المحامي بشير المومني
يقال أن الحكومات بالاصل لا تكذب لكن الشعوب تحتاج الى من يخدعها .. حتى ان ممارسة التضليل الجماهيري عبر ادوات متخصصة هو علم حد الاحتراف قائم بذاته باعتبار ذلك جزء من مدرسة فن الممكن .. حتى فيما يسمى ديمقراطيات راسخة هنالك مؤسسات متخصصة في هذا المجال .. منظومة صناعة البروباغندا قفزت بشكل مذهل وظهرت مدارس هندسة الاعتقاد وبناء الرأي العام اللحظي والتراكمي .. حتى انه دخلت منظومة البزنس والقطاع الخاص على الخط بقوة .. لا ادري لماذا تكلسنا في مكاننا بملف مهم مثل هذا !
عندما اطلق وزير الداخلية الفراية تصريحاته شككت في باديء الامر بصدورها عنه فلا التوقيت ولا المضمون ولا السياق العام مناسب الامر الذي دفعني للاستفسار عن مدى نسبة التصريحات للرجل وفيما اذا وقعت فعلا وهل جرى اجتزاءها او حرفها او تحويرها وبعد التيقن من صحتها شككت فيما اذا كانت بالاتفاق من عدمه وتريثت ليصدر ما يخالفها او يوضحها فاذا بتصريحات معززة مكملة داعمة تصدر عن وزير الطاقة ليتم قطع الشك باليقين وللأمانة لا يزال لدي شك لا لسبب سوى انني لا اريد كمواطن ان اصدقها ..
اثارت التصريحات لدي جملة من المخاوف واستدعت اسئلة بمدعاة القلق الوطني وبدأت معها الحيرة تستبد امام واقع نحن في امس الحاجة فيه للأمل لا الألم وكم كانت تصريحات الفراية مؤلمة لا بل ومؤلمة جدا وبصراحة متناهية وكأردني منحاز جدا وبقوة لمعادلات الاستقرار كيف يمكنني الان ان اكتب مستبشرا بواقع اقتصادي جديد حملته رؤية عملت عليها جهات متخصصة لأشهر !!؟؟ كيف يمكن ان اكتب للناس حول خطورة الاستجابة للدعوات الاحتجاجية وكيف يمكن ان اترجم ان لقمة الخبز ستتضاعف كلفها عشرات الاضعاف وقد لا نجدها اذا ما حاق بالبلد قلاقل أمنية !!؟؟
منذ مدة وانا اتعامل مع مستثمرين اجانب واحاول جرهم لوضع اموالهم لدينا فبماذا سأجيبهم حول التصريحات التي قيلت في اجتماع مع مستثمرين !!؟؟ لم تكد تهدأ عاصفة الاحتجاج الالكتروني على الرفعة الاخيرة لاسعار المشتقات النفطية حتى تم صدم المجتمع كله بهذه التصريحات ومنذ اطلاقها ارى عبوسا قمطريرا في وجوه الناس من اعرف منهم ومن لا اعرف .. البعض همس في اذني برغبته في البحث عن فرص افضل خارج البلاد والبعض بدأ ينظر علينا بشراء الدولار والذهب وبالمقابل لا شروحات للتصريحات ولا تطمينات بل ترك الشارع لكثرة الثرثرة والاشاعات ..
لا ادري من قال للفراية بأنه يتوجب ان يكون صادقا في تصريحاته وهل الصدق يحتاج الى ان يحتمل صدمة للمجتمع !!؟؟ حقيقة لا ادري لكن ما اعرفه جيدا انه بالامكان تمرير جميع الرفعات المطلوبة دون اي تصريح !! من قال لكم اساسا اننا نريد حكومة صادقة او ان مجتمعنا يحتمل هذا الصدق !!؟؟ لقد قدم الفراية وجبة دسمة للمناوئين للاستمرار واعادة ترتيب اوراقهم وتموضعهم في الشارع فهل هذا هدف بحد ذاته !!؟؟ نحن اصلا نعيش حالة اختلاف وصلت حد الخلاف على مشروع الدولة السياسي والاقتصادي والاداري !! رغم انني اشهد للرجل انه وبحدود تخصصه فلقد نهض بوزارة الداخلية لكن كيف يمكن الان ان ندافع عن تصريحاته او نبررها !!؟؟ هل بلعت الجماهير الرفعة الاولى نتيجة التصريحات فباتت تتمنى بقاء الحال !!؟؟
يعجبني كثيرا الفيلسوف علي شريعتي فلقد كان ناقدا للمجتمع الفارغ صاحب المظاهر الكاذبة المتناقضة وكان يرفض نمطية التقية فقال ( بالامس مات جاري من الجوع وفي عزائه ذبحوا كل الخراف .. ) الفراية كان صادقا جدا مباشرا جدا وواضحا جدا لدرجة انه تجاوز وصفه كوزير ليصبح ذلك الشخص الصادق الذي لا يخضع لمنطق فن الممكن اما الاسئلة اعلاه فلا تعدو كونها خراف الواقع وما قام به الفراية انه ذبح جميع الخراف .. المجتمع لا يحتمل الصدق اما الكذب فملح الرجال ومتطلب استقرار فكيف سنروج الوهم الآن يا معالي الوزير !!؟؟