فَسحلنا أم أوشكنا على الغرق ؟

12 فبراير 2022
فَسحلنا أم أوشكنا على الغرق ؟

المهندس سليم البطاينه

تعودنا في الأردن عندما نسأل أين هي الحقيقة نُصاب بالصدمة لأنها تكمُن في مكان بعيد عن هنا ، فالإستغفال في هذا السياق أصبح نهجاً في تزوير الواقع وتشويه الحقيقة وطمسها .. فمنذُ سنوات ونحن في ضياع تلو الضياع وسفينة الاقتصاد لم تقترب من شاطىء النجاة ، لأن قبطانها وملاحُوها ابحروا بنا إلى مسافات بعيدة لا يعرفون غربها من شرقها ولا جنوبها من شمالها وادخلونا في دهاليز مُظلمة ، وبات خوفنا أن نكون غارقين وكل ما نراه ما هو إلا تخفيف من سرعة الغرق.

فالأردن وقبل عقدين من الزمن عاش أكبر مرحلة فساد في تاريخه ( مرحلة نهب وبيع أصول الدولة ) ، وجعل الأردنيين يعيشون حالة من البؤس والفقر والعوز والجوع .. ومن يسمع أو يقرأ عن حجم الأموال التي نُهبت سيُصاب بألم شديد في قلبه ، فما مر على الأردن ران على الأفئدة وقطع الصلة بين الماضي والحاضر ، وجعل الحاضر وكل مآسيه ليس مرحلة زمنية ، وجعل إيماننا بالمستقبل شيء عبثي لا معنى له.

وما شدني ودعاني لكتابة مقالي هذا هو تغريدة وزير الماليه السابق الصديق ( عمر ملحس ) والتي توقع فيها أن تسير تونس نحو منزلق لبنان في الأمور الماليه والنقدية ، وتمنى أن لا تكون الأردن سائرة نحو ذلك.

ومنذُ إطلاق تلك التغريدة لا زال ملحس تحت الأضواء بسب تداعيات تغريدته المُثيرة للجدل .. وحتى هذه اللحظة لم يطلعنا ابو زهير عن المعطيات التي بنى تغريدته عليها ، رغم أنني واثق كل الثقة أنه يملُكها.

فالقضية الإقتصادية والمالية والنقدية في الأردن لم تعد تحتمل غياب الحقيقة والوضوح ، وكل مشكلة داخل نطاق الاقتصاد يُمكنُها التأثير عليه ويمكن اعتبارها أزمة شاملة ، خاصة أن مكونات الاقتصاد متصلة ببعضها البعض ، ويكون لسقوط إحداها أثر سقوط حجر الدومينو على البقية.

فمنذُ عشر سنوات إن لم يكن أكثر واقتصادنا ينحدر مسرعاً نحو كارثة لا مفر منها تُهدد البلاد بالإفلاس .. علماً ان جميع محاولات التنبؤ بالأزمات المالية فشلت عبر التاريخ وعادة ما كانت تُفاجىء علماء المال والاقتصاد.

والحكم على تراجع الاقتصاد لا يكفيه النظر إلى مؤشر واحد فقط ولكن بمتابعة أكثر من مؤشر وعلامة كتراجع إجمالي الناتج المحلي ، ومعدلات الانكماش والنمو ، وزيادة التضخم وعجز الموازنة ، وتراجع التصنيف الائتماني ، وعجز ميزان المدفوعات ، وعجز الحساب الجاري.

فقبل ثلاث سنوات ونصف تقريباً كتبت مقالًا في ايلول ٢٠١٨ عنوانه (كم تبلغ ديون الأردن) بعد اطلاعي على تقرير لشركة عالمية ذات مصداقية Boston Group Consltant متخصصة في تقييم الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي لدول العالم ، قدمت تقريرها لشخص كان وقتها مستشار بالديوان الملكي ولم يكن موجهًا للحكومة، أشارت فيه وبكل وضوح أن غالبية البرامج الإصلاحية الاقتصادية لم تنجح وكانت عبارة عن برنامج انكماشي يتخذ شكل حرف (L) وهذا يعني حالة انحسار اقتصادي تنشأ عن سياسة تصحيح هيكلي ، لكنه سيؤدي إلى تغير في سعر صرف العملة المحلية .. وحذر التقرير من أن تسير الدولة بخطى ثابتة نحو الإفلاس نتيجة سياساتها الخاطئة وفساد هيكلها الإداري ، وفي سياق ذلك أشار التقرير الى ان هنالك مؤسسات سيادية لا يمكن معرفة حقيقة موازناتها المالية وأوجه انفاقها.

والمفاجئة التي تضمنها التقرير أن الدين العام وقتها (ايلول ٢٠١٨) كان ٦٥ مليار دولار وليس ٣٨،٥ مليار دولار ، وان الارقام المعلنة عن الناتج المحلي الإجمالي ليست صحيحة ، وبشكل عام احتوى التقرير على أرقام قل ما توفرت من قبل.

عموماً كثيرة هي الأسئلة التي تُطرح من وقت لآخر: بما أننا حلفاء لأمريكا وهنالك اتفاقيات دفاعية واقتصادية بين الطرفين ، لماذا لا تقوم الولايات المتحدة بإنهاء مشاكلنا الاقتصادية وتجعل اقتصادنا يخرج من غرفة الإنعاش ؟ فعلى سبيل المثال لا الحصر في حزيران ٢٠١٨ أعلنت الارجنتين إفلاسها وسارع صندوق النقد الدولي وبتوجيه من الولايات المتحدة الى منحها أكبر قرض في تاريخه بقية ٥٠ مليار دولار أعاد للأرجنتين توازنها المالي والنقدي وأعاد لعملتها ( البيزو ) جاذبيتها وأوقف تدهورها.

فجميع القطاعات في الاردن تعيش حالياً حالة من الوهن والارهاق ، عداك عن البنى التحتية التي تنهار أمام أعين الجميع.

وأزماتنا ضاغطة وتتزايد وتتضخم يوماً بعد يوم دون أن يملك أحداً جرأءة التنبؤ ، وصانعوا السياسات الاقتصادية والماليه في الاردن ارتكبوا أخطاء ولم يتحلوا بالواقعية ، فالإقتراض وصل الى حد الطيش ومعدل التضخم الحقيقي يعتريه الغموض ولا يتم الإعلان عنه .. وصانع القرار على ما يبدو لا يتحرك إلا في نطاقات ضيقة جداً ، فمنذ وقت طويل لم يخرج مسؤلٌ واحدٌ في الأردن يطمننا عن أوضاعنا الماليه والنقدية ، فهل باتت أزمتنا تخرج عن نطاق السيطرة ؟