقول قولي هذا بالمجمل العام ولا اقصد جهة معينة أو أشخاصا بعينهم واستغفر الله لي ولكم.