الوقت يولد من رحم الموقف

8 ديسمبر 2020
الوقت يولد من رحم الموقف

 

هبه احمد الحجاج

في يومٍ ما ، بينما كنت أقوم بوضع هذا، وترك تلك، وترتيب بعض من الأمور الحياتية ، وإذ أسمع من خلال التلفاز مقولة ليست غريبة أو غير مألوفة على مسمعي؛ بل أعرفها وأحفظها عن ظهر قلب، ألا وهي ” الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك “، لكن الغير مألوف لدي عندما أكملت المذيعة تعليقها عن هذه المقولة وقالت ” لكنهم لم يُخبروننا أنه قاطعك قاطعك” ، لوهلة وقفت وفكرت وقلت لنفسي ، الوقت كسكة القطار لا ينتظر أحد ، فيجب علينا أن نضع قائمة بالأفكار والأشياء التي يحتاج عملها سرعة في الوقت، وسرعة في اتخاذ القرار، ثم اقفز فوراً من النافذة لتعملها وتبدأ بها.

بالمناسبة على ذكر النافذة ، السقف يحتاج إلى إصلاح، وعندما أردت إصلاحه قال لي الشخص الذي سيقوم بإصلاحه “الوقت المناسب لإصلاح السقف هو وقت سطوع الشمس” .

وأتوقع لا بل حتى أنا متأكدة أنه الوقت المناسب لإصلاحه ، فأنا الآن تحت أشعة الشمس الذهبية، حيث سطعت أشعتها أرجاء المكان، لا بل حتى العالم بأسره بالضوء والحرارة والطاقة. وبينما أنا منغمسة في التفكير والاستمتاع بأشعة الشمس التي تأتي بعد يوم ماطرٍ وكأنها تقول لنا “استمتعوا بمناظر الشوراع والحدائق والأزهار كيف زيّنتها مياه الأمطار”، وإذ أرى عروسًا جميلة، مرتديةً فستان زفافها وكأنها حورية خرجت من البحر. كانت في غاية الجمال والأناقة ، هي جارتنا في المبنى ظهرت من شرفتها حتى ترينا طلتها في الفستان الأبيض ، حتى نشاركها فرحتها لأن الكورونا ألزمتنا بيوتنا وجعلت أفراحنا وأحزاننا كلها عن بعد ، ولكن لا يهم كلنا خرجنا من شرفات منازلنا وأخذنا نصفق لها بحرارة، والابتسامة تعلو على وجُهِنا وكأننا نحضنها في أعيننا ونقول لها ” كوني سعيدةً فقط ” كانت نظراتنا يملؤها الفرح والبهجة وكانت هي كذلك وصرخت أيضاً وقالت لنا “أتعلمون ماذا قالت هديل الحضيف؟” ، وقلنا كلنا بأعلى الصوت ” ماذا !!”

قالت : في الوقت متسع للضحك .. والحياة مازالت تكفي للغناء والرقص أيضاً !.

و أصبحنا نصفق ونصفق بحرارة ونلقي عليها عبارات التهاني والتبريكات ، شعرت لوهلة أن الوقت لديها يمر كالنسمة من شدة الفرح والبهجة، يمضي هذا الوقت بسرعة وهي لا تشعر به ، الوقت كان قصيرًا جداً بالنسبة لها والسبب أنها كانت فرحه ، تابعت النظر إليها والتصفيق بحرارة، لفت نظري شخصاً ما لم يكن يصفق ولم يظهر عليه أي مظهر من مظاهر الفرح والبهجة كالآخرين ، وتذكرت أنه كان يحبها سراً ولم يتمكن من التقدم لها بطلبِ يدها بسبب ظروفه ، نظرتُ إلى العروس وقلتُ في نفسي لها أيضاً قالت هديل الحضيف “الوقت يمضغ الساعات على مهل ،و الحكايات توشك على النفاد، و أنا .. وحيدة و آفتقدك ” ، وهذا ما يحصل لذلك الشاب ، في الوقت الذي تفرحين فيه و وتشعرين أنكِ تمتلكين العالم وكم هذا الوقت قصير ، هذا الشاب يشعر بالتزامن معكِ بالحزن والضعف والانكسار، ويشعر أنه فقد روحه التي تجعله يعيش، يشعر أن هذا الوقت طويل للغاية والسبب أنه حزين ، عجيب أمر هذا الوجود! كيف يكون الشيء ذاته في الوقت ذاته مصدرَ القبح والجمال! مصدراً للألم واللذة!

لوحت العروس بيدها لنا ، ودخلت إلى منزلها وقررت أن أجلس على الشرفة وأحتسي فنجان القهوة ،وإذ أرى جارتي مع جارتي الأخرى تواسيها بفقد شخصٍ عزيزٍ عليها ، مع العلم أنها هي أيضاً فقدت شخصًا عزيزًا عليها لكن قبل بضعة أيام، والآن تواسي صديقتها التي فقدت للتو هذا الشخص، وكأن الوقت يقول أنه كفيلٌ بالنسيان ، كيف ذلك؟! التي تواسيها كانت تحتاج إلى من يوقف إلى جانبها ويواسيها! ولكن بعد بضعة أيام قصيرة أصبحت هي التي تواسي الآخرين، الذين وضعوا في نفس الموقف ، وكأن الوقت ينسي الألم ويطفئ الإنتقام ، بلسم الغضب ويخنق الكراهية، فيصبح الماضي كأن لم يكن.

وأنا غارقة في التفكير ، وكيف أن الوقت لعبة الحياة ،و كيف يمضي هذا الوقت على هذا وكيف يمضي على ذاك ، وكيف أن الأمور مرهونة بأوقاتها، فزعتُ على صوت انكسار فنجان قهوتي والسبب أن عصفور ارتطم به ، نظرت إلى ذلك العصفور كيف كان يحلق في السماء وكأنه يزف بشرى جميلة، اتبعت النظر إليه وإذ يقف على شرفةِ منزل جارنا ، كان يحمل بيده طفلاً جديد ، حيث كانت طقوس الفرحة والبهجة تغمر ذلك البيت بسبب هذا المولد الجديد ، كان البيت يرقص فرحاً ولو تكلم هذا البيت لقال ” اليوم شرّفنا الأميرُ الجديدُ، حبيبنا الصغير ليُزيّن عقدنا العائلي السعيد ويُضفي الأنوار ويبث السعادة بيننا”.

وبنفس الوقت كان جارهم المقابل لهم ، بيته تملأه طقوس الحزن والألم ووجع الفقد ، ولو كان هذا البيت يتكلم لقال “الفراق هو جرح في القلب، هو الألم والغصّة لابتعاد أشخاص نحبهم، اعتدنا على وجودهم، رسمنا طريقنا معاً وبنينا أحلامنا، ولكن بلحظة انتهى كل هذا”، تساءلت بيني وبين نفسي كيف يمضي هذا الوقت على هذا وكيف يمضي الوقت على ذاك؟! وكيف أن الوقت يكتب لكل شخصٍ منا قصة حياة مختلفة عن الشخص الآخر في كل دقيقة!

تنهدت وقلت” قد يكون كذلك لكن نحن الآن في زمن الكورونا بشكل عام الكل ينتظر ، الوقت بالنسبة لنا بطيئ جداً ، وكأن العالم وضع في السفينة وهذه السفينة يوجد فيها زجاجة كبير تتسع العالم، ووضعنا في عمق هذه الزجاجة ، وكأن الوقت يقول لنا في ظلِ هذه الأزمة “الوقت معلم من لا معلم له” ، نعم نحن ننتظر ماذا؟ المجهول !! ، متى سينتهي هذا الكابوس ؟! متى سيأتي الوقت ؟! قد يكون هناك جواباً لكل هذه التساؤلات ولكن تعلّم ألا تطلب من الوقت إلا ما يأذن به ربك” .

وأنت كيف يمضي وقتك عليك ؟!

الوقت كالسكين إن لم تمسكه من مقبضهِ قطع يدك بقطاعته،

وأنتَ هل ممن يُمسك مقبض السكين ، أم ماذا ؟!