إلغاء اتفاقية السلام الأردنية الاسرائيلية

18 مايو 2021
إلغاء اتفاقية السلام الأردنية الاسرائيلية

زهدي جانبيك

الله يرحمك يا ابو محمد،… المرحوم عبدالله إسماعيل تو ابو العسل (بزادوغ) هو زوج خالتي، وقد كان رجلا فاضلا عاش حياته على وصاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان ووقت الفتن،… حيث هجر المجتمع مليا… كان رجلا عسكريا محترفا في ملاك الدفاع المدني ايام ان كان مركز الدفاع المدني في منطقة المحطة …وكان شديد الإخلاص، وشديد الولاء لعمله… ولأهله..

من الدوام الى البيت… ومن البيت الى الدوام… وقلما يتدخل في شؤون غيره…

كان لديه بستان حول المنزل يزخر بما لذ وطاب من الفواكه والخضار… ولعل معظمنا كان لديه مثل هذا البستان… وتميز بستان ابو محمد بشجرة (ايد) ذات فاكهة لذيذة وكان يكاد ان يكون منفردا بهذه الشجرة، إذ لم تتجاوز اعداد هذه الشجرة في ناعور عدد أصابع اليدين… وكان بستانه يتميز ايضا بشجرة فستق حلبي لا مثيل لها…

ابو محمد من ذلك الجيل الذي لم يؤمن ان الانسان هبط على سطح القمر… وكان لديه منظار عسكري ضخم، وكثيرا ما كان يأخذني الى مكان مرتفع لاشاهد القمر باستخدام المنظار ليثبت لي انه لا يوجد انسان هبط على القمر…

وسط بستان ابو محمد كان هناك شجرتي رمان كبيرتين وارفتين… وعلى غير عادته مع باقي الأشجار… قليلا ما كان يقلم تلك الشجرات لأنه يحتاجها لتغطية ما يقبع اسفلها…

أسفل الشجرتين كان هناك خندق واسع مغطى بسقف معدني فوقه أكوام من التراب الأحمر المماثل لتراب البستان ليمتص قوة انفجار القنابل … بعيدا عن الخندق قليلا، كانت تقبع خلايا النحل ومنها اكتسب ابو محمد (وابوه من قبله) لقب ابو العسل…وفي المخزن القريب كان يخزن براميل العسل وسلال شمع العسل على شكل كرات… وفي زاوية البستان كانت غرفة الخبيز (يكاد يكون طابون) فيه المونة من الأرزاق الناشفة (طحين، عدس، حمص،… الخ)… البستان موصول ببوابة صغيرة جدا تكاد تكون مخفية ارتفاعها لا يتجاوز مترا … تربط منزل ابو محمد بمنزل الجيران، وباب مثله يربط منزل الجيران بمن يليهم وصولا الى منزلنا… هذا كان الطريق السري بين الجيران للتواصل دون الخروج الى الشارع… هذه الصورة كانت مكررة في بستاننا مع اختلاف أصناف الشجر…

اما في موسم الحليب (وكان له موسم)… فكان والدي يشتري براميل الحليب، وتبدأ والدتي بانتاج اللبنة (بزيت الزيتون)، والجبنة (بالمياه المالحة)…شغل مونة لمدة سنة كاملة.

جارتنا ام فايز كانت محترفة في تجفيف الخضار (لتخزينها واستخدامها بغير موسمها)… وكان الجميع يجففون اللحم (المدخن) في الطابون…. وعلى بعد دقائق، يقع نبعان صافيان لمياه الشرب…

هذا يا سادة ما يسميه المفكرون الاستراتيجيون التحصين الداخلي… وهذا هو المستوى الأول مستوى التحصين الفردي والعائلي… ملجأ مجهز (خندق) في كل بيت، اكتفاء ذاتي غذائي عائلي ومجتمعي… منظار وقطعة سلاح في كل منزل تقريبا… مخزون غذائي استراتيجي… ووسيلة نقل جاهزة (الخيل والحمير، اجلَّكم الله)… كنا مستعدين للحرب (شعبيا) باي وقت…

وسيلة النقل بين ناعور وعمان كانت (على عهدي) باص خالد، وسيارات السرفيس… كانت تأخذنا الى قرب شركات الدخان بجانب طلعة المصدار… ومن هناك كنا نسير على الأقدام (لتوفير أجرة السرفيس) الى وسط البلد… حيث المسجد الحسيني…وعند الوصول إلى الساحة الامامية للمسجد الحسيني كان يلفت انتباهنا ذاك البناء المنخفض جدا ذو السقف المائل والباب الحديدي… هذا يا سادة كان ملجأ عام، ومثله الكثير… وهذا يا سادة ما يسميه الاستراتيجيون تحصين الجبهة الداخلية على المستوى العام للدولة ، بما توفره المؤسسات المختصة من حماية للمجتمع ، ولعملياتها الخدماتية…

وعند عودتنا من عمان الى ناعور غالبا ما كنا نترجل من السيارة قرب البلدية، حيث نشاهد على زاويته القريبة من الشارع ذالك الجهاز الاسطواني الشكل (زامور الخطر) او ما يسميه الاستراتيجيون الانذار المبكر على قدوم الخطر… وكان هذا في كل بلدة وقرية….

كنا شعبا مستعدا للحرب… على المستوى الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي…

بل كنا شعبا يتوق للحرب…

صديقي ابو همام رجل ملتزم دينيا … تخرج من الثانوية العامة، والتحقق فورا بالكلية العسكرية الملكية… بعد سنتين، تخرج برتبة ملازم… وطلب تعيينه بالخطوط الامامية على الجبهة… على الشريعة (نهر الأردن) … في كل اجتماع مع قيادته كان ينهي الاجتماع بسؤال محرج: “متى سنعلن الجهاد ونحاربهم؟”… لم يتوقف عن توجيه السؤال…. وكان يستمتع بالمشاركة مع الخفراء في حراسة الحدود… بل كان يستمتع كل يوم باطلاق بعض الاعيرة النارية بالهواء حال مرور دورية إسرائيلية على الجانب الآخر من خط الهدنة ويستمتع وهو يشاهد أفراد دورية العدو وهم ينبطحون أرضا، مذعورين، لا يدرون اهناك هجوم ام لا، ويبقون على هذه الوضعية لساعة كاملة احيانا، لا يدرون ما يصنعون…

هذا ما يسمونه الإعداد الشعبي لأسوأ الاحتمالات… ابو همام، تخرج من المدرسة وذهب للجيش ليحارب، وليس بحثا عن وظيفة… لم يطلب ان يعمل في مكتب، أو في سفارة… طلب الخدمة في الخطوط الامامية لانه يريد أن يحارب، ان يقاتل العدو…بل ان قادته ادركوا مدى اخلاصه وحبه للجهاد، وعرفوا انه عاجلا ام آجلا سيتسبب بقيام الحرب… او انه الصهاينة سيقتلوه فنقلوه الى ملاك المؤسسة الاستهلاكية على بعد كيلومتر واحد من منزله… عندها فقط قرر ان يترك القوات المسلحة، لأنه لم ينضم اليها ليعمل في المكاتب، بل ليقاتل… وعرف الجيش ان خلفه شعبا جاهز لدعمه في جبهات القتال.

سادتي الأفاضل…

عندما نتوقف عن مهاجمة المخابز والسوبرماركت في كل مرة يتم فيها الإعلان عن حظر تجول لمدة اربع وعشرين ساعة…

عندما ننتج ما يكفينا لناكل…. عندما يكون من أساسيات بناء المنزل واولوياتنا بناء ملجأ… عندما نتوجه للعمل في الجيش والأمن طمعا في الجهاد وقتال العدو، وليس طمعا براتب الوظيفة….

عندما يكون مطلبنا الأول في مدننا وقرانا بناء ملاجيء حربية محصنة قبل أن نطلب بناء خط مجاري…

عندما يكون مطلبنا الأول من حكومتنا بناء منظومة إنذار مبكر قادرة على هزيمة سلاح الجو الاسرائيلي قبل أن نطلب بناء قاعة أفراح للبلديات…

عندما… وعندما… وعندما….

عندها فقط سنكون فعلا جادين في المطالبة بالغاء اتفاقية السلام ،

وسنكون جادين في المطالبة بفتح الحدود وتحميل اسرائيل مسؤولية حماية نفسها ان استطاعت….

وعندها فقط ، سنكون جادين… في تحصين جبهتنا الداخلية….