اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية  ….بين وفاء الخضرا وزيد النابلسي

25 يوليو 2021
اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية  ….بين وفاء الخضرا وزيد النابلسي

بقلم/ د. مصطفى التل

في زمن متسارع بالتقلبات السياسية والديموغرافية والمصلحية , يبقى الأردن جزء من الأمة الاسلامية والعربية , في وحدة متجانسة في نسيجه الاجتماعي والسياسي ضمن المنظومة العربية السُنية , مندمجا بمحيطه السُني , مدافعا عن وحدتهم , وعن مقدساتهم , وعن نهجهم .

الأردن الهاشمي , المنحدر من ثورة عربية كبرى , حملت مشاعل توحيد العالم العربي السُني تحت ظل قيادة عربية اسلامية سُنية , اسلامية المنهج , عروبية السيف والقلم .

بذلت الغالي والنفيس في سبيل هذه الوحدة , حاملة هم الأمة الاسلامية والعربية , متمثلة بِمن حملوا مشاعل الهداية في المدينة المنورة , فكان ولا زال  جيشها المصطفوي العربي , باني النهضة الحديثة  وسيفها القاطع , يتربّع على عرش ارث اسلامي عربي لا يتزعزع .

اجتمع الشعب الأردني في وحدة اندماجية مع قيادته على ثوابت هي عنوان وجوده في هذا العالم , رسالة وجودية جوهرية  لهذا الوطن , الثوابت الأردنية لا تتغيّر , وان تماشت  الدولة الأردنية مع متغيرات لا تمس الثوابت الأردنية , تتطلبها المناورة السياسية وسط تغييرات وجودية جيوسياسية في العالم أجمع   للحفاظ على ثوابتها .

التحرك السريع والتغيّر الأسرع في المنطقة , تطلب مناورات سياسية  ضمن استراتيجية  دقيقة لمحددات  الجيـوبوليتيك , فالروابط والعلاقات السببية بين السلطة السياسية والحيز الجغرافي في منطقتنا له الضرورة القصوى في المناورة على الصعيد الاقليمي والعالمي .

من هنا بدأ الخلط عند البعض بين الثوابت والمتغيرات الأردنية وسط حالة انفصام مزمنة عنوانها ( الثابت الأردني قابل للتغيير ) , متوهمين أن  المناورات السياسية التي تتطلبها كل مرحلة من  مراحل تقلبات منطقتنا الملتهبة أساسا , هي الثوابت الأردنية وإنها قابلة للمساومة وقابلة للنقاش من حيث الأصل وصولا للتغيير الذي يتوهموه .

الظاهر أنهم لم يدرسوا الأردن جيدا , ولم يعرفوه بشعبه وجيشه , فالأردن منذ نشأته الحديثة كنتاج طبيعي للثورة العربية الكبرى منذ عقود خلت , ثارت في منطقته ثورات عارمة أنهت عروش , وتجيَشت التيارات المختلفة وحرَكت جيوش , أحدثت تبعيات خارجية وداخلية  , لأقطاب دولية وأيدلوجية , كانت في سرب الخيال البعيد , ولكن الأردن بقي هو الأردن , فلم تخترقه أي ثورة خارجية , أو تبعية داخلية , ولم يخترقه أي تيار خارج عن شعبه وثوابت شعبه , فكان الأردن عصيا على جميع المحاولات لإخضاعه  لتبعيات قطبية دولية وسط حرب باردة طاحنة بين الشرق والغرب , ولم تنجح جميع التدخلات الموهومة في تغيير الاردن الدستوري الاسلامي العربي .

الثوابت الأردنية واضحة وضوح الشمس , حاول البعض القفز عليها , وحاول الآخر تطويعها لغاية في نفس يعقوب , في ظل مصطلحات براقة متعددة , تارة من البوابة الاقتصادية مقرونة  بالبوابة الاجتماعية , وأخرى من البوابة السياسية .

ذهبوا , وبقيت الثوابت هي الثوابت , عملوا جهدهم في تمييعها , وعملوا الأفاعيل في تشويهها , ودقّوا المسامير في مهدها , وصلبوها على العوامل الضاغطة في السياسة والإقتصاد والاجتماع , لم ينجحوا في زعزعة أي ثابت .

التحديث من لوازم الديمومة , ومن لوازم القوة , ومن لوازم الدولة , ومَن لا يُحدّث لا يرتقي , فهذا التحديث ليس الأول في الأردن ولن يكون الأخير .

الأردن منذ ولادته , وهو في خضم معارك طاحنة , بحكم موقعه , ومنطقته الجغرافية , واشتباكه مع الصهيونية غربه , واستهدافه على مختلف الصعد .

فكانت الامارة , والانتداب , والاستقلال , والوحدة , وفك الوحدة مع العراق , وكانت فلسطين , وأصبحت الضفة بعد حرب عام 1948 , وحصلت الوحدة مع الضفة , وحرب 1967 , وتبعها فك الارتباط , ومن لوازمها الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس الشريف , وتبعتها عملية السلام , وما تبعها من معاهدات دولية .

وكان الانفتاح على الأحزاب , ودستور 1952 , وتبعه الاغلاق على الاحزاب , وتبعه عام 1989 الدخول في العملية الديمقراطية , والانتخابات بعد أحكام عرفية نتيجة احتلال جزء من المملكة الأردنية الهاشمية وهي الضفة الغربية.

كل مرحلة من هذه المراحل احتاجت الى تحديث القوانين , وتحديث المنظومة السياسية برمتها , فلم يحدث خلال هذه التحديثات للمنظومات السياسية الأردنية أن طُرح أي ثابت من الثوابت الأردنية للنقاش السياسي على النطاق الضيق فضلا عن النطاق العام .

ولم يحدث أن خرج علينا أحد  المكلفين في التحديثات السياسية في تلك المراحل , وحدثنا عن إبعاد الاسلام على سبيل المثال عن الحياة العامة , أو انه حدثنا عن تعديل دستوري يمس كينونة الدولة , أو حدثنا عن المحيط العربي والإسلامي وشكك  في الدين الاسلامي , على الرغم من ضخامة المهمة في تلك المراحل الحاسمة , والمراحل التي كانت تهدد الأردن كوجود سياسي .

اللجنة الملكية المشكلة حديثا لتحديث المنظومة السياسية , تمر بمراحل طبيعية نسبيا , ولم تتعرض لأي تحدٍ وجودي للأردن مقارنة مع تلك المراحل , وعلى الرغم من ذلك , كانت صدمة الشعب الأردني ليس في تحديث المنظومة السياسية , بل هذا شيء طبيعي جدا , ولكن الصدمة كانت ولا زالت تدور حول كيفية تشكيل اللجنة , وكيف نُسّب أعضائها , ومن الذي نَسّب من حيث الأصل , وما هي الأسس التي اعتمدت  للتنسيب ؟!

مًن الذي اقنع نفسه أنه الأدرى والأخبر في تمثيل مختلف تيارات الشعب الأردني الفكرية والسياسية والأيدلوجية ؟!

وجوه كانت ولا تزال تستعدي الشعب الأردني , من حيث التوجه, من حيث الديانة , ومن حيث الكينونة الخاصة بالأردن , أصبحت تطل علينا من خلال هذه اللجنة , فُجع الأردنيون بمثل هذه الوجوه والتي أصبحت تنظر في تحديث المنظومة السياسية الأردنية .

تيارات فكرية لا تمثل من الشعب الأردني أي نسبة تُذكر , أصبحت هي الأغلبية في اللجنة , الأردنيون فُجعوا بهذا التمثيل المُكثف لهذه التيارات على الرغم من أنها منبوذة شعبيا قبل أن تكون فكريا مستبعدة عن مجموع الشعب الأردني .

أشخاص ينتقصون من دين الشعب , ينتقصون من شعائر الشعب الدينية , ينافحون عن فكر منحرف طائفي أو ايدلوجي , أصبحوا بشكل مفاجيء هم الناظرون في تحديث المنظومة  السياسية .

يبثون سمومهم ليل نهار , في مواجهة الشعب الذي هو عماد هذه المنظومة السياسية , يستعدون شعب بأكمله في دينه وفكره , ومعتقده , ويختبئون تحت عباءة تحديث المنظومة السياسية .

من أين هبط هؤلاء على الشعب الأردني ؟! مِن أين جاؤوا ؟! مَن الذي نسّبهم للجنة ؟! كيف وصلوا الى مثل هكذا مفصل  في هذه المرحلة ؟! الشعب يبحث عن أجوبة , ولا جواب

فهذه اللجنة ليست بدعة سياسية في الأردن , ولا هي فريدة عصرها داخل الأردن , بل سبقها لجان كثيرة جدا , في ظروف حالكة , حدّثت المنظومة السياسية برمتها , لا بل وصل الأمر الى وضع دستور جديد للأردن وهو دستور 1952 .

وأي لجنة تحديث لا تستند الى ثوابت كركيزة انطلاق فهي لجنة عبثية , لا تقدم ولا تؤخر , وسيبقى ما تخطه مجرد حبر على ورق , ومداولاتهم لا تعدوا أن تكون ( سواليف حصيدة ) .

من هنا , كان الميثاق الوطني الأردني الأول الصادر عام 1928 , والذي صدر في مواجهة الانتداب البريطاني للأردن ,  ظل نبراسا للعمل السياسي الأردني ومحور المناضلة الأردنية  في تحركها ضمن محيطها الاسلامي و العربي والدولي , وكان من ركائز وثوابت هذا الميثاق : فصل السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية , والحكومة يجب ان تنول ثقة الشعب في الامارة مقرونة بثقة الأمير , وبغير هذا فأنها لا تعد شرعية ولا يركن اليها  .

وهذا الميثاق الوطني يُعد أول وثيقة سياسية وطنية ذات برنامج محدد ، وقد شكل هذا الميثاق علامة سياسية فارقة في تاريخ النضال الوطني والسياسي الأردني حددت فيه الثوابت السياسية للإمارة في تلك المرحلة .

وجاء الميثاق الوطني الأردني  الثاني , والذي صدر عام 1991 في عهد المغفور له بإذن الله تعالى الملك حسين بن طلال , ومثّل ملخص الثوابت الأردنية الداخلية والخارجية , والتي هي ركائز أي تحديث لاحق لأي منظومة سياسية أو تحرك سياسي ينبني على تحديث .

فلخص الثوابت وصنفها ضمن أبواب وفصول , مبتدأ بهوية الدولة الأردنية انها اسلامية الديانة ,  والحكم الأردني أنه دستوري نيابي ملكي وراثي , مروروا بالمرتكزات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وليس انتهاء بالعلاقات الدولية العربية والإسلامية والدولية .

وحاز هذا الميثاق على اجماع الجميع بما فيهم الأحزاب بمختلف توجهاتها الفكرية والعقائدية , وأصبحت هذه الأحزاب مقرة بالالتزام بثلاث وثائق هي رديفة  لبعضها البعض , وهي على الإجمال : الدستور ,والقانون الصادر عن الدستور , والميثاق الوطني الأردني الصادر عام 1991 .

فكان لهذا الميثاق الأثر الأكبر  على بناء الدولة الأردنية من خلال تعمق وتعاظم الوعي السياسي والاجتماعي والاقتصادي للشعب الأردني باستمرار,  وجعل الشعب يطالب بالمشاركة في صنع القرارات السياسية والسير نحو النهج الديمقراطي,  وإقامة الحياة النيابية في الأردن وذلك من أجل المحافظة على الدولة الأردنية وصون استقلالها ,  وكانت مهمة مؤسساتها ضمان هذا الاستقلال وخلق مناخ ملائم لازدهار وتقدم الشعب.

فهل تستطيع هذه اللجنة وما اكتنفها من شروخات عظيمة , واستعداء من بعض أعضائها للشعب الأردني , أن تقدم ما قدمته اللجان السابقة …؟!!!!