سهل الزواهرة
حشد أبرهةُ جنودَه و أفيالَه و سار و الحنقُ يتملَّكه قاصدًا مكة العرب و حرمَهم الآمن فتلقاه أهل الحرم بالفرار و التحصن في الجبال و ألقت السماء حجارتها فحمَتْ الحرم دون أن يصطك سيفان فهلك الأشرم و أحجم الفيل عن السير ، لله در ذلك اللابشر كيف أدرك وبال ما هو مقدم عليه فأجحم ليخلد اسمه و عامه في التاريخ بينما عجز كثير من أفيالنا عن ما هو دون ذلك بطاعة رعناء و عقول مستسلمة و هوادج فارغة لأجساد غير متناسقة تراقصت على لحنٍ نشاز في حلبة مجالس متسابقة بمنح العقول و الأصوات لِتَلاعب افتتح فيه عامنا الثاني و العشرين بعد الألفين فكان عام التعديل و عام جز أصواف خراف الدستور التي تسابقت إلى الجز و كأنه وسام الصعود أو سر الخلود أو وصية الجدود ، فتقلبت المواقف كسمكة حية تتراقص على نار لظى في مقلاة سَوَّدت النوايا أرجائها و بُهِّرَ ما فيها بِشؤم حارٍ و تناقضٍ مُزكِم ، في مشهد أحاط البؤس جنباته المتهالكة فكأنما دمى بُثت في أجسادها روح مُصطنعة فحركتها تحريك أراجوز تلون بألف لون يُلقي نكات سمجة عن مستقبل مُزهر لا يراه كذلك إلا صانعه أو سيد صانعه فالقوم لا هَم لهم إلا ذواتهم الصنمية التي عمَّدوها آلهة صماء تزداد طغيانا كلما ازدادت انحناءات فقراء الحي و أهل فاقته و ترابه الذي أصبح عرضة في مزاد كاذب عُرِضت على بقايا حصائره مُسوخ لِفِرَقٍ و جماعات احتشدت في سويعة و باركها آريبس و مهد لها في ظلامه كل أسباب سُموها على ما عاداها.
من يُصر على أن لا وجود للنار المُشتعلة و تعاظمها هو أحد اثنين إما أعمى تبلد جلده و غاب حتى عن الحس، أو هو من أشعلها و يبذل الأيمان و الحُجج ليدفع عن نفسهِ إفساد الحرث و النسل ، و كأن الناس قطيع اغنام لا قوة لهم و لاحول و لا عقل و لا أُفق و لا حتى حق في إبطاء قبل العرض على المقصلة ، اولئك النفر أهل التذاكي حينا و التباكي أحيانا ، غلبهم كبرهم فلا إقرار بفشل و لا ندم على تضييع بل في كل مرة يعاودون تجهيز الفيلة المطيعة لغزوة جديدة تقضي على ما بقي في حرمنا المستباح من أدنى أسباب حياة و عزة …