الدكتور أحمد الشناق
قرنٌ مضى على أقطار الأمة بشعارت ويافطات ومحاور، وصراعات وإتهامات، وإنقلابات افضت إلى واقع مثقل بالهزائم والنكبات، ولإنسان عربي جائع خائف مطارد بدبابة أو وشاية وعلى ارصفة فقدان الهوية والتنمية والحياة الكريمة.
– ولتدخل منطقتنا العربية من جديد، بدوامة صراعات هي أشبه بما عرف بالحروب المقدسة في الإمبراطورية الرومانية بعصورها الوسطى، في عالمٍ يشهد مرحلة جديدة بتحولاته التاريخية وإعادة صياغة نظامه الدولي بأسس التنافس الدولي، ما بعد تفكك الإتحاد السوفيتي وإنتهاء الحرب الباردة ، لتضيع فرصة تاريخية أن تتشكل كتلة عربية لتنال حصتها في هذا النظام العالمي الجديد . وتدخل المنطقة العربية في عديد أقطارها من جديد ، بدوامة الصراعات الدامية، بشعارات ويافطات، جلبت من جديد تدخلات إقليمية ودولية، وتفتت شعوب دول الصراع، وليتقابل أبناء الشعب الواحد بخنادق الرصاص، لتكون حروبهم بالوكالة عن الدول الطامعة بالأرض العربية والثروات العربية ومستقبل المشروع العربي .
وهذه الأحداث وهذه النوازل، وضعت المنطقة العربية على أبواب قطار العالم الذي أصبح يتحكم وسيحدد إعادة تشكيل وصياغة المنطقة وفق مصالحه، والتي أصبح لا يقف في وجه تحقيق هذه الأطماع وتلك المصالح، بأن تلجأ قوى المصالح إلى سُبل المواجهة والإلغاء للأخرين، وهي قوى عالمية وإقليمية مسلحة من قوى بالداخل العربي المنحازة إلى هذا الشعار أو تلك اليافطة، وبتواجدها العسكري على الأرض العربية، بهذه الذريعة أو تلك …
” الأردن والمعركة ”
– وبكل ما جرى في منطقتنا العربية على مدى قرن ، بقي الأردن لواءاً متقدماً بتضحيات جسام، في الدفاع عن قضايا الأمة، والساعي دوماً لوحدة الصف العربي، والحاضن المخلص للتوافق العربي بنبعٍ عروبي صافي، والصوت القوي بضرورة وجود تكتل عربي ، ورفض التدخل الأجنبي، بالدعوة للأشقاء نحو إيجاد الحلول الوطنية داخل دولهم حتى لا تبقى ذرائع للتدخل.
– وكان الأردن، على الدوام ملتزماً بالنأي عن التدخل في شؤون الغير، والرافض لكافة القوى إقليمية أو دولية بأن تتدخل بشوؤن الغير، على مبدأ إحترام سيادة الدول وإستقلاليتها، وأن تقوم العلاقات على اساس التعاون والمصالح المشتركة بين الدول .
– وبحكمة القيادة الهاشمية على مدى المراحل التي تمر بها منطقتنا، نأى الأردن وتجنب كافة عوامل التنازعات الداخلية بصراعاتها الدموية بين الأنظمة وشعبها، وإتجه إلى التنمية والبناء والإنجاز، وبقي بذات الوقت متمسكاً بثوابته القومية والمنافح عن منظومة الأمن القومي العربي، والنأي بالنفس عن نهج صراعية الأنظمة، ليكون حقاً وواقعاً، ملاذاً لشعوب أمته العربية ولأشقائه العرب في الملمات والشدائد ، دون الإلتفات إلى شح في موارده، ودون طمعاً أو مِنةً على شقيق .
– وعلى ضوء مجريات الأحداث العالمية بتطوراتها، والظروف الإقليمية الحادة بمنعطفاتها، والواقع العربي الجديد، بالغ التعقيد والسوء بمجموع ظروفه التى أصبحت تُعاند بمجموعها ولا تُطاوع، لنؤكد على الآتي :
— المملكة الأردنية الهاشمية، دولة ذات مصالح عليا، ومن حقها أن تنسج علاقاتها وفق معادلات عربية وإقليمية ودولية راهنة، وبما يضمن ويصون ويحمي المصالح الحيوية الإستراتيجية للدولة الاردنية
— الدولة الاردنية القوية، هي مظلة الجميع، وتجربتنا الاردنية التاريخية، تؤكد أن المملكة تتجاوز كافة المراحل الصعبة والحرجة، في إطار الدولة
ومؤسساتها، وبإلتفاف الأردنيين حول مؤسسة العرش والدولة ومؤسساتها .
— نؤكد أن الأردن وطن ودولة وليس ساحة، ولن يكون ساحة لإنعكاس هذا التوجه أو ذاك من مشاريع إقليمية وتحت أي شعار، التي أصبحت واضحة الإستهدف بإسقاط الدولة الوطنية العربية. فالأردن ليس ساحة للإنقسام على مشاريع سواءاً، أكانت إقليمية أو دولية، وهذه المشاريع التي تسعى لتفتيت المجتمعات العربية بشعارات خادعة، وبما يحقق أهدافها على حساب الإنسان العربي والسياق العربي الحضاري التاريخي على أرضهم، وقد يكون أبرز مخططات هذه المشاريع، هو إسقاط الدولة الوطنية العربية، وتفتيتها لدويلات طوائف وأعراق، أو حتى لمكونات إجتماعية أو سياسية غير وطنية، وكل ذلك على حساب الدولة الوطنية.
– الأردن والسياسة الخارجية :
إن الأردن وبحكمة وحنكة جلالة الملك عبدالله الثاني، إستطاع نسج علاقات متوازنه في ظروف عالمية وإقليمية وعربية بالغة التعقيد، وحقق مكانة دولية للأردن بالتأثير في المجتمع الدولي، والدول ذات التأثير على مسرح الأحداث في منطقتنا، وهي سياسة جنبت الأردن إمتداد حرائق لا زالت مشتعلة بحطبها على حدود المملكة، وهي سياسة فاعلة وناجحة ايضاً من تمكين الأردن من الوقوف إلى جانب الاشقاء الفلسطينيين بحقوقهم المشروعة بقيام دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وتمكين الأردن من دور الإسناد للاشقاء في المشرق العربي،
بالموقف القومي الثابت لجلالة الملك وفي كافة المحافل ودوائر التأثير العالمي، بإنحياز جلالته للحلول السياسية بين مكونات أقطار تعيش الصراع،وبالموقف القومي الثابت من الحفاظ على سيادة الدول ووحدة ترابها الوطني بوحدة مكوناتها.
وجلالة الملك كان الزعيم العربي المسلم، الذي تحمل مسؤولية تاريخية بشجاعة وحكمة، بالدفاع عن الإسلام ورسالته أمام العالم بأسرة، وفي كافة محافله الدولية ومجتمعاته، بأن الإسلام برئ من كل تهم الإرهاب، وبأن الإرهاب لا دين له .
– الأردن وسيادته الوطنية :نهج الدولة الاردنية بموقف الملك التاريخي بإستكمال السيادة الاردنية على كافة الأراضي الاردنية، ودون التوقف عند معطيات المرحلة، فالسيادة الوطنية للمملكة، تبقى فوق كل الإعتبارات عند جلالة الملك والأردنيين، وقد جاء قرار استكمال السيادة الوطنية على الباقورة والغمر بهذا النهج.
– الأردن والعلاقات العربية :
نهج الهاشميين التاريخي، أن تبقى علاقات قائمة على الأخوة مع الأقطار العربية، ولا يخضع الأردن في علاقاته، لإجتهادات من هذا الطرف السياسي أو ذاك ، على حساب نهجه القومي الثابت، ويؤمن الأردن، أن الأمن القومي العربي لأي قطر عربي، هو من الأمن القومي الوطني الأردني، وللأردن الشعب أيضاً مصالحه المشتركه مع الأشقاء العرب، ولم يكن الأردن يوماً ولن يكون في دائرة من دوامة الردح والتهويل والتخوين، التي سادت في مراحل سابقة وجلبت الهزائم والنكبات والإحتلالات على العرب .
— العرش الهاشمي وسط حسابي لا يقبل القسمة، وهو الضامن لوحدة النسيج الإجتماعي والدفاع عن القضايا المصيرية للوطن ومنعة الأمن القومي للمملكة، والملكية الهاشمية تحمل رسالة البناء والإزدهار للأجيال الاردنية، ورسالتها ممتدة بشرعية التاريخ والدين للأمة والإنسانية جمعاء .
– المعارضة السياسية :
نؤمن بأن المعارضة الحقيقية، هي المعارضة البرامجية المنتمية لوطنها وفي الدولة بشرعيتها الدستورية، والتي تقدم البدائل والحلول للسياسات الحكومية، فالمعارضة تكون مع حكومات وسياساتها وقراراتها، من خلال تبني البدائل للسياسات أو لغايات تصويب القرارت، وليس معارضة مع الدولة أو النظام ، فالمعارضة تعمل بمظلة الدولة وليس معارضة مع الدولة أو النظام، وعنئذ تكون خروج على الدولة وتصبح من عوامل الإختراق الخارجي للجبهة الداخلية وأداة من ادوات الصراع والتفتت لمخططات إعادة صياغة المنطقة .
والأردنيون يقاتلون بضراوة دون دولتهم وكيانهم ونظامهم السياسي.
– الأردن ومعركة البناء :
إن معركة الأردنيين الحقيقة، هي معركة البناء وتعزيز القدرات وتطوير وتحديث آليات عمل السلطات والمؤسسات، ولتحقيق تراكم الإنجاز والتحديث المستمر على النظام السياسي نحو نموذج ديمقراطي متجدد بإرادة وطنية ونابعة من الذات الوطنية الأردنية، نحو الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، وهذه الإرادة الوطنية السياسية تأتي اليوم بإرادة الملك بمخرجات لجنة ملكية، لتلتقي إرادة الملك مع إرادة الأردنيين بطموحاتهم وآمالهم بمرحلة مفصلية بمئوية الدولة الثانية، وتمكين المشاركة الشعبية الواسعة من المشاركة في رسم السياسيات وصناعة القرار وتحمل المسؤولية الوطنية بالمواطنة الفاعلة كاسلوب وغاية في جوهر العملية الديمقراطية.
وهذا يتطلب استراتيجية دولة متكاملة بالمستوى الرسمي والاهلي ، وتفعيل آليات الدولة بورشة عمل وطني تشمل كافة مناطق المملكة وكافة القوى الحزبية والوطنية السياسية والإجتماعية، بتحديد أين ذاهبون بمسيرة التحديث بنظامنا السياسي. تبدأ لحكومة فاعلة مع الشعب بتفعيل الوزارات والمؤسسات، بآليات الحوار الجاد والمسؤول والمؤسسي، نحو تحديد اولوياتنا الوطنية – :
– منظومة التحديث السياسي بكافة تفاصيل توصياتها في حياة حزبية وطنية برامجية، والبرلمان الحزبي البرامجي، ونظام الأقاليم لحكم محلي وتعديلات دستورية عززت أركان النظام البرلماني بدوره الرقابي والتشريعي ومراجعة ضرورية لقوانين الحريات العامة والإعلام نحو الإعلام الوطني بمهنية تواكب تطور وسائل التواصل وعصر الإنترنت، والعمل على تعزيز أركان القضاء في دولة ديمقراطية والفصل بين السلطات، وليعمل الجميع في هذا الوطن الطيب وفق استراتيجية دولة واضحة المعالم بخارطة الطريق نحو مكانة لائقة تحت الشمس ، ودور قيادي على مستوى المنطقة وبما يحقق المصالح الأردنية في إطار عربي جامع يحاكي العصر بتكتلاته الإقتصادية القائمة، خدمة للشعوب العربية والإنسان العربي.
والمشروع الوطني في التحديث السياسي يتطلب ، مشروعاً وطنياً يواكب الإصلاح السياسي وفق السعي نحو سياسات حكومية تعتمد :
– نهج بناء إقتصاد إنتاجي يعتمد على الثروات والموارد المحلية، بإيجاد آليات عملية لتحقيق ذلك . وفي كافات قطاعات الإنتاج الصناعية والزراعية والخدماتية والتعليمية
– وضع خطة إقتصادية بآليات ومدد زمنية لتنفيذ منظومة إقتصادية متكاملة بعيداً عن نهج السياسة المالية البحته بالقروض والضرائب، بهدف تحقيق نمو إقتصادي وتخفيض نسبة البطالة، ولرفع مستوى دخل الفرد والأسرة من الناتج المحلي للعيش بحياة كريمة ، بهوية إقتصاد وطني إنتاجي إجتماعي.
– إعادة النظر السريعة بما يحقق عدالة في حصة الفرد من الثروة والناتج الوطني، وهذا يتطلب مشروعاً وطنياً جاداً يبدأ بتحديد سلم رواتب لكافة الوزارات والهيئات والمؤسسات، بإعتبارها جميعاً تعمل بمظلة الحكومة .
– تفعيل رأس المالي الوطني وتحفيزه للإنتقال، من أموال بنكية مرصودة بفوائد، إلى رأس مال في الاستثمار المحلي .
– آن الآوان تقديم خريطة جغرافية سكانية للمملكة، بشفافية ووضوح، خريطة تقديم الخدمات للمواطنيين، وإعتماد المعيار الموحد بنوعية وعدالة تقديمها لكافة المناطق ولكل مواطن .
– فتح حوار جاد، لإيجاد حل غير تقليدي لتحدي البطالة، وكل ما تتطرحه الحكومات وتتقدم به حتى الآن، هو تفكير لنهج تقليدي، وتأجيل لقنبلة موقوته في البلاد. وآن الآوان لهيكلة ودمج ديوان الخدمة المدنية بوزارة العمل، كوزارة للتشغيل والتوظيف، بالقطاعين العام والخاص وإقرار لقانون الخدمة الوطنية .
– السرعة بإنجاز الدمج والإلغاء للوزارات والهيئات والمؤسسات، نحو هيكلة الجهاز الإداري للدولة، فالدولة الحديثة هي دولة الإدارة ، والإدارة هي العامود الفقري لكافة أركان الإصلاح والتحديث المنشود .
– إعادة إنتاج وترتيب البيت الإعلامي لخطاب الدولة مع مجتمعها، والدولة العصرية، هي تلك الدولة التي تمتلك قدرة تواصلية مع مجتمعها، ورسالتها الواضحة للرأي العام، ليكون حزاماً واقياً للرأي العام نحو أهداف الدولة وغاياتها .
– التوسع بإنشاء مدن جديدة، وتعاونيات زراعية، ونقل السكان حيث الموارد لبناء المجتمع المنتج في الأرض وكفاءة الإنسان الاردني .
– أولويات الحكومة بمعركتنا الوطنية ، هي تحقيق فرصة عمل ، ومسكن ودخل محترم للأسرة ووسائل نقل حضارية على مستوى المملكة، وعلاج لائق إنسانياً بمرضانا، وبما يوازي التطور الطبي في البلاد ، وإعادة العمل بمؤسسة علاجية لنوعية علاج محترمة للمواطن، وتطوير أداء وأهداف مؤسسة الضمان الإجتماعي، بتوفير كافة الضمانات الإجتماعية لكل مواطن، ووضع خطة مستقبلية قابلة للتطبيق، براتب لكل عاطل عن عمل حتى يتم توفير فرصة العمل .
– نعم الإنتقال بالأردن نحو مجتمع حديث ودولة عادلة ومنتجة، يتطلب حكومة قوية فاعلة تعمل على تحريك كافة الطاقات الآمنة، والعقل الجمعي للأردنيين بكفاءاتهم بعيداً عن الموقف الفردي والقرار الفردي والعلاقات الشخصية والإجتهاد الشخصي ..
– الأردن والإقليم :
من حق الدولة الاردنية تبني المشاريع على مستوى الإقليم، لأردن قوي بدوره الإقليمي، ودول الإقليم والعالم يتصارعون بأسلحتهم وجيوشهم، بحثاً عن منابع ومصادر الثروة، والطرق الدولية للتجارة والإقتصاد، ولا نتوقف عند خطاب العواطف، فالدول تُدار وفق مصالحها، وليس بعواطف افرادها .
– من حق الأردن البحث عن مكانه اللائق تحت الشمس، والقطار العالمي لا يتوقف عند المنتظرين على محطاته السريعة في عالم التحولات السريعة والتقلبات المفاجئة بحثاً عن مصالحه .