نجم الكريكيت الذي أصبح رئيس وزراء باكستان.. هل يختفي من المشهد أم أن لقصته بقية؟

10 أبريل 2022
نجم الكريكيت الذي أصبح رئيس وزراء باكستان.. هل يختفي من المشهد أم أن لقصته بقية؟

وطنا اليوم:لم تنجح محاولات عمران خان رئيس وزراء باكستان التمسك بمنصبه حتى نهاية مدته الطبيعية في أغسطس/آب 2023، فأطاح به البرلمان عن طريق تصويت لحجب الثقة، فهل انتهت قصة نجم الكريكيت أم أن لها بقية؟
كان رئيس الجمعية الوطنية (البرلمان الباكستاني) بالوكالة سردار أياز صادق قد قال مساء السبت (صباح الأحد 10 أبريل/نيسان بالتوقيت المحلي لباكستان) إن 174 نائباً في مجلس النواب المؤلف من 342 عضواً صوَّتوا لصالح حجب الثقة، و”بالتالي تم حجب الثقة” عن عمران خان، علماً بأن الأغلبية المطلوبة لحجب الثقة عن رئيس الحكومة هي 172 صوتاً، بحسب موقع دويتش فيله الألماني.
التصويت تم رغم إعلان رئيس البرلمان أسد قيصر استقالته قبل دقائق من تصويت حجب الثقة عن خان، وقال قيصر إنه قرَّر الاستقالة بعد الاطلاع على برقية دبلوماسية تضمنت دليلاً على مؤامرة خارجية من أجل الإطاحة بالحكومة.
لكنه أضاف أنه سيطلب من سردار أياز صادق عضو حزب الرابطة الباكستانية الإسلامية (وهو رئيس برلمان سابق) استكمال الإجراء القانوني للتصويت بسحب الثقة. ويعني هذا التصويت أن عمران خان لم يعُد يشغل المنصب وأن مجلس النواب في البلاد سينتخب رئيس وزراء جديداً وحكومة.

مؤامرة أمريكية بالفعل؟
على مدى الأسابيع الماضية كان عمران خان يتحدث علناً عن وجود مؤامرة أمريكية هدفها الإطاحة به من منصبه، ووصف السبت الماضي التحرك البرلماني لعزله بأنه محاولة لتغيير النظام بدعم من الولايات المتحدة، وقال خان لمجموعة من الصحفيين الأجانب: “التحرك للإطاحة بي هو تدخل سافر من الولايات المتحدة في السياسة الداخلية”.
أضاف خان أن إسلام آباد قدمت مذكرة احتجاج إلى السفارة الأمريكية بشأن ما وصفه بمؤامرة أجنبية للإطاحة به من السلطة. ومن وجهة نظره، هناك مؤامرة بتمويل أجنبي تدعم الإطاحة به بعد أن زار موسكو في فبراير/شباط الماضي، والتقى خلال الزيارة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه روسيا بأنه عملية عسكرية خاصة ويصفه الغرب بأنه غزو غير مبرر.
وفي الوقت نفسه، بدا واضحاً أن الجيش الباكستاني، صاحب النفوذ الأقوى في البلاد، قد تخلى عن عمران خان بسبب موقف نجم الكريكيت السابق من الحرب في أوكرانيا.
إذ كان قائد الجيش الباكستاني الجنرال قمر جاويد باجوا قد قال السبت الماضي إن بلاده تسعى لتوسيع علاقاتها مع واشنطن، وأضاف باجوا في مؤتمر أمني في إسلام آباد: “نشترك في تاريخ طويل من العلاقات الممتازة والاستراتيجية مع الولايات المتحدة التي تظل أكبر سوق تصدير لنا”، كما أشار إلى العلاقات الدبلوماسية والتجارية الوثيقة مع الصين الحليف القديم لباكستان، “نسعى لتوسيع علاقاتنا مع كلا البلدين دون التأثير على علاقتنا مع الآخر”.
ومن سخرية القدر أن خان الذي تعرض لانتقادات على أنه يخضع لسطوة المؤسسة العسكرية القوية، جاءت الإطاحة به وسط مؤشرات على تدهور العلاقة بينه وبين الجنرال باجوا.
وقال الجيش، الذي له دور كبير في باكستان وحكم البلاد لما يقرب من نصف تاريخها ويسيطر على بعض أكبر المؤسسات الاقتصادية، إنه ما زال يلتزم الحياد في مجال السياسة، بحسب تقرير لرويترز.
وفي تجمع حاشد الشهر الماضي، وعندما كان خان يقاتل من أجل مستقبله السياسي، اعتبر كثيرون أنه كان يشير إلى هذا الدور عندما قال: “الحيوانات فقط هي التي تبقى على الحياد”. وقال زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق شهيد خاقان عباسي إن “الجيش لا يريد أن يظهر في صورة الداعم له ثم يتحمل اللوم على إخفاقاته.. لقد سحبوا دعمهم له”.

عمران خان على خطى من سبقوه
الانشقاقات من جانب بعض الحلفاء من ائتلاف خان الحاكم عكست الاستياء المتزايد بين الكثير من الباكستانيين بسبب ارتفاع التضخم وعجز الموازنة والتصور بأن خان أخفق في الوفاء بوعوده الانتخابية باستئصال شأفة الفساد.
لكن على أية حال، انضم خان (69 عاماً) إلى قائمة طويلة من رؤساء الحكومات المنتخبين الذين أخفقوا في استكمال فتراتهم في المنصب، إذ لم يكمل أي رئيس وزراء منتخب لباكستان مدته الدستورية منذ استقلال البلاد عام 1947.
وقال مشرِّع باكستاني لرويترز، بعد الإطاحة بخان، إن البرلمان سيعقد جلسة يوم الإثنين (11 أبريل/ نيسان) لاختيار رئيس جديد للوزراء، ويعتبر زعيم المعارضة شهباز شريف الأوفر حظاً لقيادة الدولة المسلحة نووياً التي يبلغ تعداد سكانها 220 مليون نسمة. وشهباز هو الشقيق الأصغر لرئيس الوزراء السابق نواز شريف الذي تولى المنصب ثلاث مرات.

ومع ذلك، من غير المرجح أن يختفي خان من على الساحة السياسية تماماً. فبعد أن ألغت المحكمة العليا قراره بحل البرلمان وأمرت المشرِّعين بالعودة إلى المجلس للتصويت على اقتراح حجب الثقة، وصف أحد حلفائه القرار بأنه انقلاب قضائي، وقال خان إنه سيواصل القتال “حتى النهاية”.
وفي عام 2018 تمكن أسطورة الكريكيت، الذي قاد باكستان لفوزها الوحيد بكأس العالم عام 1992، من حشد بلاده وراء رؤيته لبلد مزدهر خالٍ من الفساد ويحظى بالاحترام على الساحة الدولية. لكن شهرته الواسعة على المستوى القومي وما يتمتع به من كاريزما كل ذلك لم يكن كافياً لإبقائه على قمة السلطة.
وبمجرد وصوله إلى السلطة، شرع خان في خطته لبناء دولة “رفاهة” على غرار ما قال إنه نظام مثالي يعود تاريخه إلى العصور الأولى للعالم الإسلامي قبل حوالي 14 قرناً.
وعيَّنت حكومته عدداً من المسؤولين في مناصب رئيسية على أساس المؤهلات وليس المصالح السياسية، وسعت إلى إصلاح التوظيف في الجهاز الحكومي ونظام الخدمة المدنية.
وشملت الإجراءات الأخرى التيسير على المواطنين في تقديم الشكاوى وإدخال الرعاية الصحية الشاملة للفقراء في مقاطعة واحدة مع خطط لتوسيع البرنامج على الصعيد الوطني. وبدأت الحكومة أيضاً مشروعاً لزراعة عشرة مليارات شجرة لمواجهة عمليات إزالة الغابات على مدى عقود سابقة.
ولدعم الاقتصاد المُصاب بالشلل، أجرى خان تحولاً كبيراً في السياسة وحصل على خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي لباكستان ووضع أهدافاً طموحة، وإن لم تتحقق، لتوسيع نطاق تحصيل الضرائب.
لكن حملته لمكافحة الفساد تعرَّضت لانتقادات شديدة باعتبارها أداة لتهميش المعارضين السياسيين الذين سُجن الكثير منهم بتهمة الكسب غير المشروع.
كما حافظ الجنرالات في باكستان على قوة نفوذهم وتم تكليف ضباط عسكريين من المتقاعدين والعاملين بتولي مسؤولية ما يزيد على 12 مؤسسة مدنية.

من هو عمران خان؟
وُلد عمران أحمد خان نيازي عام 1952، وهو ابن لمهندس مدني، ووصف نفسه بأنه طفل خجول نشأ مع أربع شقيقات في أسرة حضرية ثرية من البشتون في لاهور، ثاني أكبر مدن باكستان.
وبعد حصوله على تعليم متميز في لاهور، ظهرت خلاله مهاراته في لعبة الكريكيت، انتقل إلى جامعة أكسفورد التي تخرج منها بدرجة علمية في الفلسفة والسياسة والاقتصاد.
ولفت خان، الذي اشتهر بوسامته وجاذبيته، انتباه العالم لأول مرة في أوائل السبعينات من القرن الماضي باعتباره لاعب كريكيت سريعاً وصاحب مهارات مميزة.
وصار أحد أفضل اللاعبين في العالم وبطلاً في باكستان المجنونة بالكريكيت، وقاد فريقاً من النجوم على نحو غير متوقع إلى النصر في عام 1992، وحث لاعبيه على اللعب بحماس “النمور المحاصرة”.

ومع سطوع نجمه في لعبة الكريكيت، اشتهر في لندن في أواخر السبعينات بصورة الفتى المستهتر. وفي عام 1995، تزوج جيميما جولدسميث ابنة رجل الأعمال جيمس جولدسميث. وانفصل الزوجان في عام 2004 بعد أن أنجبا ولدين. كما انتهى زواج قصير ثان من الصحفية التلفزيونية ريهام نيار خان بالطلاق.
غير أن زواجه الثالث من بشرى بيبي، الزعيمة الروحية التي عرفها خان خلال زياراته لضريح يعود للقرن الثالث عشر في باكستان، عكس اهتمامه العميق بالصوفية.
وبعد اعتزاله لعبة الكريكيت في ذلك العام، اشتُهر بعمله الخيري وجمع 25 مليون دولار لافتتاح مستشفى للسرطان، تخليداً لذكرى والدته، قبل أن يدخل عالم السياسة بتأسيس حزب حركة الإنصاف في عام 1996. لكن على الرغم من شهرته، ظل الحزب غير مؤثر في الحياة السياسية الباكستانية، إذ لم يفُز بمقعد آخر غير مقعد خان لمدة 17 عاماً.
تخللت تلك الفترة لحظات درامية، ففي عام 2007، أفلت خان من وضعه رهن الإقامة الجبرية بالقفز من فوق جدار وسط حملة قمع على شخصيات المعارضة من قبل الحاكم العسكري آنذاك الجنرال برويز مشرف.
وفي عام 2011، بدأ خان في جذب حشود ضخمة من الشبان الباكستانيين الذين أصيبوا بخيبة أمل من الفساد المستشري وانقطاعات الكهرباء المزمنة وأزمات التعليم والبطالة.
وحصل على دعم أكبر في السنوات التالية، بعد أن ترك مغتربون باكستانيون متعلمون وظائفهم للعمل في حزبه، كما انضم إلى حملته الانتخابية مشاهير من فناني البوب ​​والممثلين.
وقال خان أمام حشد من مئات الآلاف من المؤيدين في عام 2018 إن هدفه هو تحويل باكستان من دولة بها “مجموعة صغيرة من الأثرياء وبحر من الفقراء” إلى “مثال لنظام إنساني، نظام عادل، من أجل العالم، ومثال لما يمكن أن تكون عليه دولة الرفاهة الإسلامية”.
في ذلك العام، انتصر أخيراً مسجلاً صعوداً نادراً لبطل رياضي إلى قمة السياسة. ومع ذلك، حذَّر المراقبون من أن خطابه هو أكبر أعدائه، إذ تسبب في رفع سقف توقعات مؤيديه إلى مستويات عالية