بقلم: د. مصطفى التل
(بناء نظام إعلامي أردني حديث يشكل ركيزة لتحقيق التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي نريد, يتماشى وسياسة الانفتاح الاقتصادي الاجتماعي والثقافي التي ينتهجها الأردن , ويواكب التطورات الحديثة التي يشهدها العالم.
تطوير رؤية جديدة للإعلام الأردني تأخذ بعين الاعتبار روح العصر, وتخدم أهداف الدولة الأردنية , وتعبر عن ضمير الوطن, وهويته بكافة فئاته وأطيافه, وتعكس إرادته وتطلعاته , وتتيح لوسائل الإعلام الأردنية القدرة على التنافس مع وسائل الإعلام الأخرى (.
هذه هي الرؤية الملكية للإعلام الوطني ومنتجه , المتوخاة من جميع الخطط الموضوعة والتي ستوضع على الطاولة , لتطويره.
الرؤية الملكية للإعلام تأخذ في الاعتبار تطوير رؤية جديدة للإعلام تأخذ بروح العصر , وتخدم أهداف الدولة الأردنية , وتعبر عن هوية الوطن , وموقفه بكافة أطيافه وفئاته ، تعكس إرادته وتطلعاته ، تتيح لوسائل الإعلام الوطني بمختلف تصنيفاتها القدرة على التنافس مع وسائل الإعلام الخارجية , وهو ما يتطلب تشجيع التعددية , واحترام الرأي الآخر , وعرض وجهات النظر المختلفة , ودعم استقلالية المؤسسات الإعلامية , وإداراتها , واستقلال قراراتها لتمكينها من لعب دورها المحوري في المجتمع , وقدرتها على نقل الرؤية الوطنية لمختلف القضايا إلى العالم الخارجي, بعد ترسيخها في المجال الداخلي . في مناخ من الحرية المسئولة , والمهنية المتطورة .
* الإعلام الأردني ليس مستحدثا كما يصوره البعض الرسمي للأسف الشديد :
الإعلام الأردني متجذر مع وجود الإمارة , حيث نقل الملك عبد الله الأول , وسائل الإعلام من الجزيرة العربية إلى الإمارة التي تم تأسيسها , وظهرت الصحف المتخصصة آنذاك , ومنها : الفلاح، القبلة، جرول الزراعية، وبريد الحجاز .
وفي عام 1927 ظهر الإعلام الأردني وترسخ على يد القطاع الخاص , حيث ظهرت عدة صحف في هذه الفترة منها : جزيرة العرب، الشريعة، صدى العرب .
متوهماً ذلك مَن يعتقد أن هذه الفترة كانت بدائية بالنسبة للإعلام , وان الساحة الإعلامية كانت مفتوحة لكل مَن هبّ ودب , وأنها كانت بدون تنظيم إعلامي يراعي جودة المنتج .
في هذه الفترة , صدرت القوانين والتنظيمات والتعليمات الناظمة للوسط الإعلامي, وتحديد الإعلام كمفهوم قانوني , مما أوجد مظلة قانونية للإعلام , حيث تم تنظيم حركة الأفراد في إنشاء أو إصدار أو حتى تحرير أي خبر أو مواد يراد نشرها في أي وسيلة إعلامية معروفة في تلك الفترة , واشتملت هذه القوانين والأنظمة على حرية الحركة الإعلامية ومقدار سقفها , وكذلك حق وسائل الإعلام في الحصول على المعلومة , كما اشتملت على التنظيم المالي الخاص لأي وسيلة إعلامية سيصار إلى إنشائها في هذه الفترة .
كما أنها اشتملت على أهم محور في الإعلام في أي عصر , وهو مرجعية موجّهة للإعلام بشكل عام , حتى تُقاس جودة المنتج الإعلامي من خلالها . سنتكلم عنها لاحقا إن شاء الله من خلال هذا المقال .
المظلة القانونية , والأنظمة الناظمة للعمل الإعلامي في تلك الفترة , والحماية التي وفرتها للإعلاميين حتى من المسائلة القانونية في حدود المهنة وفي حدود القانون , وإضفاء الصفة الرسمية على أي إعلامي أردني خارج الإمارة بموجب تشريعات الإمارة المختصة بالإعلام وأهله, شجّع كثيرا من الصحف والإعلاميين العرب بالهجرة إلى الإمارة وخاصة من فلسطين .
مما أظهر كثيرا من الإعلاميين المتميّزين في تلك الفترة , وعددا من كتاب الأعمدة الصحفية الذين برزوا في ميدانهم , من مختلف ألوان مواضيع الأعمدة الصحفية .
وظهرت صحف المعارضة في هذه الفترة , وكانت تعمل بحرية نسبية , وأصدرت مطبوعاتها مصاحبة للصحف الموالية آنذاك .
حيث تركز جوهر الرسالة الإعلامية في تلك المرحلة على مرحلة الثورة العربية وإفرازاتها , الاستعمار والانتداب , وحدة العرب بمرجعية إسلامية , حيث اهتمت الصحافة الأردنية في تلك الفترة بشكل عام بالجوانب السياسية والاجتماعية. واهتمّت بالحوار والمناقشات الفكرية و قضايا التنمية, إلى جانب اهتماها بالأدب شعراً ومقالةً وقصةً.
وتنوعت المطبوعات الصحفية من حيث الإصدار بين اليومية و الأسبوعية والنصف شهرية والشهرية .
تجاوزت الأعداد المطبوعة من حيث الإصدارات في تلك الفترة ( 3000 ) طبعة , مما يعطينا نبذة بسيطة عن مدى غزارة المواد الإعلامية المنتجة في تلك الفترة .
في الفترة الممتدة من عام ( 1946-1970 م ) ظهرت الصحف اليومية بقوة , وأصبح لها قراء منتظمين بموارد مالية منتظمة , وتراجعت الصحف الأسبوعية أمام الصحف اليومية ,
كما شهدت إنشاء دار الإذاعة الأردنية عام 1948 م .
وشهدت هذه الفترة كذلك صدور قانون المطبوعات والنشر بصورته الأولى ما بين عامي ( 1953- 1955 م ) الذي أكّد على حرية الصحافة , وشهدت الساحة الإعلامية حرية لم يسبق لها أن شاهدتها وعايشتها سابقا تحت مظلة قانونية , فتم إصدار الصحف والمطبوعات العقائدية , والحزبية , التي كانت متعددة المرجعيات .
ثم تم تشريع قانون منع الأحزاب عام 1957 , مما استلزم إغلاق الصحف الحزبية وبعض العقائدية , وفي نفس العام تم دمج الصحف اليومية بشركتين إعلاميتين ودخلت الحكومة معهما كشريك , ثم انسحبت من هذه الشراكة في عام 1969 م .
كما ظهرت أولى الصحف الأردنية باللغة الانجليزية في هذه الفترة , وشهدت نموا مضطردا بعدد المطبوعات من مجلات تابعة للمؤسسات الرسمية والأهلية , كما ظهرت ملاحق أدبية واجتماعية للصحف الرسمية في هذه الفترة , وأصبحت صفة لازمة لأي صحيفة تصدر .
أما وزارة الإعلام الأردنية كوزارة فيرجع نشأتها إلى «مديرية التوجيه الوطني» عام1958، والتي تضمنت دار الإذاعة الأردنية الهاشمية في عمان والقدس، وإدارة المطبوعات والنشر، وإدارة السياحة والآثار , مما انعكس على إدارة المطبوعات والنشر التي تحولت من وزارة الخارجية، ومن مجلس الوزراء إلى مديرية .
ثم تحولت مديرية التوجيه الوطني إلى وزارة الثقافة والإعلام في عام 1964 م, ثم أنشئت وكالة الأنباء الأردنية بترا في عام 1969م , وفي عام 1973 تم إنشاء المحطة الأردنية للاتصالات الفضائية .
ومنذ عام 1989 بدأ الإعلام الأردني بالدخول في المرحلة الديمقراطية التي دخلتها البلاد بإعلان ملكي عن إجراء انتخابات لمجلس الأمة , وبدأت مرحلة الانفتاح بتحولاته المتعددة الإعلامية .
هذا التاريخ الإعلامي مغيّب عن أبنائنا , وعن مناهجهم في مدارسنا , وعن المناهج الوطنية , لا بل أسهبت المناهج الوطنية في شرح تاريخ الإعلام خارج الأردن , وتم تدريس طلابنا عن الإعلام المصري وغيره , خلال فترات الاستعمار المختلفة , وهذه الفترة أيضا غائبة وطنيا في المناهج الرسمية عن تاريخ الأردن ونضاله الوطني ضد الانتداب ودور الإعلام الأردني في ذلك , وكأن الأردن كانت خالية من أي وسيلة إعلامية مؤثرة في مقاومة الانتداب .
* وسائل الإعلام في الأردن بين العام والخاص ….
قطاع الإعلام كغيره من القطاعات , خضع لسياسة السوق المفتوح , مع بقاء ضوابط وسيطرة حكومية عليه أعلى من بقية القطاعات .
القانونان الناظمان ( المطبوعات , الإعلام والمسموع ) سمح لـــ( الشخص الاعتباري ) الذي عرفه القانون بأن (الذي تم تأسيسه أو تسجيله وفق أحكام التشريعات الأردنية النافذة ) بتملك وسائل الإعلام في المملكة الأردنية الهاشمية , والشخص الاعتباري بتعريفه القانوني امتد ليشمل : الجمعيات، الاتحادات، النقابات، الأندية، الهيئات الأهلية .
وكنتيجة مباشرة , تنوع القطاع الإعلامي في الأردن بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص , فقانون الإعلام والمسموع الصادر عام 2002 , مع قانون الأحزاب الصادر 1992 , مقرونا مع قانون المطبوعات والنشر , مكّن القطاع الخاص من امتلاك وسائل إعلامية بشتى أنواعها, بعد ما كانت حكرا على القطاع العام , بفضل هذه القوانين التي كسرت احتكار الحكومة لقطاع الإعلام أصبح بإمكان القطاع الخاص تملك فضائيات , إذاعات , ومحطات تلفزة أرضية .
مع ذلك , بقي امتلاك القطاع الحكومي لأكبر عدد ممكن من وسائل الإعلام في الأردن , فحتى عام 2015 القطاع الحكومي يملك القناتين الأرضيتين الوحيدتين في الأردن، وثلاث قنوات فضائية، ووكالة الأنباء الوحيدة في الأردن (بترا) , أما قطاع الصحف الورقية، فإن الحكومة هي المساهم الرئيسي في ثلاث من أصل سبع صحف يومية تصدر حتى ذلك التاريخ، حيث تملك من خلال المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، 55% من أسهم «المؤسسة الصحفية الأردنية/الرأي» ، التي تصدر جريدة «الرأي» اليومية الوحيدة باللغة الإنجليزية في الأردن «جوردان تايمز» , كما تملك 35% من أسهم الشركة الأردنية للصحافة والنشر التي تصدر صحيفة «الدستور» ثالث يومية من ناحية الانتشار.
القطاع الخاص خاض التجربة عن طريق تلفزيون ( ATV), وهي كانت مشروع لأول محطة أرضية خاصة , لكنها محاولة باءت بالفشل , واقتصر القطاع الخاص بالإعلام على الفضائيات , لغاية عام 2015 كان القطاع الخاص يمتلك خمس عشرة فضائية، من أصل 46 قناة مرخصة. 9 منها قنوات «سلايد»، أي صور ثابتة، وتسجيلات غنائية وشريط متحرك إعلاني أو إخباري، دون برامج أو أخبار. كما يمتلك كذلك 24 إذاعة محلية تتركز ملكية نصفها في 4 شركات تجارية، تملك إحداها أربع إذاعات، فيما تتوزع ملكية النصف الآخر على 12 شركة أخرى.
* المال ورجال الأعمال هم المتحكمون بالمشهد الإعلامي في الأردن من خلال تمركز وسائل الإعلام بأيديهم :
لا زال هذا القطاع يحتاج إلى ضبط , ويحتاج إلى تنظيم , ويحتاج كما غيره من القطاعات الأخرى لحماية صغار مالكي بعض وسائل الإعلام في السوق الإعلامي إن جاز التعبير , إن وجدوا من حيث الأصل .
فقانون الإعلام المرئي والمسموع، كنظام وتعليمات لرخص البث الإذاعي والتلفزيوني، لا يتضمن أي مواد تتعلق بالملكيات المتقاطعة داخل قطاع الإعلام المرئي والمسموع أو بينه وبين قطاعات الإعلام الأخرى، وبالتالي لا يوجد ما يمنع السيطرة على سوق الإعلام. كما لا يوجد تشريعات تعترف بالتمايز بين صغار وكبار المستثمرين في سوق الإعلام الأردني .
سوق الإعلام الأردني بشكل عام حتى عام 2015 تمتلكه مجموعة شركات لا تتعدى ملكيتها لأكثر من 6 أشخاص على الحد الأعلى, وجلهم رجال مال وأعمال , لا يتخصصون بالإعلام ولا بالصحافة ولا بأي مجال يخص الإعلام باستثناء د. رولا الحروب .
أربع شركات فقط تمتلك نصف عدد الإذاعات في الأردن، وتملك اثنتان من هذه الشركات تلفزيون فضائي وإذاعة، في حين أن النائب السابق أحمد رقيبات يملك قناة «نورمينا» وإذاعة «الشرق»، وتمتلك مجموعة البداد للإعلام والاتصالات فضائية وإذاعة JBC، وتمتلك شركة أخرى ممثلة بالنائب السابق رولا الحروب ورياض الحروب فضائية «جوسات» قبل إغلاقها مع صحيفة «الأنباط» اليومية هذه الإحصائية حتى عام 2015 م .
بينما تأتي المنافسة على الإعلانات , كونها المصدر الرئيسي للدخل من خلال تداخل وتقاطع الملكيات لوسائل الإعلام وشركات الدعاية والإعلان , ضمن منظومة يتحكم بها مالك المال , بينما صغار الإعلاميين لا يملكون من أمرهم شيئا , ليكونوا محركي المشهد الإعلامي حسب توجيهات مالكي المال .
السوق الإعلامي الأردني ضمن هذه المنظومة والتقاطعات التي تفتقر إلى التنظيم , ووضع أولويات عامة لحماية صغار الإعلاميين , لتشجيع المنافسة بين وسائل الإعلام على الإعلانات , أصبح رهين شركات كبرى تحتكر السوق لصالحها.
مجموعة الصايغ ( مالكة فضائية رؤيا ) تمتلك أيضا شركة خبراء الرؤيا للتسويق والدعاية والإعلان , بالشراكة مع الأخوين محمد وماجد عليان (مالكي يومية الغد( حسب ما ورد بتقرير عن الحالة الإعلامية في الأردن على موقع ( حبر ) لسوسن زايدة , بينما الشريكين زيد جمعة ومهند خليفة مالكي شركتي الفريدة للمطبوعات والعربية لإدارة المحطات الإذاعية يملكون أيضا شركة الكون للدعاية والإعلان , التي كان الأخوان عليان شريكان في الشركتين قبل انسحابهما عام 2012 , وكانوا شركاء أيضا مع جمعة وخليفة في الشركة الكويتية الأردنية للإعلان والنشر والتوزيع التي كانت تصدر صحيفة ( الوسيط ) الإعلانية الأسبوعية .
حيث أنه يمكن اعتبار الشريكين ( زيد جمعة و مهند خليفة ) ثاني أكبر مالكين للإعلام في الأردن بعد الحكومة الأردنية , حتى عام 2015 , حيث أن شركة الفريدة للمطبوعات المتخصصة المملوكة لهما , كانت تصدر 10 مجلات شهرية و6 أسبوعية , يضاف إليها شركة الكون للبث الإذاعي والتلفزيوني التي كانت تمتلك 4 إذاعات أردنية هي ( الفن , روتانا , يقين , مكس ) حتى عام 2015 .
* الإعلاميون المتخصصون وصغار المستثمرين وسط هذا القطاع الإعلامي الخاص :
القوانين والأنظمة الناظمة للعمل الإعلامي واستثماراته في السوق الأردني , حرمت الصحفيين المستقلين وصغار المستثمرين من امتلاك أي وسيلة إعلامية خاصة بهم , وكانت العامل الأكبر كمانع في الانتشار المجتمعي والمناطقي لوسائل الإعلام المختلفة , يضاف الى انها عائق أمام التنوع والتوازن في المضمون الإعلامي للإذاعات الخاصة .
على سبيل المثال , نظام هيئة الإعلام لـرخص البث الإذاعي والتلفزيوني, حرم الجمعية الوطنية للتأهيل المجتمعي (الغور) من الحصول على رخصة بث إذاعة مجتمعية تعنى بمنطقة الأغوار في عام 2015 , بسبب غياب المرجعية المفسرة للقانون والنظم الناظمة المتعلقة ببعض المفاهيم القانونية .
حيث اشترطت الهيئة على الجمعية تسجيلها كشركة ينطبق عليها قانون الشركات , في تضارب واضح مع تعليمات الهيئة نفسها ومع قانون المطبوعات والنشر والذي منح الأحزاب والهيئات المدنية حق الحصول على رخص بث إذاعي وتلفزيوني أو إصدار مطبوعات.
وبعد الإصرار على التسجيل كشركة , اصطدمت الجمعية بمسألة الرسوم المرتفعة للغاية المفروضة للانتقال للبث على ترددات إف إم , حيث تم الطلب منها إيداع 50 ألف دينار كحد أدنى لدى أي من البنوك الأردنية , يضاف إليها مبلغ 20 ألف دينار لرسوم البث ورسوم البرج لهيئة الاتصالات , ومن المعروف أن منطقة غور الصافي هي أحد بؤر الفقر حسب التقارير الحكومية، ولا يمكن للمجتمع المحلي أن يساهم في دفع الرسوم.
فالتنظيمات والتعليمات حصرت حق الحصول على رخص البث بالشركات التجارية , وارتفاع رسوم رخص البث بالنسبة للمنظمات الصغيرة، مما أدى عدم التوازن في مضمون برامج الإذاعات الخاصة. , فمن أصل 24 إذاعة خاصة، يوجد 10 إذاعات موسيقية وبرامج ترفيهية (5 إنجليزي و5 عربي)، و8 إذاعات منوعة تعتمد على برامج صباحية سياسية/خدماتية، برامج اجتماعية تستقبل اتصالات المستمعين، مواجز أخبار قصيرة من وكالة الأنباء الرسمية، والنسبة الأكبر من البث للأغاني والإعلانات، منها 3 محطات تبث برامج ونشرات إخبارية وتغطيات وتقارير خاصة ينتجها فريق تحرير خاص بالمحطة، اثنتان منها إسلامية التوجه حتى عام 2015 .
وبالنتيجة العامة , أصبح تمركز وسائل الإعلام في القطاع الخاص بيد قلة قليلة من رجال الأعمال ممثلين بشركات تجارية مسجلة , وهؤلاء رجال الأعمال في ظل غياب مرجعية توجيهيه للمنتج الإعلامي الأردني , يستخدمون كثيرا من نشاط شركاتهم الإعلامية في مجال الاستفادة منها على نحو ضيق جدا .
كما أن الانتشار المناطقي والمجتمعي باستثناء الإذاعات الرسمية وإذاعات القطاعات العامة , يكاد يكون شبه معدوم , باستثناء عدد محدود جدا من الإذاعات التي تغطي مناطقها فقط .
بينما الإعلام المجتمعي ضعيفا للغاية , ولا حماية قانونية له مطلقا , كما انه التنوع في المضمون الإعلامي يكاد يكون في حكم العدم , والإعلام التنموي شبه غير موجود , إضافة إلى انعدام استثمارات صغار المستثمرين في الإعلام , وحرمان الإعلاميين المتخصصين من امتلاك وسائلهم الإعلامية الخاصة نتيجة عدم نظم تشجعهم على هذا الأمر.
معظم المعلومات الواردةفي هذه النقطة , مصدرها عام 2015 , ولم أجد معلومات أحدث من ذلك التاريخ للأسف الشديد .
* جودة المنتج الإعلامي الأردني والمعايير العامة لهذا المنتج :
– كان المُنتج الإعلامي الأردني ومن خلال الإذاعة والتلفزيون الأردني , يتمثل جوهريته من خلال : الانتماء الوطني , التمسك بالتراث العربي الإسلامي , والحض على التماسك الوطني في إطار وحدة الأمة العربية والتاريخ والمصير المشترك. كما أشار له الإعلامي الأردني الدكتور ( تركي نصار ) في كتابه ( تاريخ الإعلام الأردني ) .
هذه القيم كانت تصل للمواطن عن طريق مزيج من البرامج والمواد الإعلامية والتي كانت منبثقة من فلسفة الإذاعة والتلفزيون والصحافة الأردنية , والتي تمثلت في محاور التعليم، والتثقيف، وتقديم الصالح العام، ورفع مستوى تذوق الفنون الرفيعة، وزيادة تجاوب المجتمع مع الآداب ، واكتشاف المواهب الإعلامية الواعدة وكفالة فرص تدريبها وتطويرها.
كلها تندمج في عملية تفاعلية أردنية فريدة من نوعها على مستوى الوطن العربي برمته , بين الإذاعة والتلفزيون والصحافة المكتوبة , تحت ظل فلسفة واحدة , وقيم واحدة , في إطار تفاعلي مُنتج وصولاً إلى جودة المُنتج الإعلامي الأردني , الذي كان له مقاييس واضحة .
– مرجعية الإعلام الأردني في المرحلة الحالية :
المواطن والإعلام يبحثون عن المرجعية التي تقود وتوجه الإعلام في الأردن , فمن القطاع الخاص الذي أصبح مجرد ( عمل يدر ربحا ) على صاحب الشركات الإعلامية , والذي قطعا سيتوجه إلى أي فلسلفه تقوده للربح عن طريق مؤسسته الإعلامية , بغض النظر عن المرجعية أو الفلسفة الإعلامية التي يقدمها , أو طبيعة المجتمع الذي يبث له برامجه .
إلى إعلام رسمي وشبه رسمي الذي أصبح تائها بين الجودة الإعلامية والفلسفة التي نشأ عليها , وبين الشركات التجارية الإعلامية التي تضرب بعرض الحائط أي فلسفة عامة للمجتمع تجاه الإعلام .
إلى تشتت الهياكل المنظمة للإعلام في الأردن , وتشتته بينها من ناحية قانونية وتنظيمات وتشريعات مختلفة , فكانت وزارة الإعلام , ثم المجلس الأعلى للإعلام , ثم هيئة المرئي والمسموع , ثم المركز الوطني للإعلام , وليس وصولا إلى إدارات مستقلة لكل مؤسسة إعلامية وحدها .
بدأت التضاربات في التوجه الإعلامي لكل مؤسسة , وبدأ التهافت الإعلامي الذي هبط مستواه إلى درجة لا يمكن للمواطن العادي أن يتقبله , وجمود البرامج والمواد الإعلامية علاوة على تكرارها بنفس القالب لسنوات طويلة , إلى مديونيات عالية جدا على مختلف وسائل الإعلام , الأمر الذي دفع غالبيتها نحو التوجه إلى الجمهور وتلبية رغباته وان كانت هابطة إعلاميا , في سبيل التخفيف من المديونية التي أثقلت كاهل هذه المؤسسات .
وبالمحصلة فإن فحوى الرسالة الإعلامية التي أصبحت قاصرة، وتقترب من أن تكون عاجزة، عن أداء المهمة التي ترتقي إلى مستوى الجودة الإعلامية المرتجى منها ، وتتجاوب مع مقتضيات عمليات الإصلاح في مختلف القطاعات، مع عدم قدرتها على مسايرة متطلبات عصر بات فيه الإعلام سلطة حقيقية .
هذه المحصلة في بلد فيه مجموعة لا يستهان بها من المبدعين الإعلاميين المؤهلين , وفيه قدر كاف من الحرية , ويتمتع باتصالات عصرية , و إرادة عليا تحث على التطوير والتحديث , ظلت عصية على الفهم , وبقيت أحجية عالية التعقيد .
– الإعلام ليس عرض أزياء , ولا هو عرض جمال:
الخامة الإعلامية , بالظهور المميز , والفكر المميز أيضا , يضاف إلى سلامة النطق عند المذيع أو المقدم و وضوح العبارة , تتحكم فيه طبقات الصوت المختلفة .
المتابع الناقد للمشهد العام في الإعلام الأردني خلال السنوات الأخيرة , يرى بكل وضوح أن منظر وشكل ولباس المقدمة أو المذيعة مع المقدم والمذيع يطغى على المحتوى الإعلامي , فأصبحت التأتأة في التقديم شيء مستساغ , وأصبحت بلع نصف الكلمة عند المقدم أيضا شيء مستساغ , وأصبح خلط العربي مع اللغة الانجليزية دليل على ثقافة المقدم والمقدمة لأي برنامج .
فبرامج مسابقات رمضان على سبيل المثال , أصبح عرض أزياء مش مسابقة ثقافية , وطبيعة المعلومات المقدمة في المسابقة بحد ذاتها لا يقبلها المواطن البسيط , فأين المرحوم ( رافع شاهين ) من هذا المستوى الذي نشاهده …؟! وأين المرحوم الدكتور شريف العلمي ..؟!!
البرامج الإخبارية أصبح فيها المقدم عبارة عن تمثال مغطى بالمكياج والمساحيق , السنحة الأردنية لا يعرفها , وقوة اللفظ والصوت والحضور والنطق السليم أصبحت بالدرجة الثانية بعد المظهر العام , فأين غالب الحديدي …وأين سوسن تفاحة..وأين عفاف القضماني …وأين المرحوم إبراهيم الذهبي ؟!
– البرامج الحوارية أصبحت مكررة فكرة ومشهدا , ونفس الضيف يتجول على عدة محطات إذاعية وتلفزيونية في نفس اليوم .
يتندر أحد الكتاب الصحافيين بالقول : أنه قضى أحد أيامه متنقلاً من محطة فضائية لأخرى ليكون ضيفاً على برامج حوارية تقدمها هذه الفضائيات ، وأنه وجد نفسه متحدثا في عدة قضايا مختلفة في يوم واحد .
وهذا الكاتب الصحافي واحد من عشرات الشخصيات التي يتكرر ظهورها في البرامج الحوارية التي تتسابق الفضائيات الأردنية على بثها لدرجة أن بعض الفضائيات تقدم أكثر من برنامج حواري . بحيث أصبح المشاهد في زحمة وارتباك لضخامة وتشابه الرسالة الإعلامية التي تبثها هذه البرامج .
وأصبح هؤلاء الضيوف على هذه البرامج عبارة عن حلقة دائرية تطوف على مختلف البرامج الحوارية في الفضائيات الأردنية , تجده صباحا على الإذاعة , وتشاهده مساءا على إحدى الشاشات الأردنية , صباحا يتكلم في السياسة , ومساءا يتكلم في الاجتماعيات , وظهرا تسمع صوته على إحدى الإذاعات وهو يتلكم حول العلوم , فتم تفريغ المحتوى الإعلامي من مضمونه نتيجة هؤلاء والمستضيفين لهم .
مع تكرار البرنامج نفسه وفكرته على أكثر من إذاعة وأكثر من شاشة أردنية , ونفس الضيف , ونفس الفكرة , ونفس المعلومة , ونفس الأسئلة مع بعض الكلمات المتغيرة .
فأي رسالة اعلامية متوقعة من هذا التكرار الممل الفارغ من أي مضمون …؟!!!
نكتفي بهذا القدر ..على أن نختار قضايا إعلامية جزئية ..نركز عليها بشكل كامل وواف إن شاء الله