باسل رفايعة: مدهشةٌ سرديةُ داودية في أكثر من مستوى !

22 سبتمبر 2021
باسل رفايعة: مدهشةٌ سرديةُ داودية في أكثر من مستوى !
باسل رفايعة
كأنّك تقرأُ كتاباً تحت وميض فانوس، ولا تحتاجُ أكثر من ذلك؛ لتوقع ما يأتي في صفحاته، ولتدريب عينيك على مزيد من الدهشات، فهذه الأمكنة ربما مرَرْتَ بها صغيراً، وذلك الرجل الذي لم يتقصّد تشييد أسطورته، كتبها صدفةً، وهو يقارعُ ثعباناً في بطين، وتلك المرأة لم تتبعها كاميرا، وهي تربّي أيتامها وشياهها وأحزانها، كأنَّ الأمرَ بطولةٌ يوميّة، ينقصها نصٌّ يقِظٌ، كطائرٍ على طرف سنسلة.
اليقظةُ بالغةٌ في هذا الكتاب، لا شيء يهزمُ النسيان أكثرَ من النصّ، وثمّة بئر أولى لكلّ كاتب، تحفرها الحياة في القماط، وبالكاد يستطيع قليلون رميَ دِلائهم إلى عميقها وبعيدها، ويخرجون ماءً زلالاً، ولا يسخرون من الطمي، فكلُّ ما في البئر يصلحُ للحياة.
في منتهى اليقظة يكتبُ محمد داودية سيرةً ذاتيةً، تكتظُّ بالأبطال والأمكنة والحكايات، ويواصل انتشالَ الدلاء من تلك البئر، الطفل اليتيم، الولد القروي، المعلم الرحّال، ثمَّ الصحافي، والسياسي.
بعضها في سرد روائي مكتمل، وبعضها الآخر في قصصية صحافية بالغة الإِحكام، والخبرة والبراعة، مدهشة هذه السردية في أكثر من مستوى، فهي تؤرّخُ أمكنةً وبشراً، وواقعاً سحريّاً، كما أنّها توثّـقُ سيرة الريف، والحياة الأردنية في الستينات وما بعدها، يستطيع بفضلها القارئ اكتشاف التحولات التي تعرّض له ريفنا، أو ذاكرتنا على وجه الخصوص.
* ملاحظة للمحرر: كتاب الزميل محمد داودية “من الكسّارة إلى الوزارة” سيصدر قريبا عن دار الدستور.