الضّباع تفقد شراستها أمام قدرات الأردني راضي عناب

1 أغسطس 2022
الضّباع تفقد شراستها أمام قدرات الأردني راضي عناب

وطنا اليوم:تُعرَف الضباع بشراستها وافتراسها، إلا أن الأردني راضي عناب (60 عاماً)، استطاع بقدرته وخبرته التي اكتسبها منذ نحو 45 عاماً أن يقهرها ويقلب المعادلة؛ ليتحول إلى مروّض لها، ومقصداً لمن يعانون من هجماتها ويخشون افتراسها.
الأناضول رافقت عناب في رحلة برية بمنطقة خربة الوهادنة في محافظة عجلون شمالي الأردن، واطلعت على واقع قدراته، وأبرز محطات البحث عن المغامرة التي يعيش معها ولأجلها منذ نعومة أظفاره.

** بداية الشغف

كانت الانطلاقة من منزله في لواء كفرنجة، حيث بدأ عناب بتجهيز حقيبته التي ترافقه في رحلاته البرية، حيث تحتوي على حبال بلاستيكية ولجام حديدي وضوء يدوي.
ركبنا العربة ذات الدفع الرباعي التي يستقلها مروّض الضباع وكتب عليها: “أبو فادي بالبلد.. روّح يا ولد”، مختزلاً بها كل الوصف عن مدى شجاعته وإقدامه وقوته التي يفتقدها الكثيرون، خاصة عندما يكون الغرض منها تغيير سلوك حيوان تميزه قدرة أنيابه على تفتيت الصلب.
في رحلة لم تستغرق سوى ساعة واحدة، وصل فريق الأناضول إلى المنطقة التي اختارها عناب لمغامرته معنا.
قال راضي: “أعشق منذ الصغر الحل والترحال في البراري، وفي بعض الأحيان أسير لعشرات الكيلومترات، متتبعا أقدام الضبع في وكره”.
وأضاف: “كنت سائقا في وزارة التربية حتى بلوغ سن التقاعد عام 2008، وعرفت بأدائي المتميز بالعزف على اليرغول والمجوز (آلات موسيقية تراثية في بلاد الشام)، لكنني توقفت عن ذلك بعد أن تعرضت لحادث سير مؤسف عام 2010”.
وزاد: “لم تكن مغامراتي مع الضباع مخططا لها، بل جاءت بمحض الصدفة عام 1974، وكان عمري حينها 12 عاما، برفقة أشقائي في رحلة صيد، والتقانا حينها راعٍ للأغنام، وحذرنا من وجود ضبع مفترس بالمكان”.
وتابع: “أثناء مبيتنا في المكان سمعنا صوتا عند نبع الماء، وكان الضبع الموصوف قادما للشرب وكان معي سلاح للصيد، وعندما توجّه إليّ أطلقت عليه وأصبته في رأسه وأرديته أرضاً”.
بعد ذلك بعام، ذكر راضي أنه صادف مع عدد من أقربائه ضبعا آخر، فطلبوا منه أن يدخل وكره لدفعه للخروج بينما هم يطلقون النار عليه، وبالفعل تم ذلك، بعد أن تعرض مروّض الضياع الصغير حينها لموقف كان الأصعب في حياته، على حد قوله.

** رحلة برية

منذ أول مغامراته مع الضباع، توصّل راضي لقناعة بأن الضبع لا يهاجم أحدا عندما يكون في وكره، ويستسلم عندما يشعر بقوة من يقاومه.
وأوضح أنه “لا بد من الوقوف مع تيار الهواء، لأن الضبع يشتم رائحة فريسته عندما يكون معاكسا له، كما أنه يهاجم من يخاف ويقوم بتخديره”.
وصل راضي برفقة الأناضول إلى المكان المراد، وبدأ يجهز نفسه للبحث عن ضبع مفترس ينهي به رحلة تخليص سكان المنطقة من شره.
انطلق بخطوات متسارعة نحو وكر لمحته عينه من بعيد في منطقة خربة الوهادنة.
أخذ يُطالع الأرض بعناية؛ بحثا عما يرشده إلى مكان الضبع، وبعد مسير نحو ساعة، استرشد إلى آثار أقدام تدل على وجوده في مكان قريب، واستمر بمتابعة الأثر إلى أن وصل إلى باب الوكر.
بعد تفحّص لمدخل الوكر، أكد أن الدلائل تشير على وجود صيده بالداخل، مستشهدا بشعر الضبع المتساقط على المدخل.
بدأ راضي بتوسيع المدخل، دون أدنى خوف أو قلق، ودخل لبضعة دقائق، ليخبر ابنه محمد الواقف بالخارج أنه قد وجد الضبع، وطلب منه أن يغلق عليه.
بدأ الابن بتجميع قطع صخرية من المكان لسدّ أي ثغرة قد تدخل الضوء إلى داخل الوكر، وبعد نحو ربع ساعة طلب منه أن يفتح.
جاء الأب زاحفا نحو مخرج الوكر، ساحبا شيئاً بيده، وإذا به صيده الثمين: ضبع من الحجم الصغير، قام بتكتيفه ولجمه بلجام من حديد.

** ترويض لا صيد

لم يكن الضبع الذي أخرجه راضي من وكره يبدي أي مقاومة، وبدا مستسلما كأنه علم أنه بين يدي خبير.
بخبرته الطويلة، أوضح راضي أن هناك أكثر من ضبع في المكان، لكنه قرّر الاكتفاء بهذا الضبع الصغير والعودة به إلى المنزل، حتى يبدأ مشوار التآلف مع البشر.
سار راضي فرحا بما فعل أمام عدسة الأناضول، وكأنها المرة الأولى، ليؤكد أنه تمكّن طيلة العقود الماضية من ترويض آلاف الضباع.
قال منوّها: “أنا لا أؤذيها، فقط أقوم بإطعامها وترويضها، ثم أقوم بعد أسابيع أو أشهر بإطلاق سراحها في أماكن بعيدة عن سكن الناس”.
وأوضح: “هناك تنسيق دائم مع الجهات المختصة وحماية الطبيعة، فهم يعلمون أنني لا أؤذي هذه الحيوانات، إنما أقوم بتخليص الناس من شرها، بعد أن أقوم بتغيير سلوكها والتأثير عليها”