الحكومة الأردنية : التفاؤل الحذر بين رؤية التحديث الاقتصادي واعادة البناء بشكل أفضل 

7 يونيو 2022
الحكومة الأردنية : التفاؤل الحذر بين رؤية التحديث الاقتصادي واعادة البناء بشكل أفضل 

د. ابراهيم عيسى العبادي 

خبير الشؤون الاستراتيجية والأمنية 

رئيس المركز الوطني للقيادة والتنمية 

لطالما تفرض التداعيات والتحديات القائمة نظرة ثاقبة الى ضرورة اعادة البناء بشكل أفضل من أجل المستقبل ؛ ومع أن عامل الدقة في التحليل الاستراتيجي للتحديات القائمة منها والمحتملة مستقبلا في ظل تسارع المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية ؛ والنظرة الاستراتيجية الأبعد التي تشير الى أنها ستكون محملة بعدد لا بأس به من عوامل سياسية وتنموية يشوبها الغموض وعدم الدقة وعدم اليقين ؛ الا أن هناك بعض المعطيات اذا تعاملنا معها بواقعية ستحمل مؤشرات نحو حالة أردنية جديدة من التعافي والبناء الذي نتطلع اليه . 

لقد جاء بالأمس انطلاق رؤية التحديث الاقتصادي برعاية وتوجيهات ملكية ؛ والتي اشتملت على ثمانية محاور رئيسية انبثق عنها ٣٦٦ مبادرة لتحفيز ٣٥ قطاعا رئيسيا وفرعيا ولمدة عشرة سنوات ٢٠٢٢ – ٢٠٣٣ ؛ وبحجم ٤١.٤ مليار دينار التمويل الرأسمالي المطلوب وبعدد من الأهداف الاستراتيجية على رأسها توفير ما يقارب مليون فرصة عمل للأردنيين . وحيث أن نمو قطاعات اقتصادية أردنية حتما سيخفض نسب البطالة والفقر ؛ غير أن نقاط ضعف كثيرة يجب أن تؤخذ بالحسبان ومنها تحديد مدى تأثير جائحة كورونا وحجم تداعياتها على  نسبة البطالة والفقر وتراجع وزيادة تفاوت مستوى الدخل وفقدان مئات وربما آلاف فرص العمل و تدني مؤشر المستوى المعيشي وزيادة أعداد المتعثرين ماليا ووظيفيا الى جانب ارتفاع الأسعار ومسببات هذا الارتفاع الآخذ بالتصاعد والمديونية المرتفعة وتوجه الحكومة لمزيد من الاقتراض سواء الداخلي والدولي والعراقيل الكثيرة في وجه القطاع الخاص وعراقيل استقطاب وتشجيع الاستثمار وارتفاع نسب الضرائب بشتى أنواعها وتكاليف التشغيل المرتفعة بسبب ارتفاع كلف الطاقة وارتفاع اسعار النفط بسبب النزاعات الدولية وما يترتب على ذلك من تعثر قطاعات متعددة وانقطاع سلاسل التوريد وخاصة للسلع الأساسية وغيرها الكثير من العقبات  المعروفة . 

يجب أن نعرف أولا أن الخطط الاستراتيجية  الطويلة لم تعد كثير من الحكومات تلجأ اليها و لا يمكن الاعتماد عليها حاليا في ظل تسارع الظروف و والمتغيرات السياسية والاقتصادية محليا وإقليميا وعالميا ولا بد أن نقوم ببناء مسرعات استراتيجية حقيقية لإعادة بناء تنمية مستدامة بشكل أفضل تقوم على عامل السرعة والحزم والقدرة على اتخاذ القرار  وأن ننتقل من ادارة الأزمات الى ادارة القدرات ومن التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى الى التخطيط القائم على الأثر المباشر وتفعيل منظومة دعم اتخاذ القرار. وهنا يجب بداية أن تخرج الحكومة من دائرة أن تكون هي المسببة للاضطراب ؛ والتركيز على أهمية ضمان الحكومة المحافظة على ثقة المواطنين بتطوير خطاب اعلامي حكومي مرن ؛ وتسليط الضوء على بعض الممارسات المبتكرة للحكومة من خلال الاستفادة من تجارب حكومات على مستوى المنطقة والعالم وكذلك تحديد مجالات الحذر التي يتعين على الحكومة أخذها بعين الاعتبار لبناء المستقبل . 

يجب أن تركز الحكومة الأردنية على الرؤى التي تتيح عددا من الاحتمالات المستقبلية واختيار الأكثر احتمالا منها والاستعداد لها عكس الادراك المتأخر . إن حاجتنا قصوى  للابتكار الحكومي لتطوير أدواتها في اطار التوجه للمستقبل وبناء أسس حقيقية ثابتة لشراكات القطاعين العام والخاص المستدامة بطريقة تكاملية ؛ واجراء اصلاحات تنظيمية و استراتيجية حكومية وعلى رأسها اصلاحات السياسات المالية وخاصة الضريبية وتسهيلات التمويل الخارجي ؛ وتطوير حاجة الاقتصاد الرقمي الى الضمان الاجتماعي المرن القائم على الدخل الأساسي ودعم منظومة الاقتصاد التشاركي بحيث تدعم الحكومة رؤى جديدة في تشريعات لازمة للتنمية المستدامة وتطوير منظومة  الشمول الاستراتيجي لكافة الأردنيين على مستوى المملكة الذي يضمن قدرتهم على استدامة الحركة الاستهلاكية . وفوق هذا وذاك البدء في اصلاح السياسات المتعلقة باللاجئين للانتقال من الاستقرار السلبي الى الاستقرار الايجابي ؛ وبعبارة مختصرة ” التحول بالدولة الأردنية من نموذج الدولة الوطنية الى نموذج الدولة الشبكية ” وبذلك نضمن تحقيق كل ما ورد في رؤية التحديث الاقتصادي حتى لا تلحق هذه الرؤية المتقدمة بغيرها من الرؤى والخطط وأولويات وبرامج الحكومات السابقة التنموية ؛ إنها في التفاؤل الحذر والهدوء المتعمد الذي يعزز قدراتنا لإعادة البناء بشكل أفضل للأردن الجديد .