وطنا اليوم:صادف اليوم الاثنين، ذكرى معركة الكرامة التي بدأت فجر 21 مارس/ آذار، عام 1968 بين الجيش الأردني، وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وانتصر فيها الأردن بعد قتال استمر 15 ساعة.
معركة الكرامة أسفرت عن استشهاد 86، وجرح 108 آخرين، وتدمير 13 دبابة، و39 آلية مختلفة للأردن، كما تفيد إحصاءات للجيش العربي، لكن في المقابل قٌتل في المعركة 250 من القوات الإسرائيلية، وجرح 450 آخرون، ودمرت 88 آلية مختلفة، شملت 47 دبابة، و18 ناقلة، و24 سيارة مسلحة، و19 سيارة شحن، وأسقطت 7 طائرات مقاتلة.
– استبسال الجيش الأردني كان سببا للنصر –
خدم المتقاعد العسكري موسى فلاح بني عامر، في القوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي من 9 آذار/مارس 1965 وحتى الأول من تشرين الأول/أكتوبر 1978، حيث كان في مقدمة القوات الأردنية في معركة الكرامة، حين دخل جيش الاحتلال الإسرائيلي بمعداته العسكرية عند جسر الملك حسين، في تمام الخامسة والثلث من صباح يوم 21 مارس/آذار من عام 1968.
وأضاف، أن الجيش الإسرائيلي، كان يهدف إلى إنشاء سد دخاني بين القوات الأردنية وبينه، ليتسنى له قصف مواقع الجيش العربي بسهوله خلف الدخان، إلا أن ذلك لم يحدث بسبب استبسال الجيش الأردني، الذي اندفع نحو الجيش الإسرائيلي بقوة بعد أن ألغى الفاصل الموجود بين الجيشين.
“كان الجيش الإسرائيلي يعتقد بزعمه، أن قواته ستتناول وجبة الغداء في عمّان، إلا أنهم طلبوا من الأردن من خلال مجلس الأمن الدولي، عند الساعة 10:30 صباحا وقف إطلاق النار، وبدأوا بالتوصل لعدم استيعابهم ما حدث لهم”، وفق بني عامر، الذي أشار إلى أن “الفدائيين الفلسطينيين كانوا يحاربون ويقاتلون ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي ببسالة، واستشهد منهم الكثير”.
بني عامر، يصف باكيا، حادث استشهاد الملازم خضر شكري وخمسة من رفاقه، الذي أعطى مدفعية الجيش العربي السادسة، الأثقل في الأردن وقتها، الإحداثية الخاصة للموقع الموجود فيه حتى تقصف وتدمر الدبابات الإسرائيلية.
أصيب بني عامر في المعركة، وكانت إصابته من القدم حتى الرأس في جانبه الأيسر، حيث كان في ذلك الوقت خاطبا زوجته الحالية (أم أسامة) التي بقيت على العهد ومعه حتى يومنا هذا”.
أم أسامة، تقول إنها “تلقت في البداية نبأ وفاته”، مما أحزنها كثيرا وأبكاها لأيام على شعور فقدها لخطيبها، وتضيف: “إلا أن أخبارا أخرى وصلتها بعد أيام تفيد أنه لا زال على قيد الحياة، وأنه مصاب ويتلقى العلاج في المستشفى العسكري بماركا، حيث مكث هناك لعدة أشهر”، وتزوج من زوجته الوفية، بعد أشهر من تلقيه العلاج، رغم أنه بقي نحو سنتين يمشي مستندا على عكازين.
– “عيرا ويرقا تنعشان ذاكرتي بأحداث المعركة” –
أما المتقاعد العسكري محمد أحمد عبد القادر الشرمان، الذي خدم في القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي بين عامي 1957 و1976، حيث وصف ، استعداداته للحرب في معركة الكرامة، مطبقا لعقيدة الجيش، والتي مفادها بين “الاستشهاد أو النصر”.
وأشار إلى أنه ورفاقه استمروا في القتال ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكانت عزيمتهم خالصة للشهادة في المعركة، إلا أنه “أصيب في رأسه، ولم يكن يرتدي خوذة للرأس بسبب طبيعة عمله على إيصال اللاسلكي”.
في المستشفى، أفاق الشرمان من إصابته، وتعرف عليه أحد زملائه وناداه باسمه، زميله كان ذيب سليمان المومني، الذي أصيب بحروق بالغة بعد أن كان ضمن الجنود المحيطين بالشهيد خضر شكري، قبل استشهاده.
يقول “معركة الكرامة تعني لي الفخر والانتصار، وقاتلنا فيها بمعنوية عالية وبعقيدة راسخة وثابتة، وسبب انتصارنا هو تصميم المحاربين على القتال وعدم الخوف، ولم نفكر بأي شيء إلا ما يمكننا عمله لننتصر ونقضي عليهم”.
ويضيف الشرمان: “بعد أن شفيت من إصابتي، زرت موقع المعركة بمنطقة عيرا ويرقا بمحافظة البلقاء، الذي أنعش ذاكرتي بأحداث المعركة”.
– كان شعارنا النصر أو الاستشهاد –
وكان المتقاعد العسكري مطلق سليمان محمد الطقاطقة، الذي كانت خدمته في القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي بين عامي 1962 و1975، ضمن الفرقة العسكرية الثالثة/دبابات5، بمنطقة طبربور، حيث يقول: “جرت ترقيتي من رتبه جندي إلى رتبة رقيب أول، وحصلت على وسام الكوكب من الدرجة الثانية، وافتخر أني أنتمي للجيش الأردني ولمشاركتي في معركة الكرامة”.
ويصف معركة الكرامة، قائلا: “تحركنا إلى المعركة في الشونة الجنوبية، عندما صدرت الأوامر العسكرية، بأن العدو اجتاز الحدود في ذلك اليوم، حيث وجدنا العدو عند مثلث الشونة وكان شعارنا النصر أو الاستشهاد، وأوقعنا بهم خسائر فادحة”.
“عندما تقدم رتل إسرائيلي عن طريق المغطس، عملت المدفعية الأردنية على تدميره بالكامل، وجرى إسقاط طائرة في الشونة الجنوبية، حيث كان جلاله الملك الراحل الحسين بن طلال في غرفه العمليات يقود المعركة”، بحسب الطقاطقة، الذي قال إن “تخطيط الجيش الأردني كان ناجحا بنسبة 100%، وانتصر بشجاعته وعقيدته وإيمانه وإخلاصه للوطن، بمعية القائد الحسين الذي لم يفارقنا في المعركة وحتى بعد المعركة”.
“خلال المعركة، استشهد رفيقي سائق الدبابة حسن عبد ربه”، يقول الطقاطقة، الذي أصيب بكسور وحروق، ومكث في المستشفى ثمانية أشهر للعلاج، وكان جلالة الملك الراحل الحسين يزوره ويطمئن على صحته وجميع المصابين”.
– قُبلة على الجبين من الراحل الحسين –
وكانت خدمة المتقاعد العسكري عوده نجم نجادات، في القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي كانت بين عامي 1962 و1968، حيث عمل في كتيبة الدبابات الثالثة بمنطقة الشونة الجنوبية، حيث قال إن “معركة الكرامة، دافعت عن كرامة العرب والمسلمين والجيش الأردني البطولي حقق الشرف وانتصارات على الجيش الإسرائيلي”.
“دمّرت 4 دبابات، وناقلات جند للجيش الإسرائيلي، خلال عملي في سلاح المدفعية، وحاربت مع رفافي في الجيش الأردني باستبسال لا يوصف، وكانت حكمة القيادة واضحة لدى الجميع بتوجيهات مباشرة من جلالة الملك الراحل الحسين، الذي رفع معنوياتنا عالية، إلى جانب قوة إيمان الأردنيين التي كانت تتحدى قوة الجيش الإسرائيلي بعتاده المتطور، وهزمناهم بإيماننا ومعنوياتنا”.
أصيب نجادات بقدمه وجانبه، برشاش جيش الاحتلال الإسرائيلي، عندما كان متوجها من دبابته التي أصيبت بالقصف، إلى دبابة ثانية لمواصلة القتال، وجرى إسعافه عندما بدأ الجيش الاسرائيلي يستغيث لإيقاف المعركة، حيث يقول: “بعد انتهاء المعركة، زارني جلالة الملك الحسين، في المستشفى، وقبّلني على جبيني، مضيفا: “عندما زار جلالة الملك الحسين منطقتي القويرة أواخر التسعينيات، سلمت عليه وقلت له أنت قبلتني على جبيني، عندما كنت أتعالج في المستشفى العسكري بعد معركة الكرامة، واليوم جاء دوري أن أردها لك وأقبلك على جبينك”.
افتخر اليوم أني أشاهد أسلحة متقدمة في الأردن، بفضل توجيهات جلاله الملك عبد الله الذي يهتم بالجيش ويقدّم له أقوى سلاح وجميع الإمكانيات، وأفخر بمتابعته لنا نحن المصابين من المتقاعدين العسكريين تماما مثل زيارته للجيش الأردني العامل”.
– دماؤكم لن تذهب هدرا –
وخدم المتقاعد العسكري جمال يوسف جدعون، في القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي كانت بين عامي 1951 و1981، إذ يعتبر معركة الكرامة، بأنها عيد انتصار الكرامة الأردنية، حيث يصفها قائلا: “في فجر 21 آذار/مارس 1968، استنفر الجيش الأردني بجميع قواته ومن جميع المحافظات بمعنويات عالية، بعد وصول معلومات بأن الجيش الإسرائيلي يخطط لعملية عسكرية، وكانت عزيمة الأردنيين قوية وعالية”.
وأضاف جدعون “مهمتي كانت إيصال الذخيرة إلى نقطة التعزيز في الأغوار، حيث كان الرتل العسكري الأردني يسلك طريق العارضة الذي كانت أرافقه، وأصاب صاروخ أطلقته طائرة إسرائيلية مركبتنا، ولم تمض دقائق حتى توقفت مركبة عسكريه تسير باتجاه الأغوار نزل منها جلاله الملك الراحل الحسين لتفقد الجرحى، وقال لنا (دماءكم لن تذهب هدرا وسننتصر بإذن الله)”.
“عاملان اثنان لعبا الدور الأساسي في انتصار الجيش الأردني في المعركة، وهما تميز قواتنا بعزيمة وقوة انتماء أفراده، إضافة إلى أن الأردنيين كانوا يشعرون أنهم أقوياء بالهاشميين بسبب قربهم من الجميع على مسافة واحدة، وفي تصدرهم الموقف العربي رغم قله الموارد”، وفق جدعون.
وحصل جمال عام 1961 على دبلوم في الصحافة عن طريق المراسلة، من كلية الصحافة المصرية بالإسكندرية أثناء خدمته في الجيش، واشترك مع القوات المسلحة في حرب تشرين الأول لعام 1973 في جنوب سوريا.
وفي كلمته التاريخية، قال المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال – طيب االله ثراه – في اليوم التالي للمعركة: “وإذا كان لي أن أشير إلى شيء من الدروس المستفادة من هذه المعركة يا إخوتي، فإن الصلف والغرور يؤديان إلى الهزيمة، وإن الإيمان بالله والتصميم على الثبات مهما كانت التضحية هما الطريق الأول إلى النصر، وإن الاعتماد على النفس أولاً وأخيراً ووضوح الغاية ونبل الهدف هي التي منحتنا الراحة حين نقرر أننا ثابتون صامدون حتى الموت، مصممون على ذلك، لا نتزحزح ولا نتراجع مهما كانت التحديات والصعاب”.
وفشل العدو في مخططاته التي عرفت من الوثائق التي كانت لدى القادة الإسرائيليين وتركت في ساحة القتال، وهي احتلال المرتفعات الشرقية ودعوة الصحفيين لتناول طعام الغداء في عمّان، كما جسدت هذه المعركة أهمية الإرادة لدى الجندي العربي، والتي كانت متقنة وذات كفاءة عالية وساهمت بشكل فعال في حسم معركة الكرامة.
أبرزت المعركة أهمية الإعداد المعنوي، وكان هذا الإعداد على أكمل وجه، فمعنويات الجيش العربي كانت مرتفعة، حيث ترقبوا يوم الثأر والانتقام من عدوهم وانتظروا ساعة الصفر بفارغ الصبر للرد على الظلم والاستبداد، كما أبرزت المعركة حسن التخطيط والتحضير والتنفيذ الجيد لدى الجيش العربي، مثلما أبرزت أهمية الاستخبارات، إذ لم ينجح العدو بتحقيق عنصر المفاجأة نظراً لقوة الاستخبارات العسكرية الأردنية والتي كانت تراقب الموقف عن كثب وتبعث بالتقارير لذوي الاختصاص، حيث تمحص وتحلل النتائج فتنبأت بخبر العدوان من قبل إسرائيل مما أعطى فرصة للتجهيز والوقوف في وجهها.