نقابة المحامين وليلة القبض على فاطمة

1 يونيو 2022
نقابة المحامين وليلة القبض على فاطمة

المحامي محمد أحمد طقاطقة

ليلة القبض على فاطمة هو فيلم مصري قبل أربعين سنة وتدور أحداثه حول امرأة (فاطمة) وشقيقها وهو مدير مصحة الأمراض العقلية والذي يزعم بأن فاطمة مختلة عقليا ويجب وضعها بالحجز في مستشفى الأمراض العقلية وقد كرس كل ادواته ومعاونيه وكافة الأجهزة لمطاردة وملاحقة فاطمة حتى يتم القاء القبض عليها ولكنها تمكنت باستخدام مختلف الوسائل من الافلات من قبضتهم لا بل واعتقال كل من تآمر عليها.

لقد شهدنا ليلة حاسمة في تاريخ نقابة المحامين وهي ليلة (27-28) /5 والتي انتهت بمفاجآت غير متوقعة ولا في الأحلام.

ان معركة انتخابات نقابة المحامين التقليدية والكلاسيكية تنحصر حكما بالجولة الثانية بانتخاب مركز النقيب ذلك بأن قانون نقابة المحامين يشترط فوز النقيب بنسبة (50%+1) والذي لا يتحقق في الجولة الأولى فيصار الى جولة ثانية يفوز بها النقيب الحائز على اعلى الأصوات بالغا ما بلغ.

إن الصراع التقليدي ينحصر حكما بين التيار الاسلامي من جهة وباقي التيارات القوميين (بمختلف الأفرع سواء بعثية او اشتراكية أو يسارية….) والفتحاوية من جهة اخرى حيث يتم هندسة التحالفات في المرحلة الفاصلة ما بين الجولتين لتكون الكلمة الفصل للصفقات والانسحابات التي تقع أثناء ذلك علما بأن اجتماع القوميين بمختلف الأطياف والتوجهات يقوم على (نظرية الضد) في مواجهة الاسلاميين.

إلا أن الانتخابات التي جرت الجمعة الفائتة قد قلبت كل التوقعات وأجهزت على كل النظريات وقضت على كل المبادئ ليتم ذبح التيار القومي في محراب التيار الاسلامي بأيدي القوميين ذاتهم ليحقق التيار الاسلامي نصرا مظفرا لم يسبقهم اليه أحد.

فما الذي جرى قبل وأثناء الجولة الأولى؟

الهدوء الذي يسبق العاصفة (قبل الدورة الأولى)

ففي حين يترك شأن معالجة الدورة الأولى الى ما بعدها فانه وعلى ما يبدو كان التيار على وعي تام بأهمية وخطورة ومفصلية الجولة الثانية الأمر الذي دفعهم الى الاعداد جيدا قبل الانتخابات ليس بأيام ولكن بأسابيع وذلك من خلال:

أولا: ابقاء الود والعلاقات الطيبة مع مختلف الأطياف دون ترك أي هامش للصدام أو الخصومة وذلك في محاولة لامتصاص أي اثار (لنظرية الضد) باتجاههم المعهودة.

ثانيا: نسج شبكة علاقات وتحالفات مع مرشحين لعضوية المجلس وذلك بدعمهم بمقابل دعم التيار الاسلامي في الجولة الثانية حصرا وتحديدا حيث تبين وعلى وجه اليقين تحالف التيار الاسلامي مع اثنين بحد أدنى من الأعضاء الجدد الذين فازوا بعضوية المجلس حيث أثمر ذلك عن فوز هؤلاء الأعضاء وكذلك فوز التيار الاسلامي بمنصب النقيب.

ثالثا: اللعب على ورقة التناقضات والاستعداد لاقتناص الفرص وذلك بالحياد وعدم الانجرار في المعارك للنقباء الاخرين وخلق وابقاء قنوات تواصل مع كل معسكر من معسكرات مرشحي منصب النقيب استعدادا وتجهيزا لأي تطورات محتملة.

العاصفة تضرب والقوميين في صراع على العرش

لقد غاب القوميون بشكل تام عن أي تنسيق أو تواصل مسبق تجهيزا للانتخابات على الرغم من بعض المحاولات الجريئة والتي تم وأدها بسبب التدخلات الأمر الذي ابقى مرشحي المعسكر القومي يتامى ومعزولين كل في قلعته وهم يقومون بشيطنة بعضهم البعض حيث طغى على هذه المرحلة العصبية شيطنة الاخر لا بل الكل حيث انقلبت (نظرية الضد) للمختلفين في التيارات الى (نظرية الضد) داخل التيار نفسه مما افقد التيار القومي التخطيط الاستباقي وجعله في مهب الريح عرضة وفريسة سهلة لكل التطورات والمفاجآت.

بدء المرحلة الأولى وبداية الاعصار

في حين أن الجولة الأولى بالعادة تسري بسلاسة ويسر وتترك لحملة كل مرشح مع الهيئة العامة لتبدي رأيها ولا يتخلل هذه العملية أي حسابات أو مناورات ذلك بأن كامل الثقل والتكتيك يأتي بالجولة الثانية وذلك مع تصدر مرشحين الجولة الثانية فأنه يصار الى التكتيك والتخطيط والتحالف لدعم أي منهما.

الا أن ما وقع في الجولة الأولى كان خارج المألوف والحسابات وذلك بالتدخل لدعم مرشح لمنصب النقيب على حساب الاخر (وقد يكون ذلك من باب الاشاعة المغرضة تمهيدا للانقلاب على القواعد التقليدية وذريعة للتنصل من الواجبات) الأمر الذي نتج عنه لغما سينفجر في الجولة الثانية والذي تمثل في غضب معسكر الاخر بسخطهم على من تدخل وتنصيب العداء له وتلقينه درسا في الجولة الثانية ليس حبا بعلي ولكن كرها بمعاوية حسب (نظرية الضد) والانتقام.

بعد الجولة الأولى

وفور اعلان النتائج بتصدر الأستاذ رامي المشهد ويليه الأستاذ يحيى ثم الأستاذ مازن ثم الأستاذ فتحي فان العرف النقابي قد تم تطبيقه وذلك بانسحاب الأستاذ مازن والأستاذ فتحي من السباق وترك الساحة للمتصدرين بالجولة الأولى وهنا خضعت هذه المرحلة وتأثرت بالعوامل التالية:

أولا : سوء التنسيق والاعداد المسبق والاستباقي من قبل القوميين الأمر الذي جعلهم يفقدون البوصلة.

ثانيا: غضب وسخط معسكر المنسحبين على التدخلات في الجولة الأولى ورد الفعل على هذه التدخلات والقاء توجهاتهم الفكرية في سلة القمامة اشباعا لرغباتهم في الانتقام ورفض الاخر (نظرية الضد).

ثالثا: ان انتهاء حقبة الأستاذ النقيب يعني حكما بالنسبة لمعسكره هي بداية حقبة (ثلاثة من اهم أعضاء المجلس وهم أركان تحالف النقيب) وهنا يثور التساؤل حول مصالح هذه الحقبة القادمة وما تقتضيه تكتيكيا في اختيار مرشح الجولة الثانية في نظره استراتيجية للانتخابات التي تليها لعام 2025.

رابعا: ظهور بعض النعرات القومية ولا ندري من أين بدأت ومن أي معسكر الا أنها قد سمع اصدائها تصريحا أو تلميحا بالجولة الثانية.

خامسا: تثبيت وتأكيد تحالفات التيار الاسلامي في الجولة الأولى والتي انصبت على الدعم في الجولة الثانية بهدوء وسرية تامة.

سادسا: قيادة التيار الاسلامي للمشهد واقتناصه للفرص وعقد التحالفات بسرعة مستغلا الفوضى الواقعة في معسكر القوميين وخلافاتهم الداخلية والخارجية وذلك بإتقان قل نظيره حيث تم قلب الطاولة على رأس الجميع ففي حين كان هو دائما ضحية التحالفات بين الجولتين أصبح سيد اللعبة بلا منازع.

ختاما: (القطة التي تأكل أبنائها ويحيى يفوز بالابل)

وتبدأ الجولة الثانية وقد تحقق غالبية ما ذكرنا لصالح التيار الاسلامي وبفارق شاسع لم يسبق له مثيل ولكن هذه المرة كان من خصوم الأمس وبأيديهم حيث قام القوميون بذبح القوميين بمحراب الاسلاميين بأيدي القوميين ذاتهم.

فهل يحق لنا أن ننعى القومية في نقابة المحاميين الأردنيين حيث أظهرت هذه الانتخابات إلى حد ما هشاشة في بنيتهم وفكرهم ومبادئهم واعتماده على أفراد أو بقايا أفراد دون تيارات تذكر والذي لا يختلف عنهم كثيرا أيضا التيار الاسلامي إلا أنه فاقهم بالتكتيك والتخطيط والتماسك علما بأن التيار الاسلامي في المقابل قد صب جل تركيزه وقوته على منصب النقيب وترك أعضاء المجلس المرشحين منه يتامى في ساحة القتال الأمر الذي نتج عنه رسوبهم جميعا.

وبالنتيجة وفي ليلة القبض على فاطمة فقد انقلبت نهاية الفيلم بفوز وانتصار فاطمة وخسارة كل خصومها.

وبغض النظر عن كوني شخصيا مستقلا ولم أمنح صوتي للأستاذ يحيى أبو عبود الا أنه لا يسعني (وبغض النظر عن تحليلي) الا أن أحيي نقابتي وديمقراطيتها النقية والمنيعة وأبارك للأستاذ يحيى فوزه بمنصب نقيب المحامين وأصبح من هذا اليوم نقيبا لي ولجميع محامي المملكة الأردنية الهاشمية.

رأيي الشخصي:
كوني مستقلا فان ما يحدث على الساحة النقابية من بقايا أفكار قديمة يدفعنا للدعوى الى مقترحين ينهضان بالنقابة والعمل المهني والوطني والتقدم والرقي وعدم البقاء في ذات الدائرة وعباءة الماضي فأنني أرى:

أولا : يجب وهو المهم أن يكون الترشح لانتخابات نقابة المحامين بكتل مغلقة وعلى رأسها نقيب ببرامج واضحة وعملية وقابلة للتطبيق والحساب.

ثانيا: وكما يجب وهو الأهم اثراء وانماء التجربة الحزبية وحسب التعديلات والتطورات على التشريعات الحزبية والانتخابية بضرورة وجود أحزاب كبيرة ذات برامج عملية تقود الساحة الوطنية شبابا وشيوخا لتكون الأدوات الفاعلة والمؤثرة بكل مؤسسات المجتمع للمرحلة القادمة.