وطنا اليوم – حكام كثيرون مروا على المحروسة، ما بين الظالم والعادل، والمجنون، تكررت الحالات إلا واحدة وهي أن يحكم مصر أحد الرقيق، وهو ما فعله أبو المسك كافور الإخشيدي.
تداوله النخاسون وبيع في سوق الرقيق، فاشتراه في عام 923 محمد بن طغج مؤسس الأسرة الإخشيدية، يزيد من الاستثناء غرابة هو أنه «مسلوب الرجولة»، ووصفه المؤرخون بأنه كان «دميماً قبيح الشكل»، ومثقوب الشفة السفلى، وقدميه مشوهتين، ثقيل الخطى، فوقع في يد أحد تجار الزيوت فسخره في شؤون شتى.
ورغم شكله الذي ينفر منه الناس، إلا أن الحظ كان حليفه بعض الشيء حيث باعه سيده فوقع في يد محمود بن وهب بن عباس الكاتب، فتعلم القراءة والكتابة، وكان سيد على علاقة بمحمد بن طغج ويعرفه منذ كان قائداً من قادة تكين أمير مصر.
نبوغ وحرية
رأى محمد بن طغج في كافور النبوغ فاشتراه وفعينه كمشرف على التعاليم الأميرية لأبنائه، ورشحه كضابط في الجيش، ثم لاحظ ولائه وإخلاصه وموهبته جعله حرا وأطلق سراحه، وأرسل كقائد عسكري في عام 945 لسوريا، ثم قاد عدة حملات أخرى في الحجاز، كم تولى لترتيبات والشؤون الدبلوماسية بين الخليفة في بغداد والأمراء الإخشيديين.
أصبح الحاكم الفعلي لمصر بعد وفاة محمد بن طغج «كوصي على العرش»، حيث صحت رؤية السيد في عبده المحرر، إذ فقد يحكم قبضته على مقاليد أمور الدولة، حيث إن ولي العهد أنوجور «محمود» كان لا يزال صبيا في الخامسة عشرة من عمره.
كافور لم يتح لأونوجور الفرصة ليمرن نفسه علي الحكم، ولم يدعه ينخرط مع الناس، فأفل نجمه، وسطع كافور الذي دعا له الخطباء علي المنابر دون أونوجور، في الوقت الذي كان ينال فيه أونوجور ما خصصه له كافور من مال بلغ أربعمائة ألف دينار في العام.
القتل جزاء الإحسان
أنوجور السلطان المفترض، هرب إلى فلسطين لجمع الجنود لاستعادة ملكه إلا أنه أمه رأت أن لا أمل من معاداة أبي المسك إذ أن خزائن الابن ولي العهد لا تقوى على مجاراة الحرب مع حاكم مصر الفعلي، ووجدت أن الوقوف في صفه ومكسباً لأسرتها.
مات أنوجور في الثلاثين من عمره، وقيل أن كافور دس له السم، وتبعه أخوه الأصغر «علي» وعجّل كافور بموته بعد أن دس له السم أيضاً.
انتقام المتنبي
استخدم كافور الأدب كوسيلة لتعضيد حكمه، إذ اكتسب شعبية كبيرة بين العلماء والأدب برعايته لهم فدعوا له بين العامة، فكانوا أفضل وسيلة إعلام في وقته، لذا حرص على إكرامهم.
ومن بينهم أسطورة الشعر العربي أبي الطيب المتنبي الذي مدحه كثيرا، إذا كاتبه كافور لإحضاره من الشام، وجاء فكان أول عطاياه داراً ثم أموالا بإغداق، فنظم المتنبي قصيدة والتي اشتهرت بمعاتبة «سيف الدولة» الذي نحى الشاعر المخضرم من مجلسه، فقال في كافور:
مابال قبرك ياكافـور مــنفرداً بالصّحصح المرت بعد العسكر اللجب
يدوس قبرك أحاد الرجال وقد كانت أسود الشــرى تخشاك في الكتب
وكما كان الأدب داعمه الأكبر، فكان أيضا أكثر ما أفقده هيبته، إذ بخل على المتنبي في العطايا، فتخلى عن مدحه وبدأ في هجائه بأبشع الصفات ومنها.
نَامَتْ نَوَاطِيرُ مِصرٍ عَنْ ثَعَالِبِها فَقَدْ بَشِمْنَ وَما تَفنى العَنَاقيدُ
صَارَ الخَصِيّ إمَامَ الآبِقِينَ بِهَا فالحُرّ مُسْتَعْبَدٌ وَالعَبْدُ مَعْبُودُ
لا تَشْتَرِ العَبْدَ إلاّ وَالعَصَا مَعَهُ إنّ العَبيدَ لأنْجَاسٌ مَنَاكِيدُ
حب المصريين
رغم الصراعات التي خاضها في الدولة، ألا أن المصريين أحبوه وزادت شعبيته بينهم، إذ كان يقضي حوائجهم بنفسه على مرآهم ومسمعهم، وكان جوادا مع رعيته، واعتبره المؤرخون أنه دليل على عدم وجود عنصرية في التاريخ الإسلامي إذ تدرج في الحكم وأثبت للجميع أن الرق ولون البشرة لم يكونا سببا في تنحيته رغم جدارته.
وفاة كافور
مات كافور الإخشيدي عام 968م، بعد أن حكم لأكثر من 20 عاما، قضاها في صراعات مع رجال الدولة لمحاولة إثبات جدارته وقوته وقدرته على قيادة الجيش ومن بعدها حكم مصر.