بقلم : أ.د. محمد الفرجات
شعبنا الأردني العظيم بكل أطيافه ليس ضد لجنة الإصلاح السياسي، بل ضد ما يخرج عما يقبله العقل والصواب، لأننا ببساطة مجتمع مترابط متكافل، وتربطنا صلات تضرب بجذورها إمتدادا إلى نصر مؤتة واليرموك فالكرامة، وإلى الأنباط سادة القوافل الذين نحتوا الصخر وتعايشوا مع الشح المائي، وميشع صانع النصر وطارد الغزاة، فنحن تعودنا أن نكون بناة الحضارات، ومع كل من يبني ويحقق وكل ما يؤدي للتنمية الإيجابية، وكل ما نريده جميعا أن نحقق لنا وللأجيال القادمة دولة ذات منعة، صلبة سياسيا وإقتصاديا وقابلة للإستدامة والحياة، وتحقق الرفاه والحياة الكريمة لمواطنها.
وأضيف بأن شعبنا العظيم مع دعوات الحداثة والتحضر والعصرنة، على أن تحافظ على ديننا الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا وقيمنا وإرثنا، وعلى أصالتنا لأننا رأس مالنا كرامتنا.
نعم وبالفم المليء، نريد تحقيق دولة الإنتاج والإكتفاء الذاتي، نريد تحقيق دواعي أمننا المائي والغذائي وأمن الطاقة، ونريد أن ندخل مع العالم ثورته الرقمية (الثورة الصناعية الرابعة) على أن نكون مصدرين للتكنولوجيا الرقمية لا مستوردين، ونريد أن نسبق الكثيرين إلى مشاريع المستقبل كالروبوت والنانوتكنولوجي وتكنولوجيا الإقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة، كأصحاب فكر ومبتكرين ومصدرين لا مستوردين، ليعود كل ذلك علينا بالنفع الإقتصادي وإنعاش السيولة وفرص العمل، وهنا نريد توجيه طاقات الدولة لضمان أجواء الإنفتاح الإيجابي والحذر بنفس الوقت، لضمان أمننا الوطني والقومي.
جلالة الملك وولي عهده يبذلان جهودا مكثفة في مجالات التنمية سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا على الصعيد الوطني، ونشير للجهود الدولية مؤخرا ونجاح الزيارة الملكية للولايات المتحدة الأمريكية، والتي من المؤمل أن تعود بالنفع على البلاد، وعلى الإقليم خاصة والذي بات يعاني صراعات وتحديات تنعكس علينا سلبا كذلك.
وعودا لعنوان المقال، فكيف ستنعكس مخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية على إقتصادنا؟، وهنا لا بد من الإشارة بأن هنالك لجان فرعية إنبثقت عن اللجنة الرئيسية، لجنة لتحديث قانون الإنتخاب، لجنة لتحديث قانون الأحزاب، لجنة لتحديث قوانين الإدارة المحلية، ولجان تمكين الشباب والمرأة.
اللجان بدأت بحالة عصف ذهني مكثفة في جلسات مطولة وضمن محور كل لجنة وإختصاصها، حيث بدأت بتشخيص الواقع (أين نحن؟)، ومن ثم تناولت أدق معطيات كتاب التكليف السامي للجنة بين الرؤية والتفاصيل (ماذا نريد؟)، وعليه وضعت كل لجنة نموذجا تصوريا (كيف نحقق ذلك؟)، ومنه إشتقت منهجية عمل تسير وفقا لها ليومنا هذا.
الأوراق النقاشية الملكية تعود لها اللجان للإسترشاد بها عند الحاجة، وغالبا ما تعاير اللجان المخرجات، وذلك بالإطلاع على تفاعل الرأي العام مع التصريحات الإعلامية للجنة، إضافة للقاءات الحوارية التي تجري أحيانا، بينما يتابع مختصون في اللجنة التفاعل الشعبي عبر المنصة الإليكترونية المنبثقة عن اللجنة.
يطول عمل اللجنة لساعات طوال ثلاثة أيام في الأسبوع، بينما المكتب التنفيذي الذي يجمع رؤساء ومقرري اللجان مع دولة رئيس اللجنة في حالة إنعقاد شبه دائم.
تحتد النقاشات، تجد تحديات أمام معظم القضايا عند تناول القوانين الخاصة بكل لجنة، يتم إجراء مقاربات بين المقترحات إلى أن يتم التوافق أخيرا على رأي واحد، يقابل النموذج التصوري المؤمل الوصول إليه.
أشعر بالإطالة، ومرة أخرى، وعودا لعنوان المقال، فكيف ستنعكس مخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية على إقتصادنا؟، نعم، فهذا الأمر الذي تتساءل عنه الأغلبية من أبناء شعبنا؛ ففي كل محافظاتنا هنالك شباب عاطل عن العمل، أسر دخلهم قليل لا يكفي الأساسيات، وأمام ذلك مظاهر تهدد السلم المجتمعي بسبب الفقر والبطالة لا داعي للخوض بها.
فمن المؤمل وعند تحقيق حكومات برلمانية تنبثق عن أحزاب برامجية تقنع الشارع، أن تبدأ مرحلة العمل الحكومي البرامجي، حيث أنه ليس من المعقول أن يستمر حالنا بتسمية رئيس وزراء ووزراء عند التشكيل الحكومي، ودون أن يكون لدى الرئيس وفريقه بالأصل خطة عمل أو برنامج أو مشروع، وهنا فأقرب ما يكون الأمر بأننا نعين موظف لتصريف أعمال يومية فقط.
جلالة الملك دعا دائما إلى دمج الاحزاب وشجع على وجود أحزاب برامجية تقنع الشارع وتصل إلى قبة البرلمان، ولا يريد أن يستمر الحال كما هو عليه.
البرنامج الحزبي تجد فيه مشروعا شاملا وحلولا لقضايا المياه والطاقة والأمن الغذائي، وقضايا الإقتصاد والخدمات كالتعليم والصحة، وقضايا البنى التحتية والتنمية المحلية، وقضايا الصناعة والسياحة والزراعة… إلخ.
الأمر الذي عاناه الأردن مؤخرا هو عدم إلتزام الحكومات بإكمال جهود الحكومات التي تسبقها، مما عطل خططا تنموية وإستراتيجيات كثيرة، ولا تستطيع أن تحاسب أحدا كمواطن، بينما لو كنا نتعامل مع حكومات برلمانية، لأمكن محاسبة الأغلبية الحزبية البرلمانية التي شكلت الحكومة من الأقلية الحزبية ومن الشارع على حد سواء، وحينها فإن فشل أي حكومة يعني فشل الحزب الذي شكلها، ولن ينتخبه الشارع في المرات القادمة، إن كنا نتحدث عن الحالة المثالية، والتي من المؤمل الوصول إليها بالتدرج.
ملف تحديث قانون الإدارة المحلية وإسناد المحافظات، بتمكينها من خلال مجالسها المحلية المختلفة من صناعة قرارها، في المجالات التنموية والتي تأخذ بالميزة الجغرافية والتنافسية والثروات الطبيعية، لتحقيق الفرص للجميع، وتحسين واقع الخدمات والبنى التحتية وشموليتها، امر هام وحيوي، ويزيد من المشاركة وتمكين المجتمعات المحلية، ويحول محافظاتنا إلى محركات تنموية إقتصادية إنتاجية، توفر سبل العيش الكريم للأهالي وفرص العمل للشباب.
الشفافية والحاكمية الرشيدة والعدالة والمساءلة مع الرقابة المستمرة، على المخرجات أن تعززها، للوصول إلى دولة المؤسسات والقانون بحالتها المثالية.
نسأل الله تعالى التوفيق لكل أمر فيه خير البلاد والعباد، وصلى الله على سيدنا محمد.