شعر ابوعربي / ابراهيم أبو قديري
شيحـانُ ذاكرةُ التـاريخ شيحـانُ
وشاهدٌ أنتَ ما خـطّته أزمــانُ
ونحنُ نقرأُ في عيـنيكَ قصـتَنـا
أهلٌ كـرامٌ وأحبـابٌ وجـيـرانُ
زالت دهورٌ وكم دالت بها دولٌ
لاهُنتَ أنت ولا أهلوك قد هانوا
ركيزةُ الدارِ في الرؤيا ومحورُها
وأنت إنْ ضاعت الأوزانُ ميزان
شيحانُ سيفٌ وجودٌ توأمانِ معاً
سلمتَ ذخراً على الأيام شيحانُ
إذا تجهمتَ ليثٌ في شدائدِها
وإنْ تبسّمتَ خيراتٌ وإحسانُ
وأنت كالشـيخِ من حَزْمٍ عمـامتُهُ
وفي الربيعِ لك الدحنونُ تيجـانُ
وتستحمُّ بغيـمٍ أنـت تعـشقُــهُ
من الخليل وكم ناجتْـك حـورانُ
يافا تبثـك من ليمــونِها عبقـاً
من قلـب غـزةَ في أذْنـيك آذانُ
ملكتَ روحاً ذوتْ حباً بآسرِها
والقلبُ يحبو ونبضُ العمرِ ريحانُ
والحبُّ ليس قراراً نحنُ نملكُهُ
لكنه قدَرٌ قلبٌ ووجدانُ
وخبـزُنا غلةُ من قمـحِ بـيدرنـا
ومـاؤنا مـوسمٌ ثلـجٌ وغدرانُ
وبيـتُنا خيمـةٌ بالجودِ مُشْـرعـة
ما كان يخدشُهـا قهرٌ وطغـيانُ
همُّ البهائم في الدنيا غرائزُها
يقتاتُ جائعُها أو يرتوي عطشانُ
واللهِ ما همّنا جوعٌ ولاعطشٌ
لكنّ وجدانَنا للعزِّ ظمآنُ
كم من خيولٍ بهذا السفحِ قد صـهلتْ
ففـَّر بالخـزيِ والخذلانِ رومانُ
كم من جيوشٍ بنارِ الحقد قد هَـدَرت
وجلجـلتْ دون أن يهتزَّ شيحانُ
لأنـه واثــقٌ أنْ ليــس يُرهُـبنا
قتلٌ وظلـمٌ وتشـريدٌ وعـدوانُ
أنت الملاذ لعيشِ الحـرِ في زمنٍ
ضاقت بما رحُبتْ في الكونِ أوطـانُ
ما بــالُ روحِـكَ بالأرزاءِ شاحـبةٌ
ما عـاد للزهرِ في عينيك ألوانُ
لعــلك الـيومَ بالأحـداثِ منـذهـلٌ
ما نحن فيه وكيف الأهلُ قد كانوا
تُقـلبُ الـرأيَ والظـلمـاءُ حالــكةٌ
وكيـف يجزمُ مـشدوهٌ وحيرانُ
وكيـف يُبـحرُ مـن ضاعتْ خريطتُهُ
وصادر البحرَ والمجدافَ قرصانُ
تقيـأتْ بالـغزاةِ المجـرمـينَ هنـا
كرهاً وطوعـاً على الأيام بُـلدانُ
أمّا العقيدةُ والعروبةُ شأنُها
أعداؤها غاصب أو جائرٌ سلطانُ
واليـومَ يستـكملُ الـتاريخُ دورتَـهُ
والحربُ قطبانِ: رحمانٌ وشيطانُ
فــواحدٌ دمُــنا، بل واحــدٌ هـمُّنا
وخصمُنا واحدٌ والوجـهُ ألـوانُ
لا لستَ من جــلمدٍ صخـرٍ أحاورُهُ
بل أنت عينانِ أنت الآنَ إنسـانُ
عيـنٌ بكتْ في ظـلام الليــل خاشـعةً
عينٌ يؤرّقٌها في القـدسِ نيـرانُ
عيـنٌ تشـد عـلى زنـدٍ لرايـتِـنا
عينٌ لها في خيوطِ الشمسِ أجفانُ
تـقلّبـتْ دولٌ وانـــداحَ باطــلُها
وأنتَ كالأمسِ أعراسٌ وفرسـانُ
كنَّـا ابتـدأنـا ربيـع الـدهر أغنيةً
واليوم يسكننا عشـق وبركـانُ
أطفئُ ببردِ جوابٍ نارَ أسئلتي
قلبي لحكمِتك العصماءِ عطشانُ
قُلـْها مـدويـةً كالشـمـسِ سـاطعةً
قُلـْها ليَفهـمها صـمٌّ وعـميانُ
قلها لطـاغـيةِ التـاريـخِ زلــزلةً
في روحـنا الحرِّ قحطانٌ وعدنانُ
قل للـوحوش التي ضـلَّتْ مسـيرتَها
بحـثاً أللهيكلِ الـمزعومِ أركـانُ
وفي الكتاب ” أعِدُّوا … ترهبون به”
خصْماً له بينَـــــكم في السِّر أعوانُ
شيحـانُ ميـشعُ قبـلَ اليومِ علّمـنا
أن الغزاةَ بغير السيف ما دانـوا
تموجُ بالفجر في العينين أشــرعـةٌ
وتحضنُ العاشِقَ الظمآنَ شُـطآنُ
غدا مـع الفـجر والرايـات موعـدُنا
غداً مواسمُـنا بالمـجدِ تـــــــزدان