بقلم العميد المتقاعد زهدي جانبك
من أين يحصل المواطنين على هذا الكم من الذخيرة، لاطلاقها في المناسبات؟
حتى نكون ايجابيين، ونساعد في فرض القانون والنظام، ساحاول في هذا المقال تبيان بعض مصادر الذخيرة الرخيصة لدى المواطنين.
المصدر الاول:
عام 1980 زرت احد الاصدقاء العاملين في القوات المسلحة الأردنية بعد أن أنهى مشاركته في إحدى المناورات، وكنت وقتها ما زلت طالب توجيهي، وقام الصديق باهدائي قنبلتين صوتيتين (تكون مصنوعة من البلاستيك وتصدر صوتا قويا) تستخدمان في تمارين المناورة ولا تحدث اي تأثير مادي،… وصدف ان كانت هناك مناسبة زواج في ناعور في تلك الفترة… وكان هناك إطلاق نار في أثناء السهرة … فاعترض صاحب المنزل (والد العريس) رحمه الله على إطلاق النار… فغافلته ممازحا والقيت إحدى القنبلتين الصوتيتين فوق كراج السيارة… اصدرت القنبلة صوتا شديدا اهتز سطح الكراج من تأثيره… فزع الرجل الطيب رحمه الله وألغى السهرة في ذلك المساء، شاكيا: بأنه منع إطلاق النار، فأصبحت الشباب تفجر قنابل… الحادثة اشتهرت في البلدة وقتها، ولو ان الفاعل ظل مجهولا 🤔…
وتعلمت فيما بعد يا سيدي ان هذه المناورات ليست فقط مصدر للقنابل الصوتية والضوئية، ولكنها ايضا احد مصادر الذخيرة من كافة الأنواع… وهو مصدر يعتمد على فساد الفرد الذي يدعي انه استهلك ذخيرته وكافة تجهيزاته أثناء التمرين، وهو فعليا لم يفعل، ولكنه اخرج جزءا ليبيعه او يهديه او يستخدمه …
المصدر الثاني:
مرت الايام، كبرنا (بل هرمنا)… واصبحت ضابطا في الأمن العام،… وتعلمت ان هناك نوعين من الرماية السنوية، رماية تدريبية، ورماية تصنيفية… وكان يجب أن يخضع جميع ضباط وأفراد الأمن العام لهذه الرماية، وعلى كافة انواع الأسلحة المستخدمة في الأمن العام…
وكان الإجراء المتبع ان يقوم كل رامي بجمع الظرف الفارغ (الرصاص المستخدم) وأعادته إلى ضابط العهدة… طبعا على ارض الواقع ليس هذا ما يحدث… وإنما، كان أحد (او كل) أعضاء اللجنة يقوم بمنح علامات النجاح في الرماية للعديد من الأفراد والضباط الذين لم يحضروا اصلا للرماية، وتذهب الذخيرة إلى هذه اللجنة (او هذا العضو فيها) ليتصرف بها كيفما شاء، ويبقى امامه تحدي واحد وهو تغطية النقص بالطلقات الفارغة (الظرف الفارغ)… وهذا فساد أفراد أيضا ،فساد الذي لم يرمي، وفساد الذي أخذ الذخيرة.
ولدى استلامي مهام مدير الأمن الوقائي، حانت لي الفرصة لمنع هذه المهزلة، وتم تشكيل فريق لمعرفة كيف يتم تعويض النقص في الطلقات الفارغة. وعمل الفريق بجد إلى أن اكتشف الطريقة، حيث تبين أن إعادة الطلقات الفارغة إلى المستودعات الرئيسية، لا يتم بطريقة العد ، وإنما بطريقة الوزن 😮…
وتبين بأن ضابط عهدة وحدة كبيرة العدد وكثيرة التدريب، يقوم بتعبئة الرصاصات الفارغة بالرمال حتى يصبح وزنها ثقيل وتعوض النقص الحادث عنده، بمعنى انه يقوم بإعادة عشرة آلاف طلقة فارغة (مملوءة) بالرمل وبسبب وزنها تحسب له عشرين ألف، وهكذا يكون قد اختلس عشرة آلاف طلقة لم يتم استخدامها اصلا وبقيت بحوزته ليتصرف بها كيفما شاء، وهذا فساد مؤسسي (بحاجة لتعاون اكثر من شخص)… طبعا تم مداهمة مستودعات هذه المديرية وضبط عشرات الاف الذخيرة الحية التي تم اختلاسها.
المصدر الثالث:
تصنيع الذخيره، وعلى الرغم من أن قانون الأسلحة والذخائر يحرم تصنيع السلاح والذخيرة الا ان العقوبات الكبيرة التي يفرضها القانون لم تمنع البعض من محاولة التصنيع، وقد قام الأمن الوقائي بضبط مصنع لانتاج ذخيرة الخرطوش في اربد عام 2014 بعد عمليات مداهمة متعددة كون التصنيع كان يتم في مواقع عديدة والجميع النهائي يتم في موقع آخر.
وتم ضبط مجموعة من الأفراد تعمل على تصنيع السلاح في الزرقاء عام 2018. وفي كلتا الحالتين تم تحويل القضايا إلى المحاكم.
ولا زالت المحاولات جارية لتصنيع الذخيرة من قبل البعض، ولكن تأثير هذا المصدر منخفض من حيث تزويد الجمهور بالذخائر.
المصدر الرابع :
التهريب، وعلى الرغم من تضافر جهود القوات المسلحة، والأمن العام، والجمارك، للحد من التهريب، الا ان الفساد من جهة، والاوضاع السورية والعراقية من جهة أخرى أخرى جعلت من مهمة وقف تهريب السلاح والذخيرة، مستحيلة. وقصص التهريب للسلاح والذخيرة المرتبطة بالفساد مشهورة، ولكن الظرف حاليا لا يسمح بذكرها.
ويمكن القول ان تشديد الرقابة على الحدود، واستخدام التكنولوجيا،… مع تشديد الرقابة على العاملين بحماية الحدود من كافة الأصناف والجهات… وتقليبهم بشكل دوري… سيؤدي إلى الحد من كميات السلاح والذخيرة التي يتم تهريبها.
المصدر الخامس:
وهو المصدر القانوني المتمثل بالشراء المباشر، علما بأن القانون يمنع محلات بيع السلاح القانونية من المتاجرة بذخيرة الأسلحة الاوتوماتيكية ويحصر مبيعاتهم بخيرة المسدسات المتنوعة العيارات وبنادق الصيد فقط.
اما ذخيرة الأسلحة الاوتوماتيكية فان الجهة الوحيدة المخولة بشرائها هي القوات المسلحة والاجهزة الامنية.
المصدر السادس:
ويتمثل هذا المصدر في الهدايا.
إن العمل على تنشيف كل او بعض هذه المصادر للذخيرة سيؤدي إلى حل اكثر من نصف المشكلة.
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، وصلِ اللهم على سيدنا محمد على آله وصحبه أجمعين…. تقبل الله جمعتكم.