كي نفهم الوطن والمواطنة..!

10 فبراير 2022
كي نفهم الوطن والمواطنة..!

بقلم الأستاذ الدكتور تركي بني خالد

ليس من السهل أن نفهم الوطن. ومن يدعي انه يفهمه تماما فقد يكون ساذجا تماما. ومن اجل استيعاب هذا المفهوم العظيم لا بد من بذل الجهد الفكري الضخم. فالوطن اكبر من مجرد فكرة الإقامة في بقعة من الأرض. والوطن مقرون بالإحساس بالانتماء. لكن الأمر يتعدى ذلك بكثير. فالوطن ليس صورة مادية فقط بل هو حزمة من المفاهيم الكبيرة والخطيرة في الوقت ذاته.

الوطن ايدولوجيا كاملة، فيها تتكامل معادلة التفاعل بين الأرض والإنسان. إني أرى أن الوطن حالة عاطفية من الحب تتجلى في سلوكيات الفرد والجماعة بأشكال عدة. ولا أظن أن المعاجم، رغم إعجابي بما تقدمه من شروحات، كافية أو وافية لهذا الغرض. فالمعاجم تتجرد من السياقات وتتحيز إلى التعريفات اللغوية او الاصطلاحية المختصرة أو الغامضة.

إن مفهوم الوطن برأيي لا يكتمل إلا بإعلان الانحياز للمكان وأهله وتاريخه ومصيره ومصائبه وهمومه. انه حالة وجدانية فكرية تجعلنا على استعداد للتضحية في سبيل رفعته ومجده. ولأنه حالة وجدانية، لا بد من الاعتراف بان الوطن والمواطنة نوع من السعادة في حال تحققت ضرورات الأمان والأمن والسكينة والحقوق الإنسانية الأخرى من مأكل وملبس وسكن وعمل شريف ومجتمع متحاب يتشاركون في الأهداف والمصير.

ولعل الشعور بالحرية والقدرة على التعبير والحركة والتفكير من ارقي درجات المواطنة. فالعبيد والأسرى لا يستطعمون لذة المواطنة. وحين ينتشر الخوف والتردد والجبن لا سمح الله فانه لا مكان للمواطنة الصالحة. ولربما كان النفاق من أسوأ حالات التمسح بالوطن، بغية مكاسب شخصية أو فئوية ضيقة سرعان من تتكشف للناظر المتفحص.

وفي تصوري انه لا بد لنا من الكثير من الفلسفة بإيحاءاتها الايجابية والتفلسف إذا أردنا إن نعي أبعاد الوطن والمواطنة بشكل سليم. فلقد كانا مفهوم الوطن والمواطنة حاضرين عبر العصور في كل نماذج الفكر والإبداع في التاريخ البشري.

الوطن تصورات وأحاسيس مكونة من مزيج من الجغرافيا والتاريخ والسياسة والدين والفلسفة متجسدة في السلوك البشري العقلي والبدني. والوطنية اكبر من حيازة دفتر يسمونه جواز سفر أو وثيقة تجنس. انه اكبر من الحدود المكانية، وأوسع مما يتخيله مجتمع من الناس تربطهم انتماءات أنانية ضيقة.

لكي نفهم الوطن ونستسيغ المواطنة، لا بد من التوافق على معاني براغماتية لجملة من المصطلحات الفرعية التي تتردد على الألسن، وتتصدر الأحاديث في المناسبات المختلفة. ولا مهرب من الاعتراف بضرورة تحقق ادراكات واعية لمفاهيم نجترها بين الحين والحين من مثل الديموقراطية، والانتخابات، وسيادة القانون وغيرها.

باختصار، أصبح حتميا أن نتصارح حول ما نقصده بالضبط حين نغرد للوطن وننعته بصنوف الصفات التي لا تخلو من الهذيان في بعض الحالات!