مشروع قانون حقوق الطفل مابين المغالطات والحقيقة

4 سبتمبر 2022
مشروع قانون حقوق الطفل مابين المغالطات والحقيقة
خليف الزيود
محامي متدرب، وباحث قانوني

عدما أمضيت اسبوعاً كاملاً بين الإستماع لوجهات النظر حول مشروع قانون حقوق الطفل، وبين قراءة مجموعة من المقالات لمعارضي مشروع قانون الطفل أيضاً، عكفتُ على دراسةِ ما قالوه في حق المشروع ، وقراءة نصوص المشروع والتشريعات ذات العلاقة قراءة متأنية، فارتأيتُ ضرورة كتابة مقال يبيّن وجهة نظر قانونية حول ما قيل. وبناءً عليه، سنتناول أبرز الإنتقادات واحدة تلو الأخرى، من خلال عرض وجهة النظر والتعقيب عليها على النحو التالي : أولاً – يعتقد البعض بأن مشروع قانون حقوق الطفل يُعطي الأطفال حق حرية الإعتقاد، وتغيير الدين. بدايةً، تنص المادة الثالثة من قانون التصديق على إتفاقية حقوق الطفل لعام 2006 م على مايلي :  “تعتبر صحيحة ونافذة بالنسبة لجميع الغايات المتوخاة منها وجزءاً لا يتجزأ من هذا القانون التحفظات التي أبدتها المملكة الاردنية الهاشمية على المادة (14) المتعلقة بحق حرية الفكر والوجدان والدين”. كما قد جاء مشروع قانون الطفل في ضوء قانون التصديق على الإتفاقية، ولم يرد في ثناياه مايُشير لا من قريب ولا من بعيد على حق الأطفال بالوجدان والدين، وبعبارة أخرى، جاء مشروع القانون موائماً للتحفظات التي أبدتها الحكومة منذ عام 1991. تأسيساً على ذلك، لا يُتاح للطفل تغيير دينه اطلاقاً. ثانياً- يَزعم البعض بأن مشروع القانون يَرمي إلى إباحة الزنا أثناء الطفولة وتحريم الزواج. في هذا المقام نؤكد على أن قانون العقوبات يُضفي حكم الإغتصاب على من يواقع طفلة ولو بموافقتها، فلو وجدت علاقة غير شرعية بين ذكر وأنثى قاصر فانها تُعتبر من قبيل الإغتصاب وليس الزنا، ولو كانت العلاقة الجنسية بموافقة الأنثى؛ إذ أنَّ لا عبرة لإرادة الأنثى التي أكملت الخامسة عشر ولم تكمل الثامنة عشرة من عمرها لعدم أهليتها. كما قد جاءت الأحكام القضائية في هذا السياق أيضاً، بحيث أكدت على أنَّ مواقعة طفله تعتبر اغتصاباً ولو كانت برضاها، ومن تلك الأحكام :
الحكم رقم 336/2008، والحكم رقم 642/2007 والحكم رقم 96/2005
كما أريد أن أشير إلى أنَّ الحد الأدنى للزواج في المملكة قد تقرر بإتمام الثامنة عشرة من العمر منذُ سنوات، كما يُسمح بالزواج لمن أتمت 15 من عمرها ولم تتم 18 سنة، شريطة موافقة قاضي القضاة وأن يكون الزواج “ضرورة” تقتضيها المصلحة والتحقق من توفر الرضا والاختيار ووفق تعليمات يصدرها قاضي القضاة. وبذلك لا مجال للحديث عن مسئلة إباحة الزنا بين الأطفال إطلاقاً. ثالثاً- يرى البعض بأن نص المادة رقم (20) من مشروع قانون حقوق الطفل، والتي تُعطي ( الجهات المختصة ) حق حماية الطفل من كُل أشكال العنف أو إساءة المعاملة أو الاهمال أو الاستغلال أنها “تقطرُ سُماً”، معتبرين أن المنظمات الداعمة للشواذ ومؤسسات المجتمع المدني هي المقصودة بالجهات المختصة. بيدَ أنَّ هذا غير صحيح اطلاقاً، حيث يوجد في الأردن مجموعة من الجهات الوطنيّة التي تسعى إلى المحافظة على وحدة الأسرة الأردنية ومنها على سبيل المثال وليس الحصر : مديرية الأسرة والطفولة، إدارة حماية الأسرة والأحداث، ومديرية مكافحة التسول. ولو افترضنا أن جهةً ما تدخلت بين الوالدين وطفلهما، فما المانع من هذا التدخل إذا كان هنالك انتهاكاً للعلاقة بين الوالدين والأطفال، وخروجاً صارخاً على فكرة التربية الصحية والسليمة؟ رابعاً- يعتقد البعض بأن مشروع القانون يسلخ الأبناء من كنف الآباء، ولا يراعِ حقوقها. وجهة النظر هذه -مع فائق الإحترام- تُبين أن هنالك سوء فَهم أو قراءة منقوصة لنصوص المشروع، فبعدَ استعراض مشروع القانون وقراءته كوحدة واحدة يتّضح أن مشروع القانون يراعي حقوق الأبوين وواجباتهما. حيث أن ذيل المادة (8) من مشروع القانون ينص على “مع مراعاة حقوق وواجبات أبويه”، والتشريعات ذات العلاقة ومنها قانون الأحوال الشخصية. خامساً : يرى البعض بأن مشروع قانون حقوق الطفل يرمي إلى إنهاء ولاية الآباء بتأديب أبنائهم، ويجرّم الآباء في حال تأديب أطفالهم. بدايةً لا يمكن قراءة نصوص مشروع القانون بمعزل عن التشريعات التي ترتبط به ارتباطاً وثيقاً ولا تنفك عنه أبداً. وعند قراءة قانون العقوبات الأردني الذي يتعلق بالعقاب والجزاء، يدرك القارئ الكريم أنَّ القانون المذكور آنفاً لا يُعـتـبر أنواع التأديب التي يتّخذها الوالدان بأولادهما جُرماً طالما لا يسبب لهما إيذاءً وضرراً وكان فعل التأديب مُباحاً وفقاً للعرف العام. سادساً- يُشكك البعض بما يقرره مشروع القانون للطفل من حق في طلب المعلومات، مُعتبرين أن هذا الحق هو بمثابة جسر عبور لما جاءت به المادة (13) في اتفاقية حقوق الطفل. ورداً على هذا التشكيك، لا بُدَّ من التأكيد على أن مَطلع المادة السابعة من مشروع القانون لم تُطلق هذا الحق-طلب المعلومة- إنما جعلته مُقيداً في ضوء التشريعات ذات العلاقة، وبطبيعة الحال منها قانون الأحوال الشخصية. وجدير  بالذكر أنَّ هنالك من يؤسس انتقاداته وآرائه بناءً على توصيات لجنة حقوق الطفل لدولةِ فلسطين الشقيقة والتي أوصت بإلغاء تجريم الإجهاض في جميع الظروف، ورفع الحد الأدنى للزواج إلى ١٨ عاماً وإلغاء كل الاستثناءات التي تَسمح بالزواج في سن أقل من ذلك. مُعتبراً حسب رأيه- أنَّ هذه التوصيات هي بمثابة الاملاءات والتي لا بُدّ من إقرارها من دولة فلسطين، وأن الأردن ستمتثل لمثل هذه التوصيات. ورداً على هذا القول، أؤكد على أنًّ توصيات لجنة حقوق الطفل لا تعدو سوى “توصيات” وعلى الفرض الساقط، لو افترضنا بأن هذه التوصيات سيتم إقرارها لا محالة، فإن ذلك يحتاج حزمة من التعديلات التشريعيّة، من خلال مجلس النواب ممثل الشعب. زد على ذلك، تناول قانون العقوبات فعل الإجهاض واعتبره جريمةً يُعاقب عليها سواء كان الإجهاض من قبل المرأة الحامل نفسها أو الغير، بالإضافة إلى أن المادة (12) من قانون الصحة العامة وضعت استثناءً على تجريم فعل الإجهاض إذ ما كانت صحة المرأة الحامل في خطر أو يعرضها الحمل للموت. صفوة القول، مجموعة الانتقادات آنفة الذكر تنطوي سوء فهم لمشروع القانون، ومغالطات تهدم صورة مشروع القانون وتشوهها، بالإضافة إلى أنَّ هنالك جزءاً مُعتبراً من الإنتقادات قائمة على التشكيك والتخوين والتخوّفات، ليس على الوقائع والحقائق.