ديستوبيا التعليم.. الامتحانات والمسابقات وأشياء أخرى

28 نوفمبر 2021
ديستوبيا التعليم.. الامتحانات والمسابقات وأشياء أخرى

د. ذوقان عبيدات

قلت في مقالة سابقة إن المجتمع التربوي مجتمع ديستوبي وليس يوتوبياً. إنه مجتمع لم ينجح في اكتشاف الحلول لمشكلاته الأساسية. وحديثي هذا – حتى لا يغضب صقور الامتحانات وبنوك الأسئلة ومحترفو صناعة المآسي- موجه للتعليم في العالم، وليس عندنا. فالامتحانات وصقورها عالميون هم يفتحون البنوك ونحن نسحب منها. وهذه أدلتي:

( 1 ) الامتحانيون يريدون أن تصعد
السمكة إلى أعلى الشجرة!!
قيل في الامتحانات المدرسية، والامتحانات العامة الكثير ولم يستمع أحد حتى الآن! فما زال الجهد مركزاً: كيف نعد امتحانات أكثر توتراً وإيلاماً؟
كما يذكر الرسم: مجموعة من سمكة وفيل وقرد وعصفور وآخرين يجلسون في قاعة الامتحان أمام معلم جليل. وكان سؤاله: تسلقوا هذه الشجرة.
طبعاً إنه سيحسب “سيكومتريات” الامتحان ويحولها إلى درجات معيارية حرصاً على عدالة الامتحان وحرصاً على اكتشاف مهارة السمكة والفيل في مناقشة القرد والعصفور، وحساب قدرة الامتحان على التمييز.
إنه امتحان عادل عام لا يتحيز ضد الفيل ولا ضد السمكة وأن على السمكة أن تصعد إلى الشجرة.
وهنا نسأل هل الفرق بين المدارس المتفوقة والمدارس التي لم ينجح فيها أحد أقل من الفرق بين العصفور والسمكة في الصعود إلى الشجرة؟
إن الامتحانات العامة كالأديان ترى الناس متساوين. فلا فرق بين طالب وآخر إلّا بال … . ! لا تذهبوا بعيداً إلّا بإجاباته على الامتحان
أي عدالة هذه؟ يستحق صقور الامتحانات التهنئة عليها ، وإضافة رصيد جديد إلى بنك الأسئلة.
وبالمناسبة فإن بنك الأسئلة هو أحد فروع البنك المركزي التربوي الذي يسجل رصيد الطلبة في عمليات التدريس، ويسحب هذا الرصيد في الامتحان !! على أيٍ.
إذا كان بمقدور السمكة أن تصعد إلى الشجرة . فهذا قمة النجاح !! يقول بلال جيوسي : افحصوا السمكة في الأسئلة الآتية :

  • كيف تسبحين في ماء بارد ؟ مالح ؟ عذب؟
  • ما درجة حرارة الماء المناسبة للسباحة.
    ويقول دكتور مساد: ولكن السمكة لا يمكنها الصعود إلى الشجرة ، والامتحانات المدرسية والامتحانات العامة صارت تجارة وفلسفة دولية متكاملة، سأتحدث عنها فيما يأتي:

(2) الامتحانات الدولية
شاعت منذ نهاية القرن العشرين نشوء شركات مختصة بإجراء الامتحانات، وصارت تبيع الامتحان والأسئلة وحتى النتائج . فهناك عشرات المراكز والمؤسسات التجارية الامتحانية. وسأتحدث عن امتحانات بيزا وتميس حيث شاركت الأردن فيها بشكل يكاد يكون كاملاً.
والامتحان الدولي يخترع أسئلة عابرة للمناهج والدول والأنظمة التعليمية. وقد نجحت هذه الامتحانات في إشراك عدد محدود من الدول ، خاصة تلك الدول التي تفاخر بأدائها التربوي كاليابان وسنغافورة وفنلندا وتايبه ودبي – القطاع الخاص . حيث تفتخر هذه الدول بأداء طلبتها وتفوقهم !
ولحسن الحظ ، فأن الطلبة لا يعرفون نتائجهم ولا يبلغون فيها ، ولحسن الحظ الأكبر أن الدول أو الأنظمة التعليمية تعرف نتائجها وتبتسم ثم تواصل العمل. إذن! هذه الامتحانات تعتبر الطلبة أدوات . وإلا كيف نفسّر أنهم لا يعرفون النتائج؟
طبعاً من المتوقع أن الأنظمة التعليمية ستستفيد من النتائج وتضع برامج عديدة لمواجهة نقاط الضعف في أداء طلبتنا.
ونقاط الضعف معروفة لدينا هي في المهارات ذات الصلة بالتطبيق أو التحليل أو حل المشكلات. ولم أسمع أن أحداً في بلادي وضع برامج وأجرى تعديلات في أدواته: التدريس والكتب والإشراف والامتحانات على ضوء هذه النتائج.
وكل ما سمعته أن أصواتاً تحركت لتحسين قدرة الطلبة على تذكر ما درسوه وتحسين الامتحانات لقياس مهارات معلوماتية بدقة.
بل هناك من يرفض قياس التفكير وحل المشكلات وغيرها من القدرات.

(3) سيدة الاختراقات

وصلني فيديو يصور الطالبة في الابتدائي “زينة ” تقدم مديرتها في حفل اختراق الضاحية، قائلة لها: وأنت سيدة الاختراقات!
الاختراقات التربوية، نريد اختراقات: من التلقين إلى التفكير، من التعليم النمطي إلى التعليم الحر، من الامتحانات إلى قياس الإمكانات.
ووصفت المديرة “حسنية” بأنها خير من عملت على تحقيق هذه الاختراقات.
الاختراق هو تحرر من الصندوق الذي حشرونا فيه وتحرر من التكرار وانطلاق إلى الفضاءات.
وحسنية هذه مديرة مدرسة ثانوية وصفتها الطالبة بأنها سيدة الاختراقات وسيدة الضواحي، وبتقديري: سواء كانت هذه الطالبة عبقرية أم استعانت بأحد ، فإنها بحاجة إلى اهتمام من مؤسسات لتنمية مواهبها وقدراتها ، لا أعرف مدى مهارتها في تقديم امتحانات السمكة الصاعدة أعلى الشجرة ، لكن هذه الطالبة تحتاج إلى عناية.
ملاحظة: أغلب الظن – وفي الظن إثم – أن مدير التعليم الذي أطلق رصاصة اختراق الضاحية سمع الطالبة – وربما لم يسمع – لم ينتبه إلى ما قالته الطالبة، ولن يتابعها أحد.
أما سيدة الاختراقات التربوية واختراق الضواحي فهي بحاجة إلى دعم مجتمعي ودعم رسمي حتى تحقق الاختراقات التي تحدثت عنها الطالبة زينة.
وما يلفت النظر هو أن الطالبة لم تتحدث عن الامتحانات وأن علينا أن نحقق اختراقات من:

  • قياس المعلومات إلى قياس الشخصية.
    -قياس ما يسهل قياسه إلى قياس ما يجب قياسه.
  • بنوك أسئلة إلى بنوك حياة ونجاحات.
  • علامات معيارية إلى نجاحات حياتية.

(4) الرياضة والتربية
قلت في دراسة سابقة عن أن الرياضة والتربية تأتلفان وتختلفان ! وأن شروط الائتلاف هي في أن تكون:
الرياضة نشاط تربوي عقلي اجتماعي صحي عاطفي.
والتربية نشاط تربوي عقلي اجتماعي صحي عاطفي.
والتربية والرياضة تتفقان في الامتحانات غير التربوية والمنافسات والجوائز غير الإنسانية وغير الأخلاقية.
وهذه أدلتي:

  1. ماذا يعني أن نصفق للطالبة المتفوقة وأن نذّل الطالبة التي تواجه صعوبات؟
  2. ماذا يعني أن نقدم جائزة لمن يحتل المرتبة الأولى ونشعر بقية الآخرين بالخيبة والمرارة؟
    فالرياضة والتربية في هذه الحالة غير تربويتين.
    في الرياضة كما التربية: ما يهمنا هو النتيجة، حتى لو كان اللعب غير ممتع.
    في الرياضة يفوز الفريق الذي يسجل ثلاثة أهداف ويخسر الفريق الذي سجل هدفين فقط! يحوز الفريق الأول على البطولة والكأس والمداليات، ويذهب الفريق الثاني إلى النسيان والحسرة.
    ملاحظة: هذا يحدث دائماً مهما كان مستوى أداء الفريق الفائز بل إن شعارهم:
    في المباريات النهائية لا يهم الأداء، المهم: تسجيل الهدف.
    وهذا ما يحدث تماماً في التعليم، فالطالب الفائز – وليس الفريق – هو من يحصل على معدل 99.75، أما من يحصل على 99.74 فقد يعاني من الأمرين. وبالمناسبة: اخترع صقور الامتحانات هذا العام درجات بكسور مئوية لأن الكسور العشرية لا تميز– وعلى حد قولهم: سيكومتريات دقيقة.
    (5) الجوائز: ماذا عمن لم يفز بسباق الضاحية؟
    يقول أنصار الامتحانات أن عليهم أن يستعدوا للعام القادم. وأن الخسارة يجب أن تحفزهم إلى مزيد من الاستعداد، وأنا أقول: كل من شارك فاز إذا كان هدفي تربوياً وأخلاقياً وإنسانياً. أما إذا كانت النتيجة فرح فريق، أو فرح طالبة، فإن عليّ أن أنظر إلى ما نتج عن السباق من: طالبات بكين بحسرة، وطالبات شعرن بخيبة الأمل، عام كامل ضاع هباءً.
    من يعوض الطالبات “الخاسرات” غير الخاسرات؟
    تذكرت حين يزرع الفلاح الأرض ولم ينزل المطر، أو حين يفشل موسم الزيتون.
    وأخيراً.. كل من شارك يجب أن يفوز بجائزة ولو كانت الجوائز مستويات.
    وسأكتب لاحقاً عن الجوائز التي تمنع عن الطالبات، وتغدق بكثافة على كل مسؤول حضر ولم يفعل شيئاً.